مقابلات

بني ارشيد: علاقة الإخوان بنظام الأردن "تجري لمستقر" (مقابلة)

أكد بني ارشيد أن محاربة الإخوان يخدم الحركات الإرهابية - أرشيفية
* لا تفاهمات بخصوص المشاركة في الانتخابات
* من حقنا أن نسأل عن مستقبل الجماعة
* موقفنا من الدولة المدنية والجهاد واضح
* الانتخابات البرلمانية والبلدية والنقابية بينت وزن الجماعة

بوادر انفراج تشهدها العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين، والنظام الأردني، عقب سنوات من "كسر العظم"، إثر هجمة مضادة شنتها الحكومة الأردنية بعد الربيع العربي على الجماعة، تمثلت في سحب الغطاء القانوني للجماعة، والتضييق على فعالياتها وإغلاق مقراتها، وسجن بعض قيادييها.

فالأجواء "المشحونة" بدأت تتراجع، بعد إعلان الجماعة العودة للمشاركة السياسية في الانتخابات النيابية والبلدية واللامركزية؛ التي قاطعتها قبل عشر سنوات، على خلفية الاتهامات بتزوير النتائج، واحتجاجا على قانون الانتخاب، وخفّت لهجة التصعيد من الحكومة ضد الجماعة التي لم تبدِ أي شكوى من وجود تدخلات أو عمليات تزوير في العملية الانتخابية الأخيرة، على غير المعتاد.

رئيس مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، زكي بني ارشيد، يقر في حوار مع "عربي21"؛ بـ"تراجع حدة الاستهداف والتحريض ضد الجماعة"، إلا أن "العلاقة بين النظام السياسي الأردني والجماعة ما زالت غير مستقرة، ولكنها تجري لمستقر"، كما يقول.

لهجة غير مسبوقة تصدر عن بني ارشيد الذي أفرجت عنه السلطات الأردنية في كانون الثاني/ يناير 2016، عقب اعتقاله وسجنه لمدة عام كامل بتهمة "تعكير صفو العلاقات مع دولة شقيقة"، وفق ما أسند له مدعي عام محكمة أمن الدولة، بعد أن كتب على صفحته في "فيسبوك"؛ منتقدا دولة الإمارات في 20015.

"عربي21" حاورت بني ارشيد، عقب مراجعات قامت بها الجماعة على موقفها من بعض القضايا، ومراجعات قانونية شملت تعديل 100 بند من نظام الجماعة الداخلي، أهمها فك ارتباط التنظيم مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

وفي ما يلي نص الحوار:

* نشهد أجواء رطبة بين الجماعة والنظام الأردني، وخير مثال تراجع حدة التحريض ضد الجماعة، وفوز الإسلاميين بمقاعد في البرلمان والبلديات، كيف تفسر ذلك؟

- على الرغم من تراجع حدة الاستهداف والتحريض ضد الجماعة، فلا زالت العلاقة بين النظام السياسي في الأردن والجماعة غير مستقرة، ولكنها تجري لمستقر لها. وترى الجماعة أنه يجب التعامل معها بصفتها مكونا اجتماعيا وسياسيا وفقا لقواعد القانون والقواعد الشعبية والتمثيلية، بعيدا عن ممارسة الإقصاء والتهميش.

* هل هناك قنوات اتصال وحوار مع الجهات الرسمية الأردنية؟

- يتم التواصل مع الحكومة من خلال نواب كتلة التحالف الوطني للإصلاح؛ لبحث قضايا محددة، ولم تُبحث قضايا المستقبل حتى الآن، بينما تأتي مشاركة الحركة بالانتخابات النيابية والبلدية كاستحقاق طبيعي لم تخضع لأي تفاهمات.

ومن حقنا أن نسأل من له اهتمام أو علاقة بمستقبل الجماعة: ما هو المطلوب؟ وما المراد من الجماعة؟ ولماذا يستمر الاستهداف والضغط والمحاصرة للجماعة؟ هل يُراد للجماعة أن تتخلى عن مبادئها وثوابتها وأن تنسلخ من فكرها وهويتها؟ أم يُراد منها أن تنتقل من صفة الاعتدال والوسطية إلى حالة من الغلو والتطرف؟ ولمصلحة من السعي إلى إثارة المزيد من التوتر وإشاعة الفوضى وزعزعة الأمن الأهلي والسلم الاجتماعي في المنطقة؟

* ما الجديد في ملف إغلاق مقرات الجماعة؟

- الموضوع منظور أمام القضاء، والحكومة اتخذت قرار إغلاق المقرات دون قرار قضائي ودون قرار إداري صحيح.

* هل تجاوزت الجماعة أزمة الانشقاقات (الجمعية المرخصة، الحكماء)؟

- موضوع الذين غادروا التنظيم ليس الأول من نوعه، هم اختاروا طريقا آخر، والميدان يتسع للجميع، وأحسب أن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة والبرلمانية السابقة، وكذلك في النقابات وغيرها، تكشف وزن الجماعة وحجم التنظيمات الموازية الأخرى. وباستعراض واقع الحالات المنشقة السابقة، فلم تنجح الحركة في إضافة قيمة إضافية أو برامجية للمجتمع والدولة.

وترى الحركة أن الإشكال القائم الآن في المنطقة ليس بين تيار الإسلام السياسي وبين بقية المكونات المجتمعية والسياسية الأخرى؛ بقدر ما هو بين الحالة السياسية القائمة وبين تمكين الشعوب من تقرير مصيرها وصياغة مستقبلها.

* هل للجماعة موقف واضح من الجماعات المتطرفة؟ هناك من يقول إنها لا تؤيدها وبنفس الوقت لا تدينها..

* الموقف من الجماعات المتطرفة والإرهاب واضح، وجميع الشواهد والدراسات العلمية أثبتت أن الحركات الإسلامية المعتدلة تلفظ وترفض ثقافة العنف والغلو والتطرف، وأن الغلو والتطرف والإرهاب يشكل تهديدا للأمن والسلامة العامة، وأن الإرهاب الذي تمارسه جهات متعددة ليس له علاقة بالإسلام.

وترى الحركة أن الاستراتيجيات التي وُضعت لمواجهة الإرهاب قاصرة وليست شاملة، إذ أن الحركات الإسلامية المعتدلة قادرة على المساهمة في مواجهة مخاطر الإرهاب. وبناء على ذلك، فإن استهداف الحركات الإسلامية المعتدلة من شأنه أن يعيق مكافحة الإرهاب، بل ويزود الحركات الإرهابية برصيد إضافي.

* بعد إجراء مراجعات فكرية وقانونية، ما تصور الجماعة لمفهومي الدولة المدنية والجهاد؟

- الجماعة معنية بتقديم فكرها وذاتها لجمهورها ومواطنيها بواقعية وأمانة، ومن خلال الإجابة على الأسئلة الحرجة، والإشكالات المطروحة بمنتهى البساطة والوضوح، بصرف النظر عن مدى الاختلاف أو الاتفاق مع المكونات المجتمعية الأخرى الرسمية منها والشعبية.

وبالانتقال من العموم إلى الخصوص، يمكن أن نقرأ الموقف من الدولة المدنية من خلال الإعلان عن ذلك وعلى لسان المسؤولين فيها، حيث أبدى المراقب العام للجماعة في الأردن المهندس عبد الحميد الذنيبات ارتياحه لموقف عاهل البلاد عبد الله الثاني؛ من مجمل القضايا الوطنية، والتي عبر عنها رأس النظام في الورقة النقاشية السادسة، وتحدث فيها عن موقفه من "الدولة المدنية" والمواطنة والانتماء وموقع الدين في الدولة. وقال المراقب العام في مقابلة مع جريدة السبيل: "قرأنا الورقة باهتمام، ونشعر بارتياح لما ورد فيها من أفكار ومضامين نتفق معها.. ونتفق (مع الملك) أن تكون أبرز ملامح الدولة أنها تحتكم إلى الدستور والقوانين وتطبقها على الجميع دون محاباة، كما أنها دولة مؤسسات تفصل بين السلطات وتحترم التعددية.. والتسامح والعيش المشترك.. بغض النظر عن الانتماء الديني أو الفكري". وأكد الذنيبات أن الإخوان المسلمين يسعون إلى "شراكات وطنية واسعة، والانفتاح".

كما تبنى الدكتور عبد المحسن العزام، رئيس مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي؛ وجهة نظر مختلفة، وصرح لوسائل إعلامية محلية قائلا: "إن طرح الدولة المدنية لم يدخل في المراجعات الداخلية للحزب للآن، في الوقت الذي يسعى فيه الحزب إلى إعادة الهيكلة بما يتناسب مع المرحلة)، فيما ذهب النائب الأول للأمين العام للحزب علي أبو السكر إلى القول: "حزب جبهة العمل الإسلامي لا يختلف مع مضامين هذه الورقة ولا بالتفاصيل التي وردت فيها. سيادة القانون هي أساس الدولة". وقال من خلال منتدى السبيل: "أعتقد أنه ليس هناك أحد ضد الدولة المدنية".

 أيضا أكد النائب الثاني للأمين العام في حزب جبهة العمل الإسلامي، المهندس نعيم الخصاونة، تأييد الحزب رسميا لمفهوم الدولة المدنية بمرجعية إسلامية، وقال إن الحزب يحتكم في ذلك إلى ما تقرره الأغلبية في البرلمان من تشريعات ضمن القنوات الدستورية في البلاد؛ مع الاحتفاظ بحقه بـالنضال من أجل تغيير القوانين أو استبدالها عبر القنوات الدستورية.

وظهر بجلاء موقف الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي بقبول الدولة المدنية. أما موضوع الجهاد، ويرادفه مصطلح المقاومة، فهو حق طبيعي أقرته جميع الأديان والشرائع والأعراف الدولية، إذ أن هدف الجهاد هو حرية الإنسان وتحرير الأرض، فحيثما وجد الاحتلال وجبت المقاومة والجهاد، وأما خلاف ذلك فبرنامج الجماعة العمل السياسي السلمي ولا إكراه في الدين، وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

* ما مستقبل الحركة الإسلامية في الأردن والعالم العربي بشكل عام؟

- يمكن تحديد مستقبل ومسار جماعة الإخوان المسلمين، وهذا المستقبل تصنعه إرادة الجماعة وقدرتها على العبور وتجاوز المرحلة واغتنام الفرص المرافقة لمجمل التحديات وصناعة الفرص الجديدة. والعلامة الفارقة هي القدرة على التخطيط الاستراتيجي الصحيح، فالمستقبل ليس فيه مكان للعجزة أو الكسالى، والحمقى والموتى هم الذين لا يغيرون آراءهم أبدا، حسب إرنست همنغواي في رائعة "الشيخ والبحر".