مدونات

الهروب للثورة

سيلين ساري
سيلين ساري
هناك خلف جبال اللامعقول وبحار المستحيل وفي عمق وديان الجحيم تقبع مدينة الظلام، ففيها صار للظلام مملكة مقدسة والضوء خطيئة تدنيس تلك القدسية، تلك المملكة الأسطورية هي أرض تغلفها طبقات من الظلام، تُسمع فيها أصوات البشر ولا تراهم، يحكمها الجنرال، وهو من فرض الظلام على المدينة بقوة السلاح، فالضوء حق للجنرال وحده وجبت له الطاعة العمياء مقابل الحماية. الجنرال وجنوده من يرون فقط داخل مجتمع العمى الإجباري، فليس بوسع أحد أن يقاومهم.

ومن أعلى جبال النور يجلس الجنرال يصدر أوامره لشعبه الساكن ممرات الفئران المظلمة، وقد أفاض عليهم من كرمه، حيث ترك لهم حرية العبادة مقابل نسبة من أرزاقهم وأطفالهم والتنازل عن كرامتهم وكبريائهم وآدميتهم، حتى يحميهم داخل أسوار الظلام المفروضة عليهم إجبارا، فداخل طبقات الظلام يصير الأقوياء أشبه بأطفال تتخبط وتحتاج للحماية.

جعل الجنرال الظلام عقيدة مقدسة والنور خطيئة وهرطقة، يحرم على الشعب التفكير فيه أو البحث عنه، لا أحد يشعل نارا؛ فهي حق للجنرال وحده، ومن يتجاوز يعدم بأبشع الوسائل.

وعلى غرار مملكة الظلام دخلت مصر أرض الحضارات ممر الفئران المظلم، حيث فرض جنرالات العسكر عليها طبقات من الظلام الدامس، ومُنع عن شعبها أنوار الحرية، فاعتبرت الحرية كفرا وهرطقة، خطيئة تدنس مملكته المظلمة الظالمة. فالإعدام هو العقوبة الدائمة لكل من يطالب أو يفكر بالنور بالحرية، هكذا تعلم المصريون بطريقة القرود والموزة المعلقة أن الحرية كفر يعاقب المطالب بها بالوجم، رغم أن هناك أجيالا ولدت لم تر النور ولم تنعم بالحرية ولا تعلمها، ولكنهم يرجمون كل مطالب بها دون أن يعلموا لماذا؟؟؟

العسكر بمصر لم يمنحوا شعبها أي حقوق، حتى تلك البسيطة المتعلقة بالدين، كما حال شعب مملكة الظلام الأسطورية. فالدين صار مجرما بعرفهم إلا إذا كان وسطيا يخضع لتحريفهم، حتى الأرزاق أخذوها وتركوا الناس يتضورون جوعا.

منذ أن دخلت مصر ممر فئران العسكر، صار العلم شعلة تحارب، والدين قبسا يحاكم أصحابه بالهرطقة، طبقات من الجهل والفقر والمرض غلفت جنبات المحروسة، حتى صارت الرائحة تزكم الأنوف. ليس الخطر أن تسكن الظلام، إنما الخطر أن يسكنك الظلام، هكذا وبالتدريج تحول المصريون من شعب يسكن الظلام إلى شعب يسكنه الظلام فقتل الظلام إنسانيتهم. صاروا مثل غوغاء الرومان وهم يشاهدون مصارعة حتى الموت. رائحة الموت تجعلهم في نشوة. لقد حولهم العسكر لعاشقين لقيد العبودية يقنعون أنفسهم بأنهم يكرهون ويحبون ما يكرهه الجنيرال، فهم لا يطيعونه بل يطيعون أنفسهم، وإذا جاء من يوقظهم من غيبوبتهم مزقوه متهمينهُ بالخيانة ومحاولة هدم مجتمعهم المظلم الأمن.

أصبح الصمت خطيئة أكبر من الضوء، فكان لا بد أن يظهر بعض النورانيين ليخبروا الناس بأن هناك طريقا واحدا للخروج من تلك الظلمات الحالكة، وهو الهروب وبسرعة إلى ثورة تبدد تلك الظلمات وتخترق حجبها، الهروب للثورة هو الطريق للضوء والحرية كي يعيشون مثل البشر لا الفئران.

نعم نحتاج أن نهرب إلى الثورة، هكذا قرر الثوار أن ينشروا النور ولو بالإكراه، فسعوا فكانت ثورة بددت حجب الظلام، وانبثق من وسط صحراء الظلمة الباردة شعاع الضوء. ولكن قبل أن يحميه الثوار بأيديهم ويصيحون (زمي زمي) كما فعلت أمنا هاجر بعين الماء، فتجمعها ليظل يشرب مسلمي العالم منها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، اجتمعت خفافيش الظلام تضرب بأجنحتها كي تطمس هذا النور الذي لا يستطيعون العيش فيه، وتراجع الثوار وتركوه بيد من عشقوا الظلام وولدوا داخل طياته، أجهضوا الحلم ونصبوا أنفسهم آلهة لحماية مكان ولادته، لتعود الظلمة إلى الوجود مطمئنه أن هناك من يحميها.

يا سادة، الوضع لم يعد يحتمل الانتظار أكثر. نحتاج ثورة جديدة تنقذنا من بين أنياب العسكر بظلمتهم، ما زالت الثورة خيارنا الوحيد للهروب للحرية، ولكن هذه المرة يجب أن نكون أكثر خبرة وأكثر رؤية وحكمة.

فلكي تنجح الثورة وترى مصر النور، لا بد أن تكون الثورة أولا على كل البلهاء الذين ساندوا الطغيان بخفافيشه، نعم البلهاء قبل الطغاة لأنهم من آمنوا أن الطغيان أمر إلهي، وأنهم أكثر أمانا واستقرارا تحت سلطته الأبوية الغاشمة، فهم أول من رجموا الثورة والثوار.

ولكن لكي نصل لثورة ناجحة كاملة، لا بد أن نوفر استراتيجيات وآليات كي نستطيع إخراج ذاك الشعب من ممره المظلم، فما هي تلك الأليات؟

هنا يأتي السؤال المهم ماذا يعني لكم مفهوم القيادة؟؟

يا سادة، نحن نتحدث عن شعب عاش عقودا وهو كفيف البصر يتم اقتياده لأنه عاجز، لا يعرف أن يكتشف طريقه وحده. فأول ما يريده هذا الشعب كي يثور قائد يأخذ بيده للطريق، فإذا تركت العميان وحدهم دون توجيه، سيتخبطون ولن يصلوا لشيء، ووقتها سيلعنونك أكثر من لعنتهم للظلام. فقد كان به صوت يرشدهم حتى وإن كان ظالما.

وهنا يأتي السؤال الثاني إلى كل المتصدرين للمشهد الثوري من كل الأطياف: ما هي خطتكم لتثوير الشعب والأخذ بيده لعمل حراك ثوري حقيقي على الأرض كي تسقطوا هذا الانقلاب؟

فهذا الشعب قد أُرهق من توجيهاتكم المتضاربة، توجيهات دون وجود قائد يمسك بأيديهم لتنفيذ خطة واضحة للخروج.

هذا الشعب لا يعاني من قلة الوعي، فقد أدرك أنه يحتاج الضوء للحرية، هذا الشعب يعاني من افتقار وجود قيادة تحمل استراتيجية ورؤيه لتنفيذ الثورة، على الجميع أن يتنحى جانبا ليترك المجال لمن صنعوا النور من قبل لمن قتل أصدقائهم وأخوتهم مقابل لحظات من الحرية، أيتصدرون المشهد كي تزم أيديهم ضوء الحرية عندما يولد من رحم ثورة جديدة، كي يصنعوا منه بئرا لا ينضب يرتوي الجميع منه.
2
التعليقات (2)
أحمد العيطان
السبت، 29-07-2017 02:28 ص
هذا كان ردي لشخص يهاجم تركيا و تاريخها علي كثير من الصفحات الإخبارية العربية ومواقع الشباب وهذا ردي عليه لصد هجومه الإعلامي الحاقد وأسمه جرجي وبعد البحث وجدت أن جرجي هي إختصار لجرجيان وهو إسم أرمني أخ جرجي الواضح من تعليقك المغلوط و إسمك أنك نصراني وغير مسلم,كلامك غير دقيق أخي وفيه الكثير من الكذب والتزوير وبعيد عن الواقع التاريخي وطالما أنت ذكرت في تعليقاتك الرومان البيزنطيين فدعني أصحح معلوماتك بأن الرومان الشرقيين التي كانت عاصمتها القسطنطينية بعد إنفصالها عن إمبراطورية الروم الغربية كانت تحتل نصف العالم الإسلامي وتسومه العذاب وتفرض عليه الضرائب الباهضة قبل تحريرها علي يد الجيوش الإسلامية العربية أولا ثم إنكفأت بالقسطنطينية بعد زوال حكمها للشرق ولكنها بقت خنجرا مسموما في خاصرة الإسلام و شعوب المنطقة فقد قامت بمئات المجازر الوحشية بحق المسلمين القاطنين علي تخومها ودعمت الهجمات و الحروب الصليبية الهمجية بكل قواها ودعمت ثورات الأقليات الغير مسلمة ضد الدول الإسلامية وبعد ظهورالأتراك كقوة سنية فاعلة وبعد ولادة الدولة العثمانية وتمددها قام السلطان محمد الفاتح بفتحها لتأمين غرب الأناضول من الهجمات الصليبية,العثمانييون لم يكونوا غزاة للشرق كما تقول بل فاتحين ومحررين وقد رحب بهم أهل الشام والهلال الخصيب من ظلم و فساد المماليك وقد حمت الجيوش العثمانية الشرق من الخطر الفارسي الشيعي ولولا الأتراك ربما لا توجد الآن دول سنية وحافظوا علي القدس قبل أن يتخلي عنها ملوك العرب و أمنوا مكة والمدينة والكعبة من الخطر البرتغالي الصليبي,ناهيك عن أن الحضارة العربية لم تتراجع بعد سيطرة العثمانيين علي الشرق الغربي إنما قبل دخول العثمانيين للشرق بمئتي عام أي بعد سقوط بغداد علي يدي المغول والأرمن والصليبيين الذين تحالفوا معهم أي أن الحضارة العربية الإسلامية كانت بالأساس بالحظيظ بعد دخول العثمانيين أي بلقرن السادس عشر كما أن سياسة التتريك والفوضي التي حصلت بالسنوات الأخيرة من عمر الدولة العثمانية لم يكن للنظام الإسلامي العثماني علاقة به فقد سيطرت علي الدولة وقتها الجمعيات الماسونية واليهودية العلمانية وليس النظام العثماني الإسلامي فمن الغباء إتهام تركيا العثمانية بالفوضي و الفقر والمذابح التي حصلت بالسنوات الأخيرة من عمر الإمبرطورية العثمانية فأرجوا التعامل مع التاريخ بموضوعية وليس بالنبرة العصبية أو الطائفية وشكرا وأقولها كعربي مسلم شاء من شاء و أبي من أبي , المجد لك يا تركيا العظيمة المجد لك يا أردوغان باحث وناشط سياسي محمد الريان سكان سويسرا سابقا حاليا في الأردن
hady salem
الثلاثاء، 14-03-2017 03:08 م
اللله ينور عليك اوجزتي وانجزتي..بصراحه.اؤيدك فى كل ما طرحتيه.المشكله مفيش حد كبير يوثق فيه يقود الناس علشان الثوار يلتفوا حوله..ولازم يكون شخص قوى حتى لا يؤثر الديكتاتور العسكري عليه..لكن فيه امل ان شاء الله وكل ثورة بتاخد وقت حتي يشع نوره..ولنا مثال الثورة الفرنسيه..والاحداث تتوالى تباعا.ونصر الله قريب..اليس الصبح بقريب...تحياتي ا. سيلين