اقتصاد دولي

كيف كان أداء اقتصاد تركيا في 2016.. ضغوط وتماسك

تعاني تركيا تداعيات الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالأسواق التقليدية- أرشيفية
تعاني تركيا تداعيات الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالأسواق التقليدية- أرشيفية
مثلما تعرّض الاقتصاد التركي لضغوط كبيرة في 2016، كان في طليعتها تداعيات الانقلاب الفاشل في تموز/ يوليو، والتدخل العسكري في سوريا، والتوتر المتجدّد مع الأكراد، لكنه أثبت قدرته على الصمود والتماسك أمام الأزمات سواء المحلية أو العالمية.

ورجحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تنتمي إليها تركيا، أن يكون النمو الاقتصادي التركي تباطأ إلى أقل من ثلاثة في المئة عام 2016، لكنها رجحت أن يتحسّن تدريجا ليسجل 3.75 في المئة بحلول 2018.

وشددت المنظمة على أن الاقتصاد التركي يواجه ضغوطا سياسية محلية وإقليمية، لكنه نجح في امتصاص تداعيات الانقلاب بفضل السياسات المالية العامة والنقدية الحصيفة المتوقع أن تعزز استهلاك الأسر في شكل يدعم النمو.

وخلال الأشهر الماضية، ووفقا لتقرير أعدته صحيفة "الحياة"، وضعت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان قيد التنفيذ حوافز جديدة وسخية لتشجيع الاستثمار، لكنها لم تؤت ثمارها بعد في ضوء الغموض السياسي والاختلال الأمني في البلاد. ولكي تنتعش استثمارات القطاع الخاص، من المهم جدا أن تستعيد تركيا ثقة المستثمرين من خلال إصلاحات بنيوية ومؤسسية.

البرنامح الاقتصادي المتوسط

وخصّص "البرنامج الاقتصادي المتوسط الأجل 2017– 2019"، الذي أعلنته أنقرة مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، استثمارات جديدة للبنى التحتية، وتعد الحكومة بوضع إطار شفاف ومتكامل للتخطيط والإنفاق والإدارة وغيرها من التدابير المتعلقة بوضع البرنامج موضع التنفيذ بهدف تخفيف التكاليف وإفساح المجال أمام نفقات حكومية أخرى، خصوصا في مجال التعليم.

بعد الانقلاب الفاشل، تدنت معنويات أسواق المال في تركيا، لكن التدني كان موقتا، بيد أن الضغوط السياسية والأمنية دفعت إلى تخفيض تصنيف تركيا الائتماني، ما خفّض سعر صرف الليرة أمام الدولار وأصاب بورصة إسطنبول بوهن. وتراجعت ثقة الأسر وقطاع الأعمال.

وتباطأ نمو استهلاك الأسر قليلاً على رغم الرفع الكبير للحد الأدنى للأجور في كانون الثاني/ يناير. وتباطأ بالتالي وفي شكل حاد، نمو القروض الاستهلاكية ونمو ديون بطاقات الائتمان، خصوصا بعد اتخاذ السلطات تدابير للجم النمو السريع لقروض الأسر. وبقي استثمار القطاع الخاص ضعيفا.

تداعيات الأزمات الاقتصادية

وتعاني تركيا تداعيات الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالأسواق التقليدية الخاصة بصادراتها، خصوصا في الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط.

وفاقم المتاعب الحظر التركي على التجارة مع روسيا، وهو حظر في طور الإلغاء الآن. لكنّ المصدّرين الأتراك بخير، خصوصا بفضل تراجع أسعار صرف العملة التركية أمام العملات الأجنبية الرئيسية، فهم يجدون أسواقا جديدة ولا يزالون يبحثون عن أخرى.

وأضرّ انخفاض عائدات السياحة بسبب الأوضاع الأمنية في تركيا باقتصادها، لكن الانتعاش المتواصل للصادرات يُتوقع أن يعوض بعضا من العملات الصعبة المفقودة بسبب أزمة قطاع السياحة.

سياسات مالية متينة

وتميز 2016 في تركيا بسياسات مالية عامة ونقدية ومتينة، على رغم النزاع المستمر بين أردوغان والمصرف المركزي التركي حول تمسّك الأخير بأسعار أعلى للفوائد وإصراره على استقلاله عن الإدارة السياسية، شأنه شأن المصارف المركزية الأخرى. ولم يؤثر الرفع الكبير للحد الأدنى للأجور وتعزيز الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية وعلى اللاجئين السوريين في تماسك الموازنة التركية.

وقفزت حصة الإنفاق الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي من 38 في المئة عام 2015 إلى 41 في المئة عام 2016، ويُتوقع أن يحافظ على النسبة نفسها في 2017 قبل أن يتراجع قليلا إلى 41 في المئة عام 2018.

وتبقي تركيا أسعار الفوائد متدنية نسبيا على رغم أن معدل التضخم لا يزال فوق المستهدف وتوقعات بأن يشهد ارتفاعا بدلا من أن ينخفض. وهي خفّفت شروط الائتمان على الأتراك المدينين وزادت ما تقدّمه إلى قطاع الأعمال من إعفاءات وتخفيضات ضريبية ودعم. لكن المناخ الاستثماري لا يزال في حاجة إلى إصلاحات تعزز ثقة المستثمرين به، خصوصا تحديث بعض القوانين وتطوير المحاكم التجارية.

بدء التعافي

يُرجّح أن يزيد معدل النمو إلى 3.25 في المئة عام 2017 و3.75 في المئة عام 2018، بفضل استعادة استهلاك الأسر عافيته والتحسّن التدريجي للصادرات. لكن الأخطار في 2017 تفوق المتوسط لأسباب من أهمها ازدياد الأعمال العسكرية في الجنوب الشرقي ذي الغالبية الكردية واحتمال تعديل الدستور باستفتاء شعبي لتعزيز صلاحيات رئيس البلاد، ناهيك عن التدخل العسكري في سوريا.

وإلى جانب تأثير هذه الأخطار في الإنفاق الاستهلاكي ومناخ الاستثمار، يمكنها أن تضعف أيضا النمو والتمويل الخارجي.

وتراجع عجز الحساب الجاري من ثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2013 إلى 4.6 في المئة في 2016، لكن ضغوط تمويل الديون الخارجية لا تزال قائمة، وفي هذا الصدد لا مناص من الحفاظ على مصداقية المؤسسات التي تصنع القرارات الاقتصادية.

وتشمل الإصلاحات التي تراها مؤسسات اقتصادية دولية ضرورية التطبيق، الحذر لـ "البرنامج الاقتصادي المتوسط الأجل 2017– 2019"، ومواءمة الحسابات الوطنية مع المعايير الدولية بما يشمل تعزيز شفافية المالية العامة. هكذا تتعزز الثقة المحلية والدولية بالاقتصاد التركي وتتقلّص أخطار التمويل الأجنبي.

وفي المقابل، يُتوقع أن يعزز التقارب بين تركيا ودول كانت على خصومة معها، خصوصا روسيا، الصادرات التركية إليها وربما يزيد عدد سياحها الذين يزورون تركيا.
0
التعليقات (0)