صحافة دولية

ترامب يتخلى عن كندا تزامنا مع فورة غضب محمد بن سلمان

التزمت الولايات المتحدة الأمريكية الصمت تجاه الأزمة السعودية الكندية - جيتي

نشرت مجلة "فانيتي فير" الأمريكية تقريراً تحدثت فيه عن رفض دونالد ترامب تقديم الدعم لرئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، وحكومة بلاده عقب تفاقم الخلافات الدبلوماسية المتصاعدة بين أوتاوا والرياض في الآونة الأخيرة. ويبدو أن الرئيس الأمريكي لا يريد دعم كندا على حساب حليفته السعودية، حتى وإن عنى ذلك التخلي عن الاهتمام بحقوق الإنسان في العالم.

 

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن التصريحات الكندية المتعلقة بالتجاوزات التي تقترفها السعودية أثناء تعاملها مع الناشطين الحقوقيين أثارت حفيظة الرياض، وهو ما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ويمكن القول إن طريقة تعامل الحكومة الأمريكية مع هذه الأزمة تسلط الضوء على الاستراتيجية الجيوسياسية الخاصة بواشنطن في عهد ترامب.

وأضافت المجلة أن الخلاف بدأ يوم الأحد الماضي، عندما أدانت كندا اعتقال عدد من النشطاء السياسيين في السعودية، بما في ذلك الناشطة في مجال حقوق المرأة، سمر بدوي، ودعت إلى إطلاق سراحهم. وقد أثار ذلك حفيظة السعوديين، الذي ردوا على هذا النقد اللاذع من خلال طرد السفير الكندي ووقف رحلات الخطوط الجوية السعودية المتجهة إلى كندا، فضلاً عن طلب سحب حوالي 12 ألف طالب سعودي يدرسون في الجامعات الكندية.

وأوضحت المجلة أن الولايات المتحدة الأمريكية التزمت الصمت فور اندلاع شرارة الأزمة الكندية السعودية. ومن ثم، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا يوضح تعلق إدارة ترامب بالمملكة التي تتبع نهجا متشددا، بالإضافة إلى برود العلاقات مع حكومة جاستن ترودو. وشدد البيان على العلاقات الجيدة التي تجمع ترامب بولي العهد المستبد للدولة الخليجية، محمد بن سلمان.

وأشارت المجلة إلى أن استجابة إدارة ترامب لهذه الأزمة تبين مدى عدم اهتمام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان. وفي بيانها الصادر يوم الاثنين الفارط، أوردت وزارة الخارجية الأمريكية أن "كندا والمملكة العربية السعودية حليفتان وثيقتان للولايات المتحدة. لقد طلبنا من حكومة المملكة العربية السعودية الحصول على معلومات إضافية حول اعتقال العديد من النشطاء. ونحن نواصل تشجيع الحكومة السعودية على احترام الإجراءات القانونية اللازمة ونشر المعلومات المتعلقة بالقضايا القانونية. كما أننا نشير إلى هذه المشاغل في تقريرنا السنوي لحقوق الإنسان".

وذكرت المجلة أن موقف كندا يبدو ضعيفاً بعض الشيء عقب امتناع حليفتها في حلف الناتو، الولايات المتحدة الأمريكية، عن تقديم الدعم لموقفها المناهض للانتهاكات السعودية. ورداً على البيان الأمريكي، صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الكندية، ماري بير باريل، بأن "كندا ستدافع دائماً عن حقوق الإنسان، ويشمل ذلك حرية التعبير وحقوق المرأة". ومن جهتها، رفضت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت، اعتبار هذا الخلاف "قضية دبلوماسية" وحثت كلا الجانبين على "التعاون من أجل حلها".

ونقلت المجلة وجهة نظر صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية للقطيعة الدبلوماسية بين البلدين، التي ترى بأن رد فعل الرياض يندرج ضمن إطار أوسع وأكثر شمولاً، حيث يسعى محمد بن سلمان إلى إحداث تغييرات جذرية تشمل علاقاته مع الدول الأخرى. وعلاوة على ذلك، يمكن القول إن رد الفعل المبالغ فيه يعتبر جزءا من "رؤية السعودية 2030"، التي تطمح إلى زيادة التأثير السياسي السعودي وتقليل اعتماد المملكة على النفط والتشجيع على الاستثمار الأجنبي وريادة الأعمال.

في الوقت ذاته، يمكن اعتبار طريقة تعامل الحكومة السعودية مع الانتقادات الكندية وسيلة لصرف انتباه الشعب السعودي عن الانتهاكات نفسها وتوحيد الشعب السعودي ضد ما يعتبره محمد بن سلمان تهديدا أجنبياً. وتأتي محاولة التصعيد مع كندا بعد فشل العديد من المبادرات السابقة في توجيه أنظار الإعلام نحو المملكة العربية السعودية، على غرار التحالفات السعودية الأمريكية وإصدار الملك سلمان بيانا أكد فيه دعم بلاده للفلسطينيين.

وبينت المجلة أن ما يزعج ترودو هو مدى تقارب الحكومتين الأمريكية والسعودية، فضلا عن المجهودات التي يبذلها كل من دونالد ترامب ومحمد بن سلمان لإنجاحها. وعلى الرغم من اعتقاد الحكومة السعودية ونظيرتها الإماراتية أنهما تسيطران بشكل كبير على تصريحات صهر ترامب ومستشاره، جاريد كوشنر وتصرفاته، إلا أن ترامب قام بعمل ممتاز بتوغله داخل أروقة الحكومة السعودية وتمكنه من عقد صفقات أسلحة تتجاوز قيمتها مليارات الدولارات.

وأفادت المجلة أن السعوديين حصلوا على تأييد ترامب بشكل كامل، وذلك من خلال المعاملة الخاصة التي حظي بها الرئيس الأمريكي أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية. وإن لم يكن ذلك كافياً، فقد عزز السعوديون هذه الشراكة من خلال زيارة ولي العهد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حظي بمعاملة تليق بكبار الشخصيات في المجتمع الأمريكي، ناهيك عن قيام بعض الصحفيين بنشر مجلة باسم "المملكة الجديدة" لتوجيه المديح للسياسة التي تنتهجها السعودية بقيادة ولي العهد الشاب.

وقالت المجلة إن تخلي ترامب عن دعم كندا يعتبر بمثابة تصريح مباشر للمملكة العربية السعودية لمواصلة التصدي لمحاولات الدول الغربية الأخرى التي تنتقد انتهاكات الرياض المتعلقة بحقوق الإنسان. ويبدو جليا أن الدولة الخليجية الديكتاتورية الغنية بالنفط لا تحتاج للتحالفات مع الدول الغربية الأخرى في حال أرادت القيام ببعض الأنشطة التجارية.