مقالات مختارة

التعري في قاعة الامتحان الجامعية

1300x600

أخ عزيز سمع عن مواقفي «النسوية» أرسل لي من الـ «فيسبوك» حكاية تحدث للمرة الأولى في قاعة الامتحان، ولعل «بطلتها» تجد طريقها إلى «موسوعة غينيس»!

 

لماذا اهتم الصديق اللبناني، قريب زوجي، بالأمر؟ يبدو لأن الحكاية وقعت في واحدة من أهم خمس جامعات أمريكية، ولأنه سبق له التخرج فيها، وله فيها حنين إلى زمن!


بطلة القصة هي طالبة الماجستير، لوتيسيا تشاي، ويبدو من صورتها (بالحد الأدنى من الملابس الداخلية) في قاعة الامتحان أنها صينية الأصل. ماذا حدث؟ جاءت تشاي إلى القاعة للمثول أمام الأساتذة والدفاع عن أطروحتها للماجستير، وكانت ترتدي بنطالا (شورت) بالغ الاختزال، ورافقها من يصور ذلك.


وهنا أبدت واحدة من أعضاء اللجنة الفاحصة ملاحظة حول مظهرها؛ إذ وجدت أن (الشورت) الذي ترتديه بالغ القصر. ودعمها فورا أحد الطلاب قائلا إنه كان عليها ارتداء ملابس لائقة احتراما لمستمعيها من أساتذة وطلاب، في قاعة امتحان جامعية.


ثيابي غير لائقة؟ سأخلعها!


وهنا بدأت تشاي بالتعري أمام الأساتذة وزملائها الطلاب، متهمة الأستاذة (المنتقدة) بأنها تستدعي بقولها النظرات (الذكورية) إلى جسدها ما يحول اهتمامهم عن مناقشتها لأطروحتها إلى عريها!


وثمة طلاب وطالبات خلعوا ثيابهم دعما لها، وآخرون انتقدوها وتضامنوا مع الأستاذة قائلين إنها قديرة و«هدية» لجامعتهم يفخرون بها.


وذكر الخبر أن مشهد التعري كان ينقل مباشرة على «فيسبوك» وسواه من وسائل التواصل الاجتماعي.


وهكذا تابعت تشاي الحديث عن أطروحتها أمام اللجنة الفاحصة بملابسها الداخلية فقط!


وحين غادرت قاعة الامتحان سألتها الأستاذة التي وجهت لها الملاحظة حول ثيابها: ما الذي يمكن أن تقوله أمك إذا علمت بالحكاية؟


أجابتها: أمي «نسوية» من دعاة تحرر المرأة وأستاذة جامعية في حقل الدراسات النفسية الجنسية وستبارك ما فعلته.


تحرير المرأة ليس من عقلها وثيابها!


توقفت عند هذه الحكاية، لأن أخي الصديق قال لي معلقا: أرجح تضامنك مع بطلتها لوتيسيا تشاي كما فعلت أمها، فأنت نسوية من دعاة تحرير المرأة. قلت له: دعني أقرأ الحكاية أولا بإمعان ومن ثم أبدي رأيي.


ووجدت أنني أختلف مع الجميع! معها ومع أمها ومع أستاذتها التي وجهت إليها الملاحظة، ومع اللواتي والذين تعروا تضامنا معها!


لقد كنتُ ذات يوم طالبة فأستاذة جامعية، وأفهم بالتالي وجهة نظر الطرفين وأخالفهما. من وجهة نظري، كان على الأستاذة أن تترك لوتيسيا تشاي تناقش أطروحتها وتؤجل التعليق على ثيابها إلى ما بعد المناقشة لكي لا تدفع بطالبتها إلى ردة فعل مبالغ بها كما حدث، فالطالب حين يناقش أطروحته للماجستير يكون بالغ التوتر والاضطراب، أي في حالة قد تدفع بالبعض إلى اقتراف الحماقات كتشاي.
لا أحب محاكمة النوايا كموقف دائم!


قد يخطر ببال البعض أن تشاي كانت تنوي القيام بما فعلته بعد استفزازها للأساتذة بثيابها وأنها تعمدت الأمر بدليل أنها أحضرت من يصور المشهد ويبثه مباشرة على «فيسبوك»، وأنها قد تكون اتفقت مسبقا مع بعض الطلاب لخلع ملابسهم تضامنا معها.


من طرفي أكره محاكمة النوايا وأتحدث عما أعرفه. وكطالبة وأستاذة جامعية سابقة أعتقد أن أسلوب ارتداء الثياب هو أمر يتضمن احتراما للذات قبل الآخر.


من حق المرأة أن ترتدي الحجاب أو البكيني أو سواهما وتدفع ثمن خيارها ـ فالحرية مسؤولية ـ ولكن (النسوية) أو (تحرير المرأة) لا يعني الانفلات «والاستعراضية الاستفزازية»، بل يعني قضايا أكثر عمقا إنسانيا، ويعني أن المرأة ليست أقل قيمة إنسانية من الرجل، بل إن الرجل عاجز عن المطالبة بالمساواة مع المرأة، فهو غير قادر على الإنجاب مثلها مثلا! ولكن المساواة أمام القوانين والحقوق هو ما تطالب به (النسوية) إلى جانب احترام المرأة كإنسان. ولو جاء إلى قاعة الامتحان طالب ذكر بملابسه الداخلية لكانت ردة الفعل مني عليه مشابهة لما لقيته تشاي.


وهكذا فهم أخي الصديق موقفي «كنسوية» على نحو خاطئ، وأحببت توضيح الأمر لأن الكثيرين يتوهمون أن النسويات ناقصات العقل واستفزازيات، ثم يرسمون لهن صورة نمطية كاريكاتيرية!


عليهم الانحناء أعواما أمام الشعب


أنتقل من الجامعة الشهيرة في أمريكا إلى اليابان..


لقد طالعت خبرا لا أستطيع إلا التوقف أمامه كلبنانية عانت وتعاني من انقطاع الكهرباء في لبنان حين تزوره، وهو ما يعاني منه المواطن العربي في بعض أقطارنا.


والخبر (مع الصورة) يقول إن الوزير المسؤول في اليابان انحنى عشرين دقيقة أمام شعبه اعتذارا عن انقطاع التيار مدة 20 دقيقة!


ترى، لو انحنى بعض المسؤولين اللبنانيين عن انقطاع التيار الكهربائي في لبنان وبالتالي انتشار تجارة بيع التيار للبيوت بمولدات ما يشكل عبئا كبيرا على الناس، لو انحنى أولئك المسؤولون أمام الشعب اللبناني، تُرى كم عدد السنوات التي عليهم أن يقضوها منحنين؟ أبقية عمرهم أم عمرنا؟!


ماذا نشرب في لبنان؟


أنتقل من اليابان إلى فرنسا، فقد طالعت في مجلة «باري ماتش» الباريسية تحقيقا في أربع صفحات حول مدى نقاء مياه الشرب في صنابير باريس وسواها، وقامت المختبرات بتحليلها ونشرت النتائج كما هي بكل شفافية.


ترى ما الذي سنجده لو قمنا بالأمر ذاته مع مياه الشرب في بيروت وسواها من المدن اللبنانية؟ بل هل نجرؤ على تحليل بعض المياه (المعدنية) المعبأة في الزجاجات، التي نشربها في بيوتنا أو في المطاعم؟ أم أن وراء كل ثري استغلالي منتفع من ذلك (قبضاي) واختصاصي في الضرب والترويع؟


ثمة لحظات أغار فيها من شفافية الغرب في معظم الحقول، وحرية الإعلان عن الحقيقة.

 

(القدس العربي)