كتاب عربي 21

الرئيسة أوبرا!

1300x600
هل من الممكن أن تكون أوبرا هي الرئيسة في عام 2020؟ في أمريكا، نعم.. يمكننا أن نتصور هذا. عندما يصبح رئيس الولايات المتحدة رجل أعمال عدائي، وناجح بشكل مشبوه وغير مفهوم، وأحد الشخصيات الشهيرة في تلفزيون الواقع، فليس هناك ما يدعو إلى افتراض أن مليارديرة محبة لنفسها لدرجة النرجسية، وإحدى أشهر مضيفات التلفزيون في البرامج الحوارية، لا يمكنها أن تشغل نفس هذا المنصب، بل وأن تفوز بشكل طبيعي ومقبول.

لقد أصبحت الرئاسة الأمريكية - إلى حد كبير - مثل نسخة قصيرة الأجل من النظام الملكي البريطاني؛ وهي تتمثل في شخصية إما يحبها أو يكرهها الناس لأسباب شخصية وعاطفية بالدرجة الأولى. لم ينتصر الأسلوب والنمط الظاهري فقط على الجوهر، بل إن الجوهر لم يعد جزءا من المعادلة أصلا.

ولا يزال الحزب الديمقراطي غائبا عن لب المشكلة، ولا يزال مخيبا للآمال. فنفس الأسباب التي جعلت الديمقراطيين يشعرون أن ترامب غير مؤهل ليصبح رئيسا؛ تنطبق على أوبرا وينفري، ولكننا وجدناهم بعد انتصار ترامب، يسارعون إلى تبني نموذجه. أما أوبرا فهي تعتبر تقريبا النموذج المثالي المضاد تماما لترامب، خطوة بخطوة. ولكن مرة أخرى، السبب ليس لأنهما متضادان، ولكن لأنهما تؤأمان. فهي تجسد نموذجه الليبرالي: أي أنها النسخة السوداء، الأنثى، الديمقراطية من دونالد ترامب.

كلاهما غنيان بشكل غامض، وأوبرا أكثر منه.. كلاهما غرسوا أنفسهم في الثقافة الشعبية، وكلاهما رموز من المشاهير.. وكلاهما يعشقان إلى ما لا نهاية أسمائهم، ولا يخجلان من الترويج الذاتي لأنفسهم. وكلاهما يقبعان في أعلى مستويات السلطة النخبوية في مجال الأعمال التجارية والإعلام؛ وكلاهما (في الحياة الحقيقية) منفصلان تماما عن الكفاح اليومي للأشخاص العاديين؛ و(منذ حملته وانتخابه) يمكن لكل من ترامب ووينفري أن يدعيان أن لكل منهما تأييدا شعبيا واسعا. وكلاهما أيضا ليس لديهم أي خبرة سياسية أو حنكة. على الرغم من أنه بحلول عام 2020؛ سيكون لدى ترامب ما يعادل أربع سنوات من الخبرة في التغريد عن تألقه في عدم الإنجاز.

كامرأة سوداء انتقلت من الفقر المدقع إلى الثراء الفاحش، وابنة لأم غير متزوجة، مع سجل حافل من مناصرة القضايا الليبرالية، والتواصل مع الجهات المانحة المحتملة على مستوى عال، فإن وينفري تمتلك كل العناصر المطلوبة في قائمة اللجنة الوطنية الديمقراطية. فهي من الناحية الفنية من خارج واشنطن، كما كان ترامب، وكذلك يمكنها أن تستحوذ على كل الأسباب "العجيبة وغير التقليدية" التي كانت عملت على نجاحه عام 2016. ولكن، كل هذه الحسابات تفشل في تحديد الأسباب الكامنة وراء فوز ترامب في الانتخابات، فهناك قضايا اقتصادية وسياسية حقيقية تهم الشعب حقا، وقد تجاهلتها الأحزاب السياسية على نحو كامل لأجيال.

ولعل أفضل بداية في هذا الموضوع، تكون من خلال الإشارة إلى الأمور التي هي أقل أهمية بالنسبة لمعظم الناس، إلا أنها تقع في صميم جدول الأعمال الليبرالي، والتي كانت أوبرا وينفري تتغنى بها بشكل مفوه ومكثف؛ وهي حقوق المثليين، وتعريف نوع الجنس وحقوق المتحولين جنسيا، والمساواة بين الجنسين، وخطاب الكراهية، ووحشية الشرطة، والتنوع في مؤسسات السلطة، والتحرش الجنسي في هوليوود (وفي عالم الأعمال عموما)، وسطوة امتلاك الأسلحة.

في حين أن أيا من هذه القضايا ليس تافها، إلا أنها تتقزم كلها أمام المظالم الاقتصادية الأساسية للأمريكيين الذين رأوا أجورهم الحقيقية لا تزال راكدة كما هي منذ سبعينات القرن الماضي، رغم أن الإنتاجية الفعلية قد ارتفعت بنسبة 75 في المئة. كذلك ازداد تفاوت الدخل بشكل جذري على مدى العقود الثلاثة الماضية. فالجيلان الأخيران في الولايات المتحدة (الجيل إكس وجيل الألفية) يعتبران أسوأ حالا في التاريخ الأمريكي من حيث الفرص والاستقرار المادي. ومن الواضح أن الاستعانة بمصادر خارجية للوظائف، ونقل المصانع خارج الولايات المتحدة، وما إلى ذلك، قد أضر بالعمال، وكان هذا أحد المواضيع الأساسية لحملة ترامب التي ناقشها مع الناخبين. فالعمال الذين يقومون بأعمال يدوية، والطبقة الوسطى، والمجتمعات الريفية.. كلها راهنت على ترامب؛ وهم جميعا من الناخبين الذين تم التسليم بأنهم من دعائم الحزب الديمقراطي، وقد فعلوا هذا تحديدا؛ لأن الديمقراطيين قد تخلوا عنهم تقريبا تماما منذ بداية 1970.

واحتضان أوبرا وينفري لن يعكس هذا التخلي بأي حال. فكما أشرت أعلاه، القضايا التي ترتبط بها أوبرا تعتبر مسائل ذات أهمية هامشية للناخبين الديمقراطيين التقليديين الذين توافدوا على ترامب.

شخصيا، أشك في أن وينفري قد ترشح نفسها، ولكن في نهاية المطاف ليست هذه هي النقطة. فالنقطة هي أن الحزب الديمقراطي لا يريد أن يعرف أبدا النقطة، ولا شيء يدل على هذا بشكل أكثر وضوحا من حماسهم الزائد أمام إمكانية ترشيح أوبرا.