بورتريه

أطفال فلسطين .. طفولة مسروقة في زنازين موحشة

بورتريه- عربي21

طفولة مسروقة، وأحلام ضائعة، وبراءة تقتلها قسوة المعتقل، وأجساد رقيقة تنتهكها سياط الجلاد، وبرودة الزنزانة.

تمر الليالي عليهم بطيئة وموحشة بعيدا عن أحضان الأمهات المتلهفات إلى عناق مع أطفالهن وقبلة دافئة على جباههم المتعبة.

أحلى سنوات العمر تمضي مثل ليلة غائمة وماطرة من ليالي الشتاء الحزين تصرخ فيها الريح على أصوات أنينهم وآلامهم وعذاباتهم.

يدخل الطفل الفلسطيني سجون الاحتلال الإسرائيلي مدفوعا بغضب وإحساس وطني فطري مبكر ولد معه، بضرورة مقاومة المحتل ورحيله عن أرض الوطن، وبغيرة جارفة على القدس، زهرة المدائن وبهية المساكن.

يدخلون سجون محتل يلقي بجميع المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بالطفولة في سلة المهملات. يعامل هؤلاء الأطفال الذين يجلب غالبيتهم من بيوتهم قسرا وعنوة، ومن نقاط التماس الساخنة، تماما كما لو كانوا قتلة أو مجرمين أو أشخاصا بالغين.

ووصلت أعداد الأطفال الفلسطينيين المعتقلين إلى أرقام  غير مسبوقة منذ عام 1967.

ويكشف الاحتلال الإسرائيلي عن وجه يحاول إخفاء معالمه القاسية، وتضاريسه الضاربة في التوحش، وفي مشهد اعتقال الأطفال يظهر الأطفال الفلسطينيون كأيقونات شجاعة لم يفلح الاحتلال يوما في زرع الخوف بقلوبهم، أو إضعاف إرادتهم وعنفوانهم الوطني والديني.

يعتقل الاحتلال سنويا ما بين 500 و 700 قاصر فلسطيني، ويقدم الكثيرين منهم لمحاكم غير عادلة خلافا للمعايير الدولية. ويتعرض جميع من اعتقل منهم إلى الاعتداء بالضرب المبرح حين الاعتقال، والزج بهم في ظروف قاسية، في مراكز التوقيف والتحقيق، وتمارس بحقهم كل أشكال الانتهاك والتعذيب والضغط النفسي والجسدي.

ويستهدف الاحتلال الأطفال الفلسطينيين بالقتل والاعتقال بشكل متعمد، ويعطي لجنوده تعليمات بجعل استهدافهم خيارا أوليا، مع تكثيف عمليات إطلاق النار على الأطفال الفلسطينيين منذ انتفاضة القدس.

التوسع الممنهج في الاعتقالات، دفع الاحتلال لافتتاح أقسام جديدة للأطفال فلسطين في سجن " مجدو" و"عوفر"، بينما يتواجد عدد منهم في مراكز التحقيق والتوقيف في ظروف قاسية للغاية، وبرزت في الشهور الأخيرة ظاهرة فرض الاعتقال الإداري على الأطفال القاصرين دون تهمة، من بينهم أطفال قاصرون لا تتجاوز أعمارهم 12 عاما.

اعتقل الاحتلال العديد من الأطفال وهم مصابون بعد إطلاق النار عليهم، بل ومارس معهم التحقيق وهم مصابون قبل أن يتم نقلهم إلى العلاج، وواصل التحقيق معهم حتى وهم في غرف المستشفيات بشكل غير إنساني، ولم يتورع الاحتلال عن اعتقال أطفال مرضى يعانون من أمراض مزمنة.

وتعتبر "قوانين" الاحتلال أن الطفل حتى سن 12 عاما وليس 18 عاما، وتجيز لنفسها ملاحقتهم واعتقالهم ومحاكمتهم وفق الأمر العسكري رقم 132 الذي يسمح باعتقال الأطفال البالغين من العمر 12 عاما.

وأخذت عمليات الاعتقال منحنى خطيرا وتصاعدت منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "القدس عاصمة لإسرائيل". وبلغت نحو 1300 فلسطينيا من مختلف مناطق فلسطين، إضافة إلى عشرات الاعتقالات التي لا يعلن عنها إعلاميا وتجري بهدوء ودون أي ضجيج.

ويؤكد  "مركز أسرى فلسطين للدراسات" بأن أعداد الأسرى الأطفال في سجون الاحتلال ارتفعت بنسبة 17 بالمائة عما كانت عليه قبل قرار ترامب الأخير، والانتفاضة الشعبية التي اندلعت رفضا لهذا القرار.

وأشارت إحصائية لجهات حقوقية فلسطينية إلى تسجيل استشهاد 3 أطفال بعد إطلاق قوات الاحتلال النار مباشرة عليهم بالإضافة إلى وصول عدد المعتقلين في كافة المدن إلى 52 طفلا.

وعلى صعيد الاعتقالات قالت الجهات الحقوقية إن عددهم وصل مع نهاية عام 2017 إلى 6500 أسير من ضمنهم 350 طفلا و8 أسيرات قاصرات توزعوا على 22 معتقلا ومركز توقيف.

ويتوقع ارتفاع أعداد الأطفال الأسرى خلال الأيام القادمة نتيجة استمرار عمليات الاعتقال اليومية التي تستهدفهم بشكل دائم، حيث يعد الاحتلال الأطفال هم وقود المواجهات مع جنوده على نقاط التماس والحواجز المنتشرة في كل أنحاء الضفة، لذلك يتعمد اللجوء إلى إرهابهم بالاعتقال والقتل والتعذيب، والزج بالسجون في ظروف قاسية لتخويفهم.

وتحذر منظمات حقوقية وقانونية ومختصون من سياسة استهداف الأطفال الفلسطينيين لما له من تأثيرات سلبية بتدمير الطفل الفلسطيني وتحطيم مستقبله، مؤكدين بأن ما يمارس بحق الأطفال من قتل، واعتقال وتعذيب وحبس منزلي وإبعاد، هو سلوك ممنهج وليست حالات فردية أو تصرفات معزولة للجنود في الميدان.

وتطالب منظمات حقوق الإنسان بتحمل الدول والحكومات العربية والمجتمع الدولي مسؤولياتهم وواجبهم تجاه أطفال فلسطين، وذلك ترجمة للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتحديدا اتفاقية حقوق الطفل، التي أقرت توفير الحماية للأطفال وحرمت اللجوء إلى ممارسة أي سلوكيات عنيفة بحقهم.

وتدعو جهات حقوقية عدة فلسطينية عربية ودولية، الأمم المتحدة إلى إرسال لجنة تقصي حقائق إلى السجون الإسرائيلية للوقوف على واقع الأطفال الأسرى وظروفهم الإنسانية.

وأيضا الإسراع في إحالة الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية بحق الأطفال إلى المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة ومحاسبة قادة الاحتلال على هذه الجرائم.

إضافة إلى تفعيل حملات الدعم والمناصرة على المستويين الإقليمي والدولي لمساندة الأطفال الأسرى، وتبني إنشاء صندوق عربي لدعم برامج التأهيل النفسي والصحي والتعليمي للأطفال المحررين.

ويذهب جزء من المساعدات الأمريكية التي تقدمها واشنطن إلى تل أبيب والبالغة نحو 3.5 مليارات دولار سنويا إلى تمويل غير مباشر لعمليات اعتقال وقمع الفلسطينيين ومنهم الأطفال، وهي أموال تؤخذ من دافعي الضرائب الأمريكيين، كما يرى باحث أردني.

وفي المقابل هذا الكرم الأمريكي مع "إسرائيل" تلجأ إدارة الرئيس ترامب إلى معاقبة أطفال فلسطين بوقف تمويل "الأونروا" التي تقدم خدمات كبيرة لأطفال فلسطين في مجالات عدة لعل من أهمها التعليم.

ويؤكد الكاتب الصحافي جهاد الخازن أن "اللوبي اليهودي يدفع إلى أعضاء مجلسي النواب والشيوخ ويموّل حملاتهم الانتخابية، وهم يردون بتأييد كل خطوة إسرائيلية بما في ذلك قتل مئات الأطفال في قطاع غزة".

وتنوي منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة (اليونيسيف) إدراج الجيش الإسرائيلي ضمن قائمة المنظمات التي ترتكب انتهاكات بحق الأطفال، بجانب "تنظيم الدولة" و "بوكو حرام". بحسب موقع "إن آر جي" الإسرائيلي.

ولم يستبعد "مجلس الأمن القومي الإسرائيلي" في تقرير له فتح التحقيق ضد "إسرائيل" في عام 2018 من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي تقوم بعملية تقصي حقائق حول حربها ضد قطاع غزة صيف 2014 واستشهاد عشرات الأطفال الفلسطينيين في هذه الحرب.

ويطالب الكاتب بن إهرنريتش في مجلة "ذي نيشن" الأمريكية بعدم تحويل أطفال فلسطين إلى أبطال "ذلك أن الأبطال الفلسطينيين دائما ما ينتهي بهم الأمر إلى الموت أو الاعتقال".

حرية هؤلاء الأطفال هي المعركة الحقيقية حتى يتمكنوا من العيش حياة طبيعية مثل غيرهم من الأطفال، وحتى ينحسر ظلام السجن، وتتبدد غيوم كانون الكئيبة، وينكشف ضوء الحرية، ويعود الأطفال إلى أحضان الأمهات الدافئة ويستمعون إلى حكايتهن الرقيقة والعذبة.