صحافة دولية

أوبزيرفر: هكذا خذل الغرب سوريا.. ما هو دور أمريكا؟

تيسدال: أمريكا هي السبب الرئيسي في استمرار الحرب في سوريا- أ ف ب

نشرت صحيفة "أوبزيرفر" مقالا للمعلق سايمون تيسدال، يقول فيه إن تردد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بمعاقبة النظام السوري على استخدامه السلاح الكيماوي كان خطأ أدخل الحرب الأهلية السورية إلى مرحلة من الفشل الذريع. 

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى تعهد أوباما بمعاقبة رئيس النظام السوري بشار الأسد في حال تجاوز "الخط الأحمر"، الذي رسمه قبل عام من الهجوم الذي نفذته قوات الأسد بغاز السارين على الغوطة الشرقية في آب/ أغسطس 2013، وقتل فيه أكثر من ألف شخص، بينهم عدد كبير من الأطفال.

ويقول تيسدال إن "قرار الرئيس كان على ما يبدو متاثرا بتصويت البرلمان البريطاني ضد خطة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بنشر القوات البريطانية في سوريا، بالإضافة إلى أن قراره كان متأثرا أيضا بمخاوفه من تكرار أخطاء سلفه في العراق منذ عام 2003، ومحاولة تجنب الغرق في حرب أخرى في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن القرار البريطاني كان ورقة التين التي منحت أوباما الفرصة للتخلي عن معاقبة الأسد".

ويبين الكاتب أن موسكو فاجأت أوباما قبل أن يتخذ قراره، عندما قالت إن حليفها السوري مستعد للتخلص من ترسانة السلاح الكيماوي التي يملكها لمنع استخدامها مرة ثانية. 

ويعتقد تيسدال أن "مجرد موافقة أوباما على تفكيك السلاح الكيماوي السوري كانت بمثابة منح حق التصرف في الملف السوري للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفسرت موسكو وطهران ودمشق وبقية العواصم العربية عدم احترام أوباما لـ(الخط الأحمر) الذي رسمه لنفسه بمثابة تحول رئيسي، وبدا ذلك دليلا على أمريكا في مرحلة ما بعد العراق، وهي تتخلى عن دورها بصفتها شرطيا للعالم". 

ويجد الكاتب أن "القرار كان أيضا بمثابة فرصة لإعادة التأثير الروسي في المنطقة، ورغم أننا لا نعلم ماذا كان سيحدث لو أرسلت الولايات المتحدة قواتها إلى سوريا، إلا أن تخلي أوباما عن مسؤوليته كان رسالة لحلفائه البريطانيين وغيرهم بأن القوة العظمى الأولى ليست مستعدة للدفاع عن سوريا ديمقراطية أكثر مما دافعت عن الربيع العربي، حيث حاولت في ليبيا عام 2011، لكنها تراجعت بسرعة".

ويرى تيسدال أن "الغرب أدى دور المتفرج في الحرب السورية، بحيث أدى موقفه الضعيف إلى تقويض المؤسسات الدولية وسمعتها، وشجع في الوقت ذاته على نشوء الجماعات الإسلامية الإرهابية، فعندما قررت الولايات المتحدة وبريطانيا التدخل مباشرة في العراق وسوريا، فإن ذلك لم يكن لوقف الحرب الأهلية، ولكن ضمن تحالف دولي شكل عام 2015 لمحاربة التهديد المباشر الذي مثله تنظيم الدولة عليهما، وليس للدفاع عن القيم العالمية التي تؤمن بها الدولتان ظاهريا، وفي المحصلة فإن القرارات التي تم اتخاذها في عام 2013، أدت إلى كارثة استراتيجية لا تزال تداعياتها ظاهرة حتى اليوم". 

ويناقش الكاتب بأن الحديث عن خفوت وتيرة الحرب السورية، التي انتشرت العام الماضي، ليست صحيحة، مشيرا في هذا السياق إلى "التصريحات التي صدرت عن الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، عن زيادة مستويات المعاناة بطريقة لم نشهدها من قبل، فأصبح استهداف المدنيين من الجو أكثر وحشية وروتينية في الأشهر القليلة الماضية، ففي الغوطة الشرقية، مسرح استخدام غاز السارين عام 2013، قتل على الأقل 200 مدني بفعل الغارات الجوية، خلال أيام قليلة من الأسبوع الماضي، وسقطت أعداد أخرى من القتلى نتيجة للحرب المستمرة على محافظة إدلب، وتم تشريد أكثر من 300 ألف مدني منذ كانون الأول/ ديسمبر، وفتحت جبهة جديدة في عفرين في شمال غرب سوريا، حيث توغلت القوات التركية يدعمها مقاتلو الجيش السوري الحر".

ويلفت تيسدال إلى أن "استخدام السلاح الكيماوي لا يزال مستمرا، رغم اتفاق تفكيك السلاح الكيماوي السوري، وسجلت عدة حالات منذ نيسان/ أبريل 2017، حيث تم استهداف بلدة خان شيخون، وسقط في الهجوم أكثر من مئة شخص، وتم تسجيل حالات استخدم فيها غاز الكلور مرة أخرى، وقيل إن الغوطة الشرقية تعرضت لثلاث هجمات على الأقل".

ويرى الكاتب أن "الأمم المتحدة تبدو عاجزة أمام المعاناة الإنسانية وفشل محاولات السلام في جنيف منذ عام 2011، التي حل محلها مسار تشرف عليه روسيا وإيران وتركيا، الذي انهار الشهر الماضي؛ بسبب مقاطعة المعارضة السورية لمؤتمر سوتشي، كما فشلت مبادرات الممرات الإنسانية والملاجئ الآمنة، وكذلك (مناطق خفض التوتر)، التي كان من المفترض أن تكون الغوطة الشرقية مشمولة فيها".

ويعلق تيسدال قائلا: "من هنا، فإن فشل المجتمع الدولي في وقف الحرب في سوريا أدى إلى فقدان المؤسسات الدولية مصداقيتها، وغيرت الحرب ميزان القوة الاستراتيجي بطريقة دائمة، وغيرت بالضرورة العالم الذي نعيش فيه". 

ويجد الكاتب أن الدول الخمس الكبار في مجلس الأمن باتت تقدم مصالحها الخاصة على الصالح العام، في إشارة إلى استمرار روسيا في دعم النظام واستخدام الفيتو، لافتا إلى أن الأمر ذاته ينطبق عن البقية، أمريكا والصين وفرنسا وبريطانيا.

ويقول تيسدال إن "تجاوز مجلس الأمن أصبح عادة منذ الغزو الأنجلو أمريكي للعراق عام 2003، الذي تم دون مصادقة من الأمم المتحدة، وكذلك فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في رده العام الماضي على هجوم خان شيخون".

 

ويذهب الكاتب إلى أن "التدخل الروسي في سوريا عام 2015 كان ناجحا بالنسبة لبوتين في الوقت الذي كان فيه هزيمة للغرب، وكان التدخل هو الأثر المنطقي لتردد أوباما، وعمل لصالح النظام، وأكد العمل العسكري الروسي على بقاء دائم في سوريا، وأدى إلى عودة روسيا بصفتها لاعبا مؤثرا في المنطقة العربية، وأثر سلبا على علاقات الغرب مع اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، مثل تركيا وإيران ومصر، ولم تعد الدول الغربية، التي قبلت بفكرة بقاء نظام الأسد، تطالب بالإطاحة به". 

 

ويجد تيسدال أن "المواجهة في شمال سوريا بين تركيا والأكراد هي نتاج لتردد أمريكا في سوريا، وبالنسبة للناتو فإن أزمة سوريا جعلته كما هو الحال مع أوكرانيا 2014، لاعبا غير مهم، وأصبحت المواجهة بين القوات التركية والأمريكية في مدينة منبج إمكانية قائمة".

ويعتقد الكاتب أن "عدوين لدودين استفادا من الحرب، وهما إسرائيل وإيران، حيث وسعت طهران تأثيرها، وربطت قواتها مع حلفائها اللبنانيين حزب الله والفلسطينيين في المناطق المحتلة، أما إسرائيل فإن حكومتها المتطرفة استغلت التهديد الإيراني وتوسعه في سوريا بالحصول على دعم الرئيس ترامب، وتهميش مسألة الاستقلال الفلسطيني، وتأمين تحالفات غير رسمية مع دول عربية، وتأكيد مواقفها من أن الاتفاقية النووية عام 2015 كانت خطيرة وخطأ".

ويفيد تيسدال بأن "الفشل السوري كان بمثابة كارثة أمنية ودبلوماسية وسياسية على الاتحاد الأوروبي المنقسم على نفسه، ورغم ظهوره بمظهر اللاعب الدولي، إلا أنه بدا عاجزا وفاقدا لقوته، حيث اختلف أعضاء الاتحاد حول ماهية العمل العسكري، وانقسموا كذلك حول الطريقة المثلى لمواجهة التدفق الهائل للمهاجرين السوريين في الفترة ما بين 2014- 2016، ولا يزال الخلاف قائما، حتى في ظل ملامح موجة هجرة جديدة، وتواجه ألمانيا وبريطانيا، الخارجة من الاتحاد الأوروبي، وبقية دول الاتحاد عقبة في طريقة التعامل مع المشهد السياسي الجديد، والمتأثر بزيادة المشاعر المعاية للمهاجرين".

 

ويقول الكاتب إن "أي أمل لدى الأوروبيين بقيادة أمريكية في سوريا قد تبخر؛ لأن الضربة الأمريكية العام الماضي على هدف سوري كانت مرة واحدة، ولم يظهر ترامب أي اهتمام بوقف الحرب السورية، وقضى وزير الخارجية ريكس تيلرسون وفريقه عاما كاملا ليكشف عن استراتيجية غامضة لسوريا، وفي الوقت الذي ظلت فيه الولايات المتحدة ناشطة في الحرب الجوية، إلا أنها تجنبت وبدأب مستمر المواجهة على الأرض، مع أن المواجهة في الأسبوع الماضي، التي قتلت فيها عددا من المقاتلين التابعين للنظام، تشير إلى أن أمريكا تورطت عميقا في الحرب".

وينوه تيسدال إلى أن "ما يهم ترامب هو الحرب ضد تنظيم الدولة، التي يقول إنه ربحها، لكنها (أخبار مزيفة)، فالمقاتلون في العراق وسوريا يعيدون تنظيم أنفسهم، صحيح أن الغرب استعاد الرقة والموصل، إلا أن تنظيم الدولة لم ينته بعد، ويقوم باستغلال الفوضى العميقة، وينظم نفسه من جديد في ديالا والموصل والأنبار، فيما يقوم تنظيم القاعدة الصاعد ببناء قوته في شمال غرب سوريا، ولم يختف الجهاديون بعد، بل إنهم يحلمون بموجة جديدة من الجهاد".

ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "مع استمرار الحرب فإن النتيجة التي لا يمكن تجنبها هي أن تردد الدول الغربية في القتال من أجل القيم الأوروبية والديمقراطية، وإعادة ولادة الأمة السورية، أدى إلى نشوء حالة من الإرهاب على أبواب القارة الأوروبية".