كتاب عربي 21

انتصار حمساوي "في خدمة نتنياهو"!

1300x600
في مقالة نشرها له موقع قناة الحرّة الأمريكية، يقول حازم الأمين إن نتيجة الجولة الأخيرة في قطاع غزّة بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل" انتصار لحماس على العرب والفلسطينيين، ولم تكن انتصارا على "إسرائيل"، بل كانت خدمة لنتنياهو واليمين الإسرائيلي.

بداية ينبغي عليّ التنويه إلى أن تعبير "المقاومة الفلسطينية" منّي لا منه، فهذا بعض تصرّفي في نصه، وهذا منطلق جيد لبيان الخلل في قراءة الأمين لما حدث، وفي الإطار الذي تنحشر فيه قراءته لهذه الأحداث.

الحقيقة أن تلك الجولة لم تكن بين حماس و"إسرائيل" فقط، وإنما بين الفلسطينيين كلّهم في قطاع غزّة وبين "إسرائيل". فالمعركة أدارتها غرفة مشتركة لفصائل المقاومة، تماما كما أن مسيرات العودة تُنظّم جماعيّا من عديد القوى الحزبية والأهلية في القطاع. كما أن المتابع الجيد وعن كثب لمجريات الأحداث في غزّة يدرك أن الردّ المسلّح على عدوان الاحتلال صادر عن رغبة شعبية، وحظي بعد ذلك برضى شعبي؛ حتى من أولئك الذين كثيرا ما يوجّهون النقد القاسي لحماس وسياساتها وإدارتها للقطاع.

غالبا، سيرى الأمين أن تلك الفصائل كلّها جزء من السياسة الإيرانية في الموضوع الفلسطيني، ومحكومة بنحو أو بآخر بسلطة حماس في القطاع، ولن يكون قادرا على رصد الإرادة الشعبية التي وقفت خلف تصدي المقاومة لعدوان الاحتلال، وهذا يستدعي سؤالا ينبغي طرحه على الذين يتناولون المقاومة الفلسطينية من هذه الزاوية، أي زاوية ارتهان المقاومة الفلسطينية للمحور الإيراني. هل يمكن ولو مرّة واحدة أن يقرؤوا سلوكا لهذه المقاومة دون تكلّف فرض المواقف المسبقة عليها؟! ألم تخض حماس، مواجهة واسعة مع الاحتلال في عامي 2012 و2014، في ذروة خلافها مع إيران حول الموضوع السوري؟!

كيف يمكن لأيّ أحد أن يتحدث في مسألة كهذه، ويجهل، أو يُغفل تماما، أنّ لا حماس ولا بقية فصائل المقاومة هي التي بدأت الاحتلال إطلاق النار؟! وإنما في غمرة الحديث عن تهدئة، دفع الاحتلال بقوّة أمنية خاصّة كي تتسلل إلى قلب قطاع غزّة؛ اصطدمت بها المقاومة ولاحقتها، فماذا كان يتوقع أصحاب الرأي الذي يتبناه الكاتب المشار إليه من الفلسطينيين داخل غزّة؟!

نحن هنا نتنزل إلى رأي الكاتب ومن يشاركه إيّاه، وإلا فإنّه لا مشكلة عندنا في الأصل في أن تبدأ المقاومةُ الاحتلالَ إطلاق النار، ما دام تقدير الموقف يتيح ذلك. ولكن في الحدود التي يؤمن بها الكاتب، وهو يزعم أنّ حماس ومقاومتها أكبر خدمة لـنتنياهو والحكومة اليمينية، لماذا يتبرع بدوره لخدمة نتنياهو حينما يغفل أن "إسرائيل" هي التي بدأت العدوان؟ ومهما كان رأيه في المقاومة وأصحابها، ماذا يتوقع من الفلسطينيين وهُمْ يكتشفون قوّة أمنية غادرة تتسلل لتنفيذ عملية قد تكون عملية اغتيال أو اختطاف أو تجسس؟!

ما تريده "إسرائيل" بالضبط هو ما يريده الكاتب، وهو أن يكون سلاح المقاومة معطّلا بالكامل، فإن تعطّل قيل إنه للاستقواء على الفلسطينيين وسبب الحصار (إدانة للمحاصَر بفتح الصاد لا للمحاصِر بكسرها)، وإن رُفع السلاح قيل إنه يوفّر الذريعة لـ"إسرائيل" للتنصّل من عملية السلام (وكأنها موجودة)، وفي سياق المصالح الإيرانية وللبحث عن شرعية لأصحاب السلاح!

بصرف النظر عن سخرية الكاتب من إنجاز المقاومة الفلسطينية، أو استقالة وزير الحرب الصهيوني من الحكومة، وعجزه عن رؤية "إسرائيل" إلا منتصرة دائما؛ وإنجازات المقاومة إلا خدمة لـليمين الإسرائيلي وعلى الفلسطينيين دائما، فلنعد إلى أصل فكرته، وهي أن حماس، بـ"كانتونها" و"إخوانيتها" ومقاومتها؛ توفّر الذريعة لـ"إسرائيل" للتنصّل من إنجاز العملية السلمية ومنع قيام الدولة الفلسطينية، إذ لا يمكن أن يُفهم من هذا الرأي، إلا أنّه لو لم تكن حماس، أو لم يكن حكمها لقطاع غزّة، لأخذ الفلسطينيون دولتهم منذ زمن!

هذا القول لا يعدو أن يكون دعاية لا تنتظر "إسرائيل" أكثر منها، فحتى ولو وضع الكاتب قدرا من اللوم على اليمين الإسرائيلي؛ فإنّه يجعل المشكلة الإجرائية التي تحول دون إقامة الدولة الفلسطينية في محض وجود حماس أو محض حكمها لقطاع غزّة. فـ"إسرائيل" متذرّعة بعقبة حقيقية، لا متوهمة، هي حماس!

فلنتجاوز عن هذا الموقف الذي يخدم "إسرائيل" بالفعل، ولنستدعِ الأحداث المحسوسة والملموسة، ولننظر في السبب الذي منع قيام الدولة الفلسطينية من العام 1993 (ساعة توقيع اتفاقية أوسلو) إلى العام 2006 (الذي فازت فيه حماس في الانتخابات)، أو حتى العام 2007 (ساعة الانقسام)، فـ14 عاما كان الشريك موجودا، والفرصة مواتية لانعدام فاعلية حماس وتأثيرها "المعطّل"!

سيجيب الكاتب: "مقاومة حزب الله التي أطاحت ببيريس"، وسيقحم اغتيال رابين - كما في مقالته - في الإجابة دون أن نعرف علاقة حماس أو غيرها بالأمر! لكن هذا لا يعدو أن يكون أكثر من جهل بحقائق الصراع في فلسطين، والحدود المشتركة بين كل قوى "إسرائيل" فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وعلينا حينئذ أن نذكّره بفشل مفاوضات كامب ديفيد بين عرفات وباراك "اليساري"، الذي لم تكن حماس سببا فيه، وأن نذكّره باستمرار "الشريك الفلسطيني" بعد الانقسام؛ حينما أخذ دفعة هائلة في أنابوليس ودعما دوليّا وإقليميّا ضدّ حماس، لينخرط في مفاوضات (مع أولمرت وليفني) لم تكن حماس المسؤولة عن فشلها.

هذا "الشريك الفلسطيني" لم يَجْنِ من شراكته وحسن نواياه تجاه العملية السلمية، في سلسلة "كانتوناته" في الضفة الغربية، إلا مزيدا من تهويد القدس وفصلها عن الضفة، والتغوّل الاستيطاني، وحصار الفلسطينيين في "كانتونات" منعزلة عن بعضها، وبالصورة التي جعل فيها إقامة دولة فلسطينية ضربا من المحال، رغم أن حماس لم تحكم في الضفة الغربية دقيقة فعلية واحدة!

طوال مسار التسوية، منذ أن بدأ الحديث عنه أوائل سبعينيات القرن الماضي وحتى فوز حماس في الانتخابات، فإنّ هذه الأخيرة إمّا أنّها لم تكن موجودة أو كانت أقلّ تأثيرا، وهو ما ينبغي أن يدعو الكاتب، ومن يشاركه الرأي، أولا لتحديث معلوماته فيما يتعلق بالقضية التي يتحدث فيها، وثانيا لمراجعة مسلّماته، فالمسار نفسه طوال هذا التاريخ، وهو يثبت خطيئة التعويل عليه، ويثبت سوء قراءة أصحابه العرب والفلسطينيين للعدوّ ونواياه وسياساته وقواه، وأنّ هذ العدوّ هو سبب فشل العملية السلمية أولا وأخيرا، وأنّ أيّ قول آخر إنما ينطوي على تبرئة ضمنية للعدوّ، وأنّ حماس جزء أصيل من الشعب الفلسطيني، فازت في الانتخابات بأصوات الفلسطينيين، وانفردت بحكم قطاع غزّة بسبب الرفض الفعلي من فتح وداعميها لنتائج الانتخابات.

إن كان هذا صعبا، أي إعادة النظر في المسلّمات، فلينظر في الحادثة وسياقاتها فقط، كما في المواجهة الأخيرة، ليكتشف أنّه يسوّق لدعاية الاحتلال!