مقالات مختارة

السياسيون قبل اللغويين

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
نرثيها أم نجددها ونحييها؟ أتحدث عن اللغة العربية في يومها العالمي الذي تحتفل به اليونسكو في الثامن عشر من ديسمبر كل عام، ويحيي مجمع اللغة العربية بالقاهرة ذكراها غدا. أقول ذكراها لأن العربية هزمت مع هزيمة العرب. 

قبل أيام، وزعت جريدة الأهرام إعلانا عن كتاب تصدره المؤسسة للمراجعات النهائية للفصل الدراسي الأول للمرحلة الابتدائية، ذكرت أن معديه نخبة من مقدمي البرامج التعليمية في مختلف التخصصات. وكان العنوان الرئيسي للإعلان الذي أريد به جذب الانتباه للكتاب كالتالي: «بشرة» لراغبي التفوق. والمقصود «بشرى» بطبيعة الحال. وبالمناسبة فإن الجريدة العريقة تنظم معرضا سنويا لتسويق المشروعات العقارية، فلم تجد كلمة عربية مناسبة تعلن عنه فاختارت له كلمة «أكارى» التي كتبت بالأحرف اللاتينية. وهذا الذي ظهر في مطبوعات الأهرام يمثل نقطة في بحر لا شاطئ له، لأن الأخطاء النحوية والإملائية صارت وباء في وسائل الإعلام المطبوعة، حيث ما عادت مقالة تظهر إلا وتناثرت فيها تلك الأخطاء. 

وليس الأمر مقصورا على الإعلام المقروء فقط. لأن مثل تلك الأخطاء تحفل بها وسائل الإعلام الأخرى التي أصبحت بعض برامجها تكتب وتنطق بالإنجليزية وبرامج «التوك شو» المسائية اليومية رمز لذلك. الحاصل في الإعلام أظهر لأنه متداول ومعروض على الناس، لكنه ذاته متجذر في مختلف المجالات الأخرى. ويظل رئيس مجلس النواب نموذجا فريدا يعبر عن ذلك الخلل المعرفي؛ لأن الرجل -وهو أستاذ جامعي مخضرم- لم يعد ينطق جملة واحدة خالية من الأخطاء. وقل مثل ذلك عن وزير التربية والتعليم الذي ذاع أمر أخطائه اللغوية، وهو ما فوجئنا به في محيط كبار القضاة الذين لم نصدق أنفسنا حين سمعناهم يقرأون أحكامهم الحافلة بالأخطاء النحوية في عدد من القضايا الكبرى.

حين يحدث ذلك، فلا تستغرب أن يصل تلاميذ المدارس إلى المرحلة الإعدادية في حين يظلون عاجزين عن الكتابة والقراءة، وربما وجد بعضهم صعوبة في كتابة أسمائهم، أما الجهل باللغة فهو قاعدة بين خريجي المدارس الفنية والمتوسطة.

يضيق المجال عن ذكر مظاهر هجرة اللغة العربية الفصحى وازدرائها الذي سلمنا به حين تجاوز الحد. وحين يئسنا فإننا أصبحا قلقين على العامية السوية، التي لم تسلم بدورها من التخريب والتشويه والابتذال. وأقصد بالعامية السوية تلك التي كان الأديب الكبير يحيى حقي من روادها وأعلامها، وكانت تعتمد في جذورها على الفصحى.

ثمة كلام كثير يقال في تفسير تدهور الفصحى، يتصل بعضه بشيوع الإقبال على المدارس الخاصة التي تعطي الأولوية للغات الأجنبية، ويتصل البعض الآخر بإفرازات ثورة الاتصال وانتشار الإنترنت، ولا أعفي طرق تدريس اللغة من المسؤولية عن نفور التلاميذ من العربية (لي حفيد كره العربية منذ طلبت منه المُدرسة جمع كلمة أخطبوط وفشلت في مساعدته، الأمر الذي اضطرني للجوء إلى رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور حسن الشافعي، الذي قال إنها أخابيط). 

كل ذلك صحيح، إلا أنني أزعم أن هناك سببا جوهريا لمحنة العربية يتقدم على كل ما سبق، يتمثل في الهزيمة السياسية والحضارية التي أفضت إلى التراجع والانكسار في مختلف المجالات. يشهد بذلك القول المأثور الذي ينبه إلى أن اعوجاج اللسان علامة على اعوجاج الحال. ذلك أن الهزيمة السياسية والحضارية تفقد ضحاياها الثقة في الذات والاعتزاز بالهوية. كما أن الانكسار ينال من كبريائها واحترامها لذاتها، الأمر الذي يدفعها إلى الانسحاق في الآخر القوي والمنتصر.

ليست المسألة قانونا يصدر لتعريب العناوين واللافتات (كما حدث في مصر عام 1958)، وهو إجراء فشل ولم يكتب له النجاح؛ لأنك لا يمكن أن تحيي لغة وتدفع الناس على الاعتزاز بها في أمة محبطة ومهزومة. ذلك أن عزيمة النهوض والأخذ بأسباب الرفعة والتقدم وحدها التي تحيي اللغة وتنعشها. وهو ما يعني أن التعويل على السياسيين في هذا المجال مقدم على دور اللغويين. لذلك أزعم بأن الأمر أصعب بكثير مما نتصور، وأننا لا نستطيع أن نطمئن إلى مستقبل الفصحى. ولولا أن الله تعالى وعد بحفظ كتابه لقلنا إن الاندثار مصيرها، وإن رثاءها واجب، إلا أن استمرارها كان بحاجة إلى معجزة إلهية.
1
التعليقات (1)
محمد الدمرداش
الثلاثاء، 20-12-2016 11:02 م
الدين و الهوية ................ صاحب الكبرياء و الاعتزاز بالنفس لا يتخلى عن دينه و هويته و لا ينصاع لما يراد به بل دائما يكون هو كما هو بجذوره و أصوله خاصة إذا كانت تلك الجذور و الأصول ذات قيمة و قامة و أثرت الأنسانية على طول حقبة كانت من الزمن أمتدت إلى خمسة أو ستة قرون و واقعنا نحن العرب فيه اهتزاز و عدم ثقة بما كنا فيه من مجد و رفعة و يرى الكثيرين أن المجد و الرفعة و التحضر عند الأخرين فيلهثون ورائهم و يقلدونهم تقليد أعمى و هم لا يدرون أنهم يقتلون في ذاتهم و في أجيالهم القادمة الأصول و الجذور ذات العبق الذى لن ينضب معينه و زهو بهجته و رائحته الذكية و نحن بلا دين بلا هوية لا نساوى شيء فديننا الأسلام فأين نحن من أسلامنا ؟ و هويتنا العربية فأين نحن من لغتنا العربية ؟ و في معاملاتي على طول عمر حياتي مع أساطين لغة العرب أكدوا لي أن العربية لا يمتلكها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم لأن الله تعالى أتاه جوامع الكلم و اللغة العربية تملكنا و لا نملكها و لكن المفاضلة بين بعضنا البعض فيها لمنْ يتلوا القرآن لأنه قاموس لغة العرب فأين نحن من تلاوة القرآن و تعلمه ؟ و اللغة العربية أكثر لغات الأرض ثراء في المفردات و المعاني و التعبير بها و التجسيد لكل شيء يقرب إلى العقول و الأفهام ما يراد الإيحاء به و أبرازه هذا فضلاً عن كونها لغة أهل الجنة لمن آمن و أيقن فلا نبكى لغة العرب بل يجب البكاء علينا و الرثاء لحالنا لما فرطنا في ديننا و هويتنا و قصرنا في تناول أسباب عزتنا و منعتنا بين الأمم .