كتاب عربي 21

تأسيس "ولاية الشام" وتكتيكات الرعب في السويداء

1300x600
تشير العملية الدموية المركبة التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة السويداء إلى حقبة جديدة من تكتيكات الرعب والموت، وذلك عقب استكمال عملية إعادة الهيكلة التنظيمية في العراق وسوريا، التي بدأها التنظيم مع بداية العام الحالي. 
 
وقامت على اعتماد نهج يحتفظ بمركزية القرارات الإيديولوجية والتنظيمية الحيوية الكبرى، وتفعيل حالة اللامركزية في تنفيذ القرارات الإدارية والعسكرية، الأمر الذي يضفي المزيد من المرونة اللازمة للتكيّف مع التغيرات والمستجدات، ويعطي الفروع الإقليمية والعالمية، فضلا عن المجاميع والخلايا المحلية استقلالية كافية تتناسب مع طبيعة التحولات الميدانية وفقدان السيطرة المكانية الحضرية. 
 
وبدأ تنظيم الدولة الإسلامية منذ 24 تموز/ يوليو الماضي بالتخلي عن التعامل مع العراق وسوريا كوحدة تنظيمية واحدة، وباتت معرّفات تنظيم الدولة الإسلامية على وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم عبارة "ولاية الشام" عند نقل الأخبار من المدن والمناطق السورية، وعبارة "ولاية العراق" عند نقل الأخبار من المدن والمناطق العراقية، بعد أن كانت تقسم مناطق سيطرته في سوريا والعراق إلى ولايات متعددة.
 
كان واضحا منذ الإعلان عن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية والقضاء على مشروعه السياسي كـ"دولة خلافة" نهاية 2017، أن ذلك لا يعني نهاية التنظيم، وإنما نهاية خقبة السيطرة المكانية ونظام الحكامة. 
 
والأمر الذي أدى إلى تركيز التنظيم على إعادة بناء وهيكلة "المنظمة" وضمان الاستمرارية من خلال القدرة والفعالية على تنفيذ هجمات مركبة في مناطق عديدة في العراق وسوريا، فضلا عن الولايات الخارجية. 
 
فالتنظيم لا يزال يعمل منظمة لا مركزية ويتمتع بالقدرة والفعالية على تنفيذ هجمات مركبة في مناطق عديدة في العراق وسورية، وهو لا يزال يسيطر على جيوب عديدة وينتشر في مساحات واسعة. 
 
ولا تزال فروع التنظيم وولاياته الخارجية تتمتع بالقدرة على تنفيذ هجمات كبيرة في بلدان عربية وإسلامية مختلفة، وتشكل شبكاته ومجاميعه المنسقة وخلاياه الفردية النائمة و"ذئابه المنفردة" خطرا على أمريكا وأوروبا. 
 
وصرح منسّق الدبلوماسية الأمريكية لمكافحة الإرهاب ناثان سيلز في 28 شباط/ فبراير 2018 بإن "التنظيم يتأقلم مع انتصاراتنا". 
 
وأضاف: "أعتقد أن ما نراه هو أن تنظيم داعش يصبح لامركزيا على نحو متزايد".
 
إن تحول تنظيم الدولة إلى حالة اللامركزية ستجعله أكثر خطورة بعد استكمال عملية إعادة الهيكلة مع نهاية العام الجاري، وستتصاعد تكتيكات العنف والرعب مع حلول العام المقبل. 
 
وأعلنت الولايات المتحدة خلال المؤتمر الدولي الذي عقد في واشنطن لبحث سبل مكافحة الإرهاب في شباط/ فبراير 2018، أن تنظيم "الدولة الإسلامية" يتطوّر ويتكيّف مع الهزائم التي مني بها في كل من العراق وسوريا، محذرة من أن تحوّل التنظيم المتشدد إلى اللامركزية يجعله أكثر انتشارا وخطورة. 
 
وقال ناثان سيلز: "نحن نلفت نظر المجتمع الدولي إلى أن سقوط ما يسمى دولة الخلافة في العراق وسوريا لا يعني أن تنظيم داعش لم تعد لديه سلطة، بل على العكس من ذلك". 
 
وأكد أنه "مع تحقيقنا الانتصار تلو الآخر على تنظيم داعش في ميدان المعركة، فإن التنظيم يتأقلم مع انتصاراتنا".  
 
وأضاف: "المعركة لم تنته على الإطلاق، إنها مجرد مرحلة جديدة،"، متابعا: "أعتقد أن ما نراه هو أن تنظيم الدولة الإسلامية يصبح لا مركزيا على نحو متزايد.. إنه آخذ في التطور والتكيف".
 
إن العملية الدموية المركبة التي نفذها فرع "ولاية الشام" في محافظة السويداء تؤشر على طبيعة التحولات داخل تنظيم الدولة الإسلامية، وهي تحولات تقع في سياق إعادة الهيكلة في ظل فقدان السيطرة المكانية الحضرية، حيث تصبح فروع الصحراء أكثر دموية وراديكالية وعنفا، عند التخلي عن نمط الحروب الكلاسيكية التقليدية إلى نمط حروب العصابات. 
 
وكان المتحدث الرسمي السابق باسم تنظيم الدولة أبو محمد العدناني قد أشار إلى خيار الصحراء في كلمة صوتية بتاريخ 23 أيار/ مايو 2016 حين ذكّر بملاذات الصحراء وحرب العصابات، بالقول: "أم تحسبين أمريكا أن الهزيمة فقدان مدينة أو خسارة أرض؟! وهل انهزمنا عندما خسرنا المدن في العراق وبتنا في الصحراء بلا مدينة ولا أرض؟ وهل سنهزم وتنتصرين إذا أخذتِ الموصل أو سرت أو الرقة أو جميع المدن وعدنا كما كنا أول حال؟ كلا؛ إن الهزيمة فقدان الإرادة والرغبة في القتال".
 
 
دخل تنظيم الدولة حقبة جديدة تتناسب مع نهاية حقبة "الخلافة" ومرحلة الحروب الكلاسيكية، وعمد الاعتماد على منطق حرب العصابات، وذلك في سياق إعادة الهيكلة لتتناسب مع مرحلة حرب الاستنزاف. 
 
وجاءت كلمة البغدادي الصوتية التي بثّتها مؤسسة "الفرقان" التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في 28 أيلول/ سبتمبر 2017 بعنوان "وكفى بربك هاديا ونصيرا"، للتأكيد على النهج المستقبلي للتنظيم. 
 
وأقر البغدادي بنهاية مؤقتة لمشروع التنظيم السياسي كـ"دولة" تتوافر على هياكل للسلطة والحكم وتسيطر مكانيا على مناطق مدينية حضرية وتستند في نهجها العسكري إلى منطق الحروب النظامية الكلاسيكية، حيث أسست كلمة البغدادي إلى عودة  التنظيم لسيرته الأولى بالحفاظ على وجوده منظمة تتوافر على إيديولوجيا وهيكل تنظيمي وتمويل يستند بصورة أساسية إلى حرب العصابات وتكتيكات الاستنزاف في المناطق الأكثر صعوبة في العمق الصحراوي، فضلا عن الاحتفاظ بمفارزه الأمنية وخلاياه وشبكاته المنتشرة في المدن.
رغم غياب التغطية الإعلامية الدولية والمحلية لعمليات تنظيم الدولة الإسلامية، والتعتيم الممنهج، إلا أن التنظيم ينفذ هجمات يومية في مختلف الولايات التابعة له، فضلا عن عمليات الذئاب المنفردة. 
 
فخلال الأسبوعين الأخيرين فقط، نفذ التنظيم 166 عملية منوعة أسفرت عن قتل وإصابة 1402 وتدمير 97 آلية، بحسب صحيفة "النبأ" التابعة للتنظيم.
 
وكانت حصيلة سوريا هي الأعلى، بمقتل وإصابة 758. 
 
ورغم انتشار خلايا تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق جغرافية عديدة في سوريا، إلا أن قطاع البادية والصحراء هو الأكثر خطورة، لا سيما البادية السورية جنوب نهر الفرات، وصولا إلى الحدود العراقية السورية، وجيوب التنظيم في المحطة الثانية وقرية حميمة ومحيطهما، التي يشن التنظيم انطلاقا منها هجمات متفرقة على مواقع سيطرة النظام والمليشيات الإيرانية. 
 
وكذلك بادية السويداء، التي يتمركز في مناطقها الوعرة حيث انضم إليهم العناصر الذين خرجوا من أحياء دمشق الجنوبية بعد الاتفاق مع نظام الأسد على خروجهم الى البادية في أيار/ مايو الماضي، لتبدأ بعد ذلك معارك بينهم وبين قوات النظام.
 
لا جدال أن فرع البادية والصحراء في ولاية الشام قدم نفسه بصورة واضحة جلية من خلال هجمات محافظة السويداء، التي تعكس طبيعة إيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية باستهداف من يطلق عليهم وصف "المرتدين" و"الصليبيين" و"الصفويين". 
 
إذ تبدو حرب الهوية تتمتع بأولوية فائقة، كما أن الهجمات كشفت عن نهج حرب العصابات واعتماد تكتيكات الرعب والموت، فقد بدأت العملية المركبة من مهاجمين وانغماسيين فجر الأربعاء الخامس والعشرين من تموز/ يوليو 2018. 
 
حين تسلل  عدد من عناصر التنظيم نحو قرى الريف الشرقي المحاذية للبادية، ومنها قرى دوما والسويمرة وحزم المتونة ولاهثة شرق السويداء، وبلدات الشريحي والشبكة والغيضة وحمايل شمال شرق السويداء حيث قتل عناصر التنظيم أكثر من عشرين مدنياً في قرية رامي. 
 
فيما وصل عدد الضحايا إلى ثلاثين في الشبكي والشريحي، وفي هجمات متزامنة شهد سوق الخُضار المركزي إطلاق نارٍ عشوائي من قِبل عناصر التنظيم بالتوازي مع تفجيرات انتحاريّة، ليصل عدد ضحايا الهجمات إلى أكثر من 250، فيما وصل عدد الجرحى إلى أكثر من 250 جريحا.
 
رواية تنظيم الدولة الإسلامية حسب وكالة أعماق التابعة للتنظيم قالت: هاجم مقاتلو الدولة الإسلامية مواقع لقوات النظام والميليشيات الموالية له في مناطق متفرقة من السويداء، وتنوعت الأهداف بين مقرات أمنية ونقاط عسكرية وغيرها. 
 
حيث اقتحم 9 انغماسيون مواقع في مدينة السويداء، واشتبكوا مع قوات النظام لساعات، وفجر 4 من الانغماسيين أحزمتهم الناسفة، فيما قتل الباقون خلال المواجهات. 
 
وفي محور آخر، اقتحمت مجموعات من مقاتلي الدولة الإسلامية قرى ريف السويداء الشرقي، حيث دارت مواجهات عنيفة بمختلف أنواع الأسلحة، واستمرت حتى ساعات المساء، سقط خلالها عشرات القتلى والجرحى من قوات النظام، فيما دمر مقاتلو الدولة الإسلامية 4 آليات لقوات النظام شرقي المحافظة، إحداها تحمل مدفعا رشاشا، كما تمكنت مجموعة من مقاتلي الدولة من الوصول إلى طريق دمشق - السويداء، وخوض اشتباكات مع القوات المتواجدة في المنطقة والقادمة لإسنادها.
 
وتكشف عملية السويداء عن نمط العمليات المستقبلية لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، فهي ترتكز على سردية إيديولوجية هوياتية، تطمح إلى تحويل الصراعات إلى منطق حروب الهوية كما هي إيديولوجية التنظيم الأساسية في العراق، حيث يطمح تنظيم الدولة الإسلامية إلى خلق سردية ترتكز على "مظلومية سنيّة"، وتقديم نفسه كممثل عن "السنة" ودرعا واقيا. 
 
حيث أفضت عملية السويداء إلى خلق جدل واسع حول مسؤولية النظام السوري وقدرته وجديته على حماية "الأقليات"، وأدت إلى بروز سؤال مركزي لدى السنة يقوم على الاعتقاد بعدم اكتراث العالم بالمكون السني الذي لا يحفل أحد بضحاياه. 
 
وخلق الهجوم حالة من تجديد هوس "المؤامرة"، فنظام الأسد وأنصاره من مؤدلجي "الممانعة والمقاومة"سرعان ما اتهموا أمريكا والغرب بالمسؤولية ورعاية الإرهاب عبر قاعدة "التنف". 
 
بينما اتهمت أمريكا وأتباعها من أصحاب دكاكين "العالم الحر" روسيا وإيران والنظام بتسهيل المجزرة لتطويع السويداء، فيما انقسم المجتمع "الدرزي"  المنقسم أصلا على نفسه في جبل العرب وخارجه.
 
خلاصة القول، إن عملية السويداء الدامية تبرهن على أن تحقيق نصر نهائي على تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال بعيد المنال، وترتبط الإعلانات عن هزيمة التنظيم بأهداف سياسية، بينما يمكن الحديث عن هزيمة مشروع التنظيم السياسي المرتبط بالسيطرة المكانية على المناطق الحضرية وفرض حكامته وسلطته كدولة. 
 
لكن المنظمة لا تزال فاعلة، وهي تنتشر في مساحات غير مأهولة وتجمعات سكنية معزولة في مناطق الفراغ الأمني في عمق الصحاري في العراق وسوريا، وبعض الجيوب في مناطق حضرية. 
 
وكشفت العملية عن مسارات إعادة هيكلة تنظيم الدولة باتجاه اللامركزية عبر الإعلان عن تأسيس "ولاية الشام"، وأن الجناح الأكثر صلابة وراديكالية سوف يكون فرع الصحراء والبادية.