قضايا وآراء

روحاني ما بعد "السؤال"

1300x600

مثول الرئيس الإيراني حسن روحاني أمام البرلمان يوم الثلاثاء الماضي 28 أغسطس 2018 أثار تساؤلات عدة لدى المراقبين والمتابعين للشأن الإيراني حول دوافع هذا الإجراء ودلالاته ومآلاته.


في البداية ينبغي القول إنه حسب اللوائح الداخلية للبرلمان ومادتي 88 و89 للدستور الإيراني حال وجود تساؤلات أو غموض لدى المشرعين الإيرانيين حول أعمال ومسؤوليات الرئيس ووزرائه، يوجد أربع آليات للتعامل مع الموقف، هي: التنبيه، وطرح السؤال، والاستجواب، والتحقيق البرلماني.

 

في الحالة الأولى يقوم المشرع أو المشرعون بتنبيه الرئيس أو وزرائه بشأن وظائفهم الدستورية من خلال رئيس البرلمان، وفي الحالة الثانية التي تحمل دلالات أقوى من السابقة حال وقّع ربع النواب البالغ عددهم 290 نائبا على طرح السؤال على الرئيس بشأن أي قضية داخلية أو خارجية، عليه المثول أمام البرلمان لمدة لا تزيد عن الشهر للاستماع إليهم والرد على أسئلتهم التي يجب أن لا تتجاوز الخمسة، وفي حال لم تكن إجابات الرئيس مقنعة للنواب وكان مضمون الأسئلة أو أحدها فيه نقض للقوانين أو امتناع عن تنفيذها فإنها تتم إحالة الموضوع في تقرير إلى السلطة القضائية، وهي بدورها تقوم بدراسة الأمر إن كان حدث بالفعل نقض القانون أو الاستنكاف عن تنفيذه، ويبعث بالنتيجة للبرلمان وحينئذ سيقرر الأخير بناء على ذلك.


أما الحالة الثالثة فهي الاستجواب التي يتم إدراجها ضمن جدول أعمال البرلمان بعد موافقة ثلث أعضائه، وبعد استجواب الرئيس يتم التصويت على عدم أهليته لعزله، وذلك يحتاج إلى مصادقة ثلثي المجلس، وحال حصول ذلك يتم رفع القضية إلى المرشد الأعلى للثورة ليقرر العزل من عدمه وفقا للبند العاشر للمادة 110 للدستور الإيراني.


ووفقا للبند العاشر للمادة 110، هناك طريقة أخرى قد تنتهي إلى عزل الرئيس وهي أنه إذا ما أصدرت المحكمة العليا قرارا يدين الرئيس بمخالفة وظائفه الدستورية، يتم رفع القرار أيضا إلى المرشد ليقرر وفق المصالح العليا للبلد بناء على هذه المادة. وفي نهاية المطاف قائد الثورة هو صاحب الكلمة الأخيرة في هذا الخصوص.


عكس ما تناولته بعض وسائل الإعلام والمحللين فإن مثول الرئيس الإيراني يندرج تحت الحالة الثانية أي بند الاستماع وليس الاستجواب. وكذلك خلافا لما ذهب إليه البعض فإنه لا تتم إحالة الموضوع إلى السلطة القضائية؛ لأنه كما قال علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني لم يكن موضوع الأسئلة الخمسة المطروحة على الرئيس أو أي منها نقض القانون أو الامتناع عن تنفيذه، وبالتالي فإنه في المرحلة الحالية لا يتجاوز الأمر أروقة البرلمان ويبقى تحت سقفه.


مساءلة الرئيس أمام البرلمان ليست أمرا جديدا في إيران، وقد خاض الرئيس "المحافظ" محمود أحمدي نجاد أيضا هذه المواجهة البرلمانية في ولايته الثانية عام 2012، عندما اختلف مع حماته المحافظين البرلمانيين. انتهت المواجهة ولم ترتق إلى استجوابه وعزله.


اليوم يتكرر المشهد نفسه مع الرئيس "المعتدل" حسن روحاني، ويتوقع أن يتوقف الموضوع عند هذا الحد، ويستبعد تماما حالا ومستقبلا أن تتكرر تجربة عزل أول رئيس للجمهورية الإسلامية أبو الحسن بني صدر مع الرئيس روحاني ليكون ثاني رئيس يُعزل في تاريخ الجمهورية، وذلك لأسباب كثيرة، أهمها: أولا، أن الظروف الحساسة التي تعيشها إيران اليوم على المستويين الداخلي والخارجي لا تتحمل مثل هذا الحدث الجلل، حيث سيكون له تداعيات سياسية واقتصادية كبيرة على البلد، ومن شأنه أن يهوي بالريال الإيراني إلى مستويات قياسية أخرى ويزيد من تدهور الوضع الاقتصادي.

 

خصوم روحاني السياسيون يدركون ذلك تماما.

 

ثانيا، عزل الرئيس في البرلمان بحاجة إلى موافقة ثلثي أعضائه، وخصوم روحاني لا يحظون بهذه النسبة بالبرلمان. نعم اصطف كثير من النواب الإصلاحيين مع خصومهم المحافظين في التصويت سلبا على إجابات الرئيس، ما جعل أربعة منها غير مقنعة لغالبية أعضاء البرلمان، ما عدا الإجابة عن السؤال المتعلق بالاتفاق النووي.

 

لكن هذا لن يتكرر حال جرّ الرئيس إلى جلسة استجواب. هذا الاصطفاف الإصلاحي إلى جانب خصوم روحاني في جلسة الاستماع ليس لغرض الانسلاخ عن الرئيس الذي أوصلوه إلى السلطة، وإنما أرادوا من خلال ذلك إظهار امتعاضهم لسياسة الرئيس المهادنة في مواجهة المحافظين، والتي يعتبرونها ضعيفة، متهمين إياه بإضاعة فرصة جلسة الاستماع للكشف عن حقائق كما وعد بذلك في رسالة جوابية إلى رئيس البرلمان من جهة، وكذلك عدم تحمل أعباء فشل السياسات الاقتصادية للحكومة وضعف فريقها الاقتصادي الذي يتعرض لانتقادات حادة من الإصلاحيين منذ فترة، مطالبين الرئيس بتغييره.


ثالثا، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران رغم تحفظاته الكثيرة التي أبداها في مناسبات عديدة تجاه الأداء الاقتصادي للحكومة ليس واردا أن يوافق على عزل الرئيس سواء عبر مجلس الشورى الإسلامي أو السلطة القضائية، وهو الذي رفض قبل فترة وجيزة الدعوات المطالبة باستقالة الرئيس وحكومته بالقول: "من يدعو إلى استقالة الحكومة كَمَن يؤدي دوراً في خطة الأعداء".


رابعا، خطاب الرئيس روحاني في جلسة الاستماع الأخيرة في البرلمان أظهر أنه لا ينوي التصعيد، حيث سيطر عليه الهدوء والدعوة للوحدة بين التيارات السياسية، وطابع التحدي للولايات المتحدة الأمريكية، ما يعني أن الوضع ليس مرشحا لمزيد من التصعيد وأنه سيتم الاكتفاء بهذا القدر بما يحمل من رسائل تحذيرية للرئيس لتعديل سياساته الاقتصادية.. علما بأنه وبعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، أصبحت تقترب مفردات وخطابات الرئيس ولاسيما في السياسة الخارجية من لغة الأصوليين وخطاباتهم، ما نال إعجابهم وإشادتهم، إذ إنه بعدما هدد الرئيس روحاني من العاصمة السويسرية خلال زيارته لها في يوليو الماضي بعدم السماح بتصدير النفط من المنطقة حال تم منع طهران من تصدير نفطها، تلقى دعما معنويا من قيادات سياسية للمحافظين ومن قيادات الحرس الثوري ومن المرشد الأعلى نفسه.


القول إن روحاني يدفع ثمن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي ليس دقيقا، رغم الآثار السلبية النفسيه والمادية لهذا الانسحاب على الاقتصاد الإيراني، حيث إن جذور قضية طرح الأسئلة على الرئيس في مجلس الشورى الإسلامي تعود إلى صيف عام 2017 أي قبل هذا الانسحاب بعام تقريبا، عندما تقدم 100 نائب بطلب مساءلة الرئيس في البرلمان لعدم حل مشاكل أصحاب الودائع في مؤسسات مالية وبنوك أعلن عن إفلاسها، ساهمت في إطلاق شرارة احتجاجات في البلد.

 

حينها، بعد تدخل رئيس البرلمان توقف الموضوع ولم تتم مساءلة روحاني، أما مع اشتداد الحالة الاقتصادية وضعف الحكومة في التعامل مع متطلبات المرحلة، فقد عاود مشرعون متابعة الموضوع بعد تحديث الأسئلة، وفي نهاية المطاف بعد إصرارهم على طرح السؤال عليه في البرلمان، تم وضعها ضمن جدول الأعمال، واستدعي أخيرا روحاني يوم الثلاثاء الماضي.


كما أن موافقة أغلبية أعضاء البرلمان الإيراني على إجابة روحاني عن السؤال المطروح بشأن سبب استمرار العقوبات المصرفية على إيران رغم مضي عامين على تنفيذ الاتفاق النووي في ظل التزام طهران بجميع تعهداتها بموجب الاتفاق، تؤكد أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي ليس له علاقة مباشرة بالموضوع كما يقول البعض.


خلاصة القول أن الرئيس روحاني اليوم يقع بين سندان ضغوط ترامب الاقتصادية والسياسية، ومطرقة ضغوط متطلبات الداخل سواء مطالب خصومه أو حماته الإصلاحيين أو الشارع الإيراني، وهو يدفع ثمن أخطاء حكومة الرئيس نجاد السابقة، وأخطاء سياسات فريقه الاقتصادي، ورهانه الكبير على الاتفاق النووي كأكبر إنجاز له خلال ولايته الرئاسية، وكذلك حسابات سياسية لخصومه المحافظين وحتى الإصلاحيين، والمتصلة بانتخابات الدورة الحادية عشر للبرلمان الإيراني المزمع إجراؤها في مارس 2019، وأيضا الانتخابات الرئاسية في 2021. بالتالي يفترض أن يواصل البرلمان الإيراني ضغوطه على الرئيس روحاني وحكومته، دون أن ترتقي هذه الضغوط إلى استجوابه وعزله خلال الفترة المقبلة في ظل المعطيات آنفة الذكر. رغم ذلك من الوارد استمرار عملية إقالة وزراء حكومته بعد أن تمت الإطاحة بوزيري العمل والاقتصاد خلال أقل من شهر، واليوم مرشح وزراء جدد لإقالتهم في البرلمان مثل وزراء الصناعة والتعليم والتربية.