قضايا وآراء

"حماس" في القاهرة.. تهديد وابتزاز أم لقاء الأشقاء؟

1300x600
تتعرض حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الآونة الأخيرة لمجموعة من الضغوط المتلاحقة؛ ففي عجلة الأيام الماضية أعلن الكونغرس الأمريكي عن مشروع قانون لمعاقبة حركة "حماس" بصفتها حركة إرهابية، حاثّاً على اتخاذ قرار أممي لفرض عقوبات دولية عليها، وذلك بعد أن أعلنت الإدارة الأمريكية وضع رئيس الحركة إسماعيل هنية على قائمة الإرهاب، في خطوة متقدمة تلت إعلان الرئيس ترامب اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.

تأتي تلك القرارات في الوقت الذي تصاعدت فيه إجراءات الحصار على قطاع غزة؛ الذي يمثل قاعدة متقدمة لحركة "حماس" في مواجهة الاحتلال ومشاريع التسوية العابثة بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وفي مقدمتها "صفقة القرن" التي تُطْبخ على نار الخذلان من بعض العرب، وعجز أو تواطؤ السلطة الفلسطينية التي كانت ولا تزال تشارك في حصار غزة، حيث لم تفِ بالتزاماتها بموجب اتفاقي القاهرة 2011 و2017، لا سيّما بعدما سلّمت "حماس" جميع الوزارارت والمرافق والهيئات العامة لحكومة الحمدالله؛ التي تتلكأ بدورها في رفع العقوبات التي فرضها الرئيس عباس على الموظفين وقطاعي الصحة والكهرباء، إضافة إلى تجاهلها فتح معبر رفح المغلق بشكل تام إلا من أيام معدودة يلقى فيها الفلسطيني العذاب والمذلة أثناء سفره، وبعد دفعه رشوة تصل لنحو ثلاثة آلاف دولار أمريكي للجان التنسيق مع الطرف المصري..!

عقوبات الرئيس عباس ضد قطاع غزة؛ تتقاطع مع استمرار عمليات التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني في الضفة الغربية، بشكل مخالف لقرارات اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية الداعية لوقفه في اجتماعاتها التي انعقدت عامي 2015 و2017، ما يُشير إلى أن مواقف السلطة الفلسطينية ضد ما يُسمى بـ"صفقة القرن" ليست بجدية، وإنما مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي ولذر الرماد في عيون الشعب الفلسطيني الغاضب من الإدارة الأمريكية ومواقفها من القدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين.. كما تُؤكد الوقائع أيضاً أن حقيقة مواقف سلطة أوسلو من المصالحة الوطنية؛ مجرد محاولة خادعة لدفع حركة "حماس" لوقف مقاومتها ولتسليم سلاحها تحت شعار سلطة واحدة وسلاح واحد، وهذا ما أكدته تصريحات الرئيس عباس، ومسؤول ملف المصالحة الوطنية في حركة "فتح" عزام الأحمد وغيرهما.

على صلة بهذا المشهد، أعادت القاهرة فتح معبر رفح بشكل مفاجئ يوم الأربعاء (7 شباط/ فبراير) الجاري، وسط شائعات عن تحضير الاحتلال الإسرائيلي لحرب رابعة على غزة، ما خلق انطباعاً ملتبساً لدى المراقبين؛ فهل فتح معبر رفح في هذا التوقيت كان يُقصد منه تخفيف الحصار عن غزة، أم تعزيز لحالة القلق لدى المقاومة والفلسطينيين الذين يتابعون مناورات عسكرية صهيونية أمريكية ضخمة على حدود قطاع غزة المحاصر؟

ما أثار علامات الاستفهام أيضاً إغلاق القاهرة لمعبر رفح يوم الجمعة (9 شباط/ فبراير) في وجه آلاف الفلسطينيين، أي بعد يومين فقط من فتحه، تزامناً مع عملية عسكرية واسعة للجيش المصري في شمال سيناء لمكافحة الإرهاب.. فإذا كانت القاهرة تحضّر لعملية عسكرية واسعة وضخمة، فلماذا يتم فتح معبر رفح أمام عدد محدود ويُغلق فجأة أمام أغلبية المسافرين من الحالات المرضية والإنسانية؟!

اللافت هنا، أن القاهرة استقبلت في يوم الجمعة سالف الذكر، وفداً من حركة "حماس" بقيادة رئيس الحركة إسماعيل هنية، وعضوية كل من خليل الحية، وفتحي حمّاد، وروحي مشتهى، وكلها من القيادات الكبيرة في غزة، فهل كان فتح معبر رفح يُراد منه حقيقةً تشجيع قيادة الحركة في غزة على السفر إلى القاهرة قُبيل إعلان سيناء منطقة عسكرية؟ 

تثور تلك الأسئلة إلى أذهان المراقبين؛ عندما تَشُح الأخبار الخاصة بنشاط ولقاءات وفد حركة "حماس" المتواجد في القاهرة منذ 9 شباط/ فبراير وإلى الآن، وهي مدّة طويلة وغير مسبوقة في تاريخ زيارات وفود الحركة إلى مصر..!

كما تثور الشكوك، عندما تُعلن مصادر مطّلعة لبعض وسائل الإعلام، بأن وفد الحركة التقى بوزير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل،بعد أسبوع من تواجد الوفد في القاهرة..!

وإذا كان وفد الحركة قد أنهى جدول أعماله بلقاء الوزير عباس كامل، فلماذا لا يعود إلى غزة؟!

وإذا كانت القاهرة لا تأمن خط الرجعة لإسماعيل هنية والوفد المرافق له، بسبب العمليات العسكرية الجارية في سيناء، فلماذا لا تسمح له بمغادرة القاهرة لزيارة عدد من الدول العربية والإسلامية؟!

في هذا السياق، أفادت مصادر مصرية لصحيفة "ميديا بار" الفرنسية في 15 شباط/ فبراير 2018؛ بأن "وفد حماس في القاهرة برئاسة إسماعيل هنية تعرّض لضغوط وابتزازات كبيرة من جهاز المخابرات، بينها منعهم من جولة خارجية في المنطقة، وعدم القدرة على تأمين عودتهم إلى غزة..".

أي أن المصادر تشير إلى أن قيادة حركة "حماس" تواجه ضغوطاً لثنيها عن مواقف سياسية بدفعها، حسب المتوقع، إلى القبول أو الصمت على "صفقة القرن" التي يُمكن الإعلان عنها عقب الانتخابات الرئاسية المصرية المزمع عقدها الشهر المقبل، هذا بالإضافة إلى دفعها لإعادة النظر في واقع ومستقبل سلاح المقاومة كشرط لرفع الحصار عن غزة.

إن صدقت تلك الأنباء، فهذا يعني أن حركة "حماس" تتعرض لتهديد مباشر، وبأن غزة قد تتعرض لتهديد عسكري محتمل بقيادة تحالف إقليمي صهيوني، إن فشلت الضغوط على "حماس"، وإن فشلت محاولات تثوير الشعب الفلسطيني ضد خيار المقاومة تحت سيف التجويع والحصار؛ لأن "صفقة القرن" الأمريكية محكوم عليها بالفشل إن صمدت غزة، وصمدت المقاومة وحركة "حماس" في وجه الضغوط والعاصفة.