ملفات وتقارير

ما العوامل التي هيأت لتنظيم الدولة التقدم في البوكمال؟

بلغت حصيلة القتلى من جانب النظام والمليشيات الإيرانية منذ بدء الهجوم 30 عنصرا على الأقل- جيتي

تعكس المعارك العنيفة التي يشهدها ريف دير الزور الشرقي وتحديدا في محيط مدينة البوكمال، رغبة تنظيم الدولة باستعادة السيطرة على المدينة ذات الكتلة العمرانية الضخمة، لتكون له "نقطة ارتكاز مهمة" لتأمين الإمداد والدعم اللوجستي والصحي لمقاتليه، إلى جانب تحسين صورته لدى عناصره المتبقة، بعد خسارته لكل المدن الكبيرة التي كان يسيطر عليها.


ويتقدم التنظيم نحو هدفه ببطء، إذ يزاوج في هجماته التي تستنزف قوات النظام والمليشيات الموالية، بين الهجمات الكبيرة المنظمة في منطقة، وبين العمليات الصغيرة المباغتة في مناطق أخرى.


ويعزو محللون نجاح التنظيم في تحقيق تقدم ميداني، تمثل في التقدم إلى داخل الأحياء الجنوبية في مدينة البوكمال قبل أن يتراجع عنها، إلى عوامل عدة، في مقدمتها، الخلاف الإيراني الروسي الحاصل هناك، والذي تفجر على إثر اغتيال ضابط روسي على يد مليشيات تابعة لإيران، بحسب المحلل العسكري العميد أحمد رحال.


وأضاف رحال لـ"عربي21"، أن تنظيم الدولة أشاع أن المقاتلات الروسية لن تغطي المعارك بعد مقتل الضابط، الأمر الذي أدى إلى خلخلة صفوف قوات النظام والمليشيات هناك، مبينا أن "الظروف الجوية السيئة ساعدت التنظيم على نشر هذه الشائعة، نظرا لتحييد الأجواء المغبرة لسلاح الجو".


وفي السياق ذاته، لفت رحال إلى الضربات الموجعة التي وجهتها المقاتلات الأمريكية إلى المليشيات الموالية لإيران، وتحديدا إلى مليشيا لواء "فاطميون"، مبينا أن ذلك أدى إلى ثغرة استغلها التنظيم لشن هجمات جديدة في المنطقة، واستعادة النشاط من جديد.

 

اقرأ أيضا: بعد معارك عنيفة.. تنظيم الدولة يتراجع إلى أطراف البوكمال


من جانبه، قال الكاتب الصحفي محمد حسان إن "التنظيم يعي تماما استحالة بقائه في مناطق شمال شرقي الفرات في ظل الإصرار الأميركي على القضاء عليه هناك، ولا يجد خيارا أفضل من بادية دير الزور الجنوبية لجعلها قاعدة انطلاق مستقبلية له، بعد تجميع ما تبقى لديه من إمكانيات بشرية ومادية هناك".


وعن الأسباب التي دفعت بالتنظيم إلى التركيز على هجماته في مناطق جنوب الفرات، أشار في حديثه لـ"عربي21" إلى أسباب عدة، في مقدمتها ضعف خصمه المتمثل بالنظام والروس، مقابل خصومه شمال الفرات، الولايات المتحدة الأميركية و"قوات سوريا الديمقراطية"، وكذلك طبيعة المنطقة المسيطر عليها من قبل التنظيم جنوبا ما يساعده على الصمود لعدم قدرة القوى المناوئة له على فرض سيطرة أمنية على كل تلك المساحات الشاسعة من الصحارى، على عكس مناطق شمال الفرات والتي هي عبارة عن مدن وقرى، يمكن السيطرة عليها مهما بلغت تحصينات التنظيم وقوته الدفاعية فيها.


ورأى حسان، أن انتقال التنظيم من مناطق شمال الفرات إلى جنوبه وغربه، قد يتم بمساعدة أطراف دولية مشتركة بالصراع السوري مثل الولايات المتحدة الأميركية، والتي ستستفيد من أمور عديدة، أولها انتهاء وجود التنظيم في مناطق نفوذها شمال الفرات، أما الفائدة الثانية، فهي وجود التنظيم كعامل عدم استقرار في مناطق نفوذ النظام وحليفيه الروسي والإيراني.


من جانبه، رجح الكاتب الصحفي سامر العاني من دير الزور، أن ينجح التنظيم قريبا في مبتغاه، أي السيطرة على مدينة البوكمال، مشيرا إلى التقاء المصالح ما بين التحالف الدولي والتنظيم على انتزاع السيطرة على معبر البوكمال من المليشيات الإيرانية.


وفي حديثه لـ"عربي21" أشار إلى ما وصفه بـ"غض نظر التحالف عن تحركات التنظيم في المنطقة"، وقال إن "إدارة ترامب وتحديدا بعد انسحابها من الاتفاق النووي مع طهران، اتجهت إلى تقطيع أذرع إيران، ولن تجد هذه الإدارة أفضل من قطع الطريق على مشروع الهلال الشيعي في المنطقة، والبوكمال أحد أهم محطاته".

 

اقرأ أيضا: روسيا تسحب سلاح مليشيات موالية لنظام الأسد بدير الزور


وتابع بأن "كل ما يجري من عمليات عسكرية، هي بهدف دفع التنظيم إلى غرب الفرات، بعيدا عن سيطرة الولايات المتحدة".


وقال العاني: "تسعى الولايات المتحدة إلى فصل سوريا عن العراق، وهذا الفصل يستدعي سيطرة القوات المتحالفة معها على الحدود السورية-العراقية من منطقة التنف حتى اليعربية في أقصى شمال شرق سوريا، لإغلاق كل المعابر في وجه إيران".


وأشار العاني إلى مواصلة تنظيم الدولة لتكتيك "سمكة الصحراء"، موضحا أن "التنظيم يقوم عبر هذا التكتيك بشن هجمات في منطقة، وفتح معارك كبيرة في منطقة أخرى"، لافتا في هذا الصدد إلى أن "التنظيم شن معركة وهمية في بادية محافظة السويداء، تمهيدا لمعركة البوكمال التي كبدت فيها النظام ومليشياته خسائر كبيرة".


وبحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، فإن حصيلة القتلى من جانب النظام والمليشيات الإيرانية، منذ بدء الهجوم ارتفعت إلى 30 عنصرا على الأقل، وتوزع القتلى بين 16 من قوات النظام بينهم ضابط برتبة لواء، و14 آخرين من المسلحين الموالين غير السوريين بينهم مقاتلون من حزب الله اللبناني ومقاتلون إيرانيون.