كتاب عربي 21

لا حل لسورية الا التسوية السياسية

سمية الغنوشي
1300x600
1300x600
الواضح أن قوات بشار الأسد المدعومة من الروس قد تمكنت من استعادة مدينة حلب الاستراتيجية، فيما انحصر تواجد المعارضة المسلحة داخل بعض الجيوب بشرق المنطقة.

لا شك أن هذه المعطيات الجديدة على أرض القتال تمثل نصرا للنظام السوري وحلفائه على المعارضة المسلحة والقوى الدولية والإقليمية التي تقف خلفها. لكن هذا الانتصار العسكري التكتيكي في الحقيقة مغمس بطعم الهزيمة المر، وربما يكون من يبدو فيه المنتصر مهزوما، للاعتبارات التالية:

أولا، إننا هنا إزاء حرب أهلية تتحرك فيها موازين القوى على الأرض بصورة تكاد تكون مستمرة. ما هو مؤكد هو أنه ليس بمقدور أي طرف أن يحسم المعركة لصالحه بصورة كاملة ونهائية، لأن لكلّ قوى إقليمية ودولية تقف خلفه على نحو أو آخر. 

المشهد في سوريا أقرب ما يكون إلى الحرب بالوكالة. كما أن الانقسامات الطائفية والدينية التي تشق النسيج المجتمعي السوري تجعل من غير الممكن بالنسبة للحكم او المعارضة حسم الصراع بصورة قاطعة.
 
ففي الوقت الذي تلتف الأقليات العلوية والمسيحية والمجموعات الدينية حول نظام بشار الأسد، تبدو الأغلبية السنية الغاضبة أميل إلى المعارضة المسلحة، فضلا عن الجماعات الكردية وحساباتها الخاصة التي باتت تحظى برعاية دولية. مثلا اليوم والنظام السوري يحتفل باستعادة حلب يضطر للانسحاب من مدينة تدمر الأثرية التي سيطرت عليها مجموعات داعش الإرهابية مجددا قبل أيام. 

ثانيا، أن تداخل الجغرافيا السياسية للمنطقة وترابط الأزمات، خصوصا بين سوريا والعراق المجاور والذي يعاني بدوره من حرب أهلية مدمرة، يجعل من الأزمة أشبه بالقوس المفتوح. كما أن دخول الجماعات الإرهابية المسلحة مستفيدة من مناخ الأزمة والانقسامات الطائفية والعرقية التي تعصف بسوريا والمشرق العربي عامة، مثل داعش والقاعدة وغيرها، يجعل من المستحيل السيطرة على الوضع من دون معالجة سياسية حقيقية تزيل أسباب الصراع والتوتر. 

ولعل أهم الدروس المستخلصة من العراق نفسه الذي مازال يتخبط في دوامة الصراع السياسي المختلط بالمعطيات الطائفية والإثنية والتدخلات الخارجية منذ الاحتلال الأمريكي سنة 2003 أنه لا سبيل لحسم الصراع بقوة السلاح، فما أن تهدأ معركة حتى تتفجر أخرى في سلسلة دامية لا تنتهي. 

لا شك أن ما جرى في سوريا هو ثورة تلقائية ناتجة عن الشعور بالضيم والقهر، بتأثير من الثورات العربية التي اندلعت في تونس، ثم مصر منذ بداية 2011. إلا أن دخول مجموعة من المعطيات إلى المعادلة قد حرف هذه الثورة عن مسارها وحولها إلى حرب أهلية بغيضة مفتوحة بسبب دخول معطى السلاح، بما حول النزاع من معركة حرية وحقوق وحريات الى صراع دموي مرير حول السيطرة والسلطة. 

ثالثا، تعقيد النسيج المجتمعي السوري خلط الصراع السياسي بالمعطيات الطائفية والإثنية وبذلك انقلب من معركة شعب ثائر على الظلم ونظام الحزب الواحد، تواق للحرية والكرامة، إلى صراع علوي سني وعربي كردي وغيره. 

إن الموقع الجغرافي الحساس لبلاد الشام وتداخل المصالح الدولية الكبرى قد أقحم الصراعات الإقليمية والدولية في معادلة التنازع الداخلي، مما تمخض عن نوع من الاصطفاف الإقليمي والدولي لكل طرف فيه حساباته الخاصة، من الروس والإيرانيين إلى الأتراك والأمريكان والخليجييين وغيرهم. 

الحقيقة الواضحة وضوح الشمس هي أن هذه حرب لا أفق لها، ليس بمقدور أي طرف فيها ان يفرض حسمها لصالحه إلى الأبد. هذا يضع سوريا أمام احتمالين لا ثالث لهما: 

إما التمادي في حرب أهلية لا أفق لها غير مزيد من الدمار وانهار الدماء وتشريد الأبرياء العزل، مما يعني عجز النظام عن كسر المعارضة المسلحة بصورة كاملة، مهما سجل من انتصارات عسكرية  جزئية هنا وهناك، وعجز المعارضة المسلحة عن إسقاط الأسد والحلول محله. 

هذا يبقي الأمور بين مد وجزر بين المعارضة والحكم إلى أمد بعيد، خاصة وان ثمة إرادة دولية وخصوصا أمريكية إسرائيلية لتمديد الصراع أكثر ما يمكن وجعل سوريا ساحة استنزاف مستمر لكل القوى، للعرب والإيرانيين والأتراك والروس وللنظام وخصومه على السواء. 

أو أن تجنح القوى المتصارعة إلى السلم، والسلم خير بين أبناء الوطن الواحد، عبر بناء تسويات سياسية مقبولة ومعقولة تقوم على إعادة توزيع السلطة بصورة عادلة والدخول في مسار سياسي إصلاحي جدي في إطار الحفاظ على وحدة البلد وسيادته المهددين في الصميم، بعيدا عن منطق الغالب والمغلوب العبثي المدمر. 

هذا الأمر يقتضي التحلي بالحكمة والبصيرة وقدر كبير من الجرأة والشجاعة من الجميع.

لا بطولات ولا انتصارات حقيقية في الصراعات الأهلية وبين أبناء الوطن الواحد. المؤكد أن النظام السوري وإن سجل بعض الانتصارات العسكرية لن يتمكن من اجتثاث خصومه بقوة السلاح، وأن المعارضة المسلحة لن تسقط نظام بشار الأسد، مع التحالفات القوية التي تمكن من نسجها. 

الحل الوحيد المتاح هو عقد تسوية سياسية مقبولة ومعقولة تحظى بتوافق إقليمي تركي إيراني وخليجي، علّنا نحقن دماء السوريين الزكية المهرقة وننقذ ما يمكن إنقاذه من سوريا الحبيبة. 
التعليقات (7)
مرتضي کربلايي من إيران - [email protected]
الأحد، 25-12-2016 12:22 ص
وصول حکام و المثقفين إلي هذه النتيجه و لَوْ بعد ست سنوات من الدمار والخراب والقتل و إنفاق مئات المليارات من الدولارات في حد ذاته أمر جيد. عندما الدول والقنوات التلفزيونية کانت تحرض على الفتنة، وقلب الحقائق، وتضليل الشعب السوري، ودعته إلى الثورة، وسلحته، ووعدته بإسقاط النظام في أشهر معدودة و وصلت الأمر إلي حشد أعداء الأمة بإسم اصدقاء سوريا، اصدقاء الحقيقيين کانوا يصرون علي الحل السياسي و کانوا يقولون أن الشعب السوري هو القادر الوحيد علي التغيير و التقرير مسيره. والآن، دعونا نتفاءل و نقول ياحَبَّذا لَوْ يکون هذا التغيير في اللهجه ناشئة عن صدق النيّة و لا تکون خدعة الغرب و الأنظمة الرجعية لکسب الفرصة و لتخطيط مؤامرات جديدة. وأمّا في تحليلک عن الحرب في سوريا و العراق أشرت إلي بعض النقاط التيي تحتاج إلي التوضيح: أشرت إلي "الأغلبية السنية الغاضبة أميل إلى المعارضة المسلحة". ألا تعرفين أن حتي الجزيرة نت، الماکينة الإعلامية لتحريض الفتنة تعترف بأن "أغلبية الجنود والمجندين –في الجيش السوري- هم من الطائفة السنية" ؟ ألا سمعت بأن في عهد بشار الأسد كان النفوذ السني فاقعا. فاغلب المقربين من الرئيس سنة. من طلاس الإبن إلى طلاس التاجر (فراس) الى ابرز تجار وصناعيي حلب وحمص واللاذقية (مدينة سنية بالمناسبة والعلويين فيها اصليين لكن الاغلبية سنية). يتحدث الكثيرون عن اقرباء الرئيس وينسون اصدقائه الاقرب اليه من كل اقربائه وهم من السنة. وفي مکان آخر إعتبرت الأزمة العراقية "حرب أهلية مدمرة". عن أيّ حرب أهلية تتحدثين؟ هل تعتبرين الوافدين من أوروبا وشمال إفريقيا و آسيا و غيرهم الذين حاشدين تحت راية داعش و النصرة من اهل العراق؟ أشاطرک الرائ عندما تحدثت عن "أهم الدروس المستخلصة من العراق نفسه، ..... فما إن تهدأ معركة حتى تتفجر أخرى في سلسلة دامية لا تنتهي." نعم! السلسلة الدامية لاتنتهي طالما المال و الإعلام السعودي و القطري و الإمارتي تتجول في العراق و تخطط لها الصهيومسيحية و الصهيونية لزعزعة المنطقة. و بالمناسبة، لم يمر اکثر من عشرين يوم علي مؤتمر عقد في تونس يدعو الي الحراک المسلح في إيران لإنهاء احتلال إيران للأحواز! (و الإسم الصحيح هو أهواز). أختي الفاضلة. لا أفهم لماذا تصرين علي تسمية النزاع السوري بـ "صراع علوي سني وعربي كردي"؟ أليس الجيش السوري السني يحارب الإرهابيين يدعون بأنهم من السنة؟ أليس الأکراد من أهل السنة؟ مَن المستفيد من هذه التسميات؟ لماذا تکررين ما صنعته الأجهزة المخابراتية والآلات الإعلامية للعدو بغية إشعال نار الفتنة الطائفية؟ نعم کلنا مع الحل السياسي و لکن في نفس الوقت نحن لا نقلل من أهمية تحرير المدن السورية و لا نسميه کما سميته بـ "انتصارات عسكرية جزئية هنا وهناك" و السبب هو کلما حررت منطقةٍ ما، رجعت اليها أهلها و غالبيتهم من السنة. أختي العزيزة، عالمنا الإسلامي ممزقة بالصراعات و النزاعات الدامية و بحاجة ماسة إلي أصوات و آراء معتدلة و رصينة. فأشکرک علي کتاباتک القيمة و دعوتک إلي الحل السلمي و السياسي. جزاک الله خير الجزاء. ربي يعطيک طول النفس و يعاونک في نياتک الصادقة و الحسنة. [email protected]
د.ضامر علي
الخميس، 15-12-2016 10:10 م
أتعجب من إبنة مثقف رسالي قضى أبوها سنوات عديدة في السجن دفاعا عن الاسلام والفكر التوحيدي ،كيف تجعل ايران تهدف استنزاف الحرب في سوريا بناءً علي ارادة الصهيونية وأميركا!!!!!!!!!!!!!!!!!!! وتعزف في الآلة التي تعزفها اعداء الاسلام لإحداث الخلافات بين المسلمين !!!!!؟؟؟؟؟فكري يا سيدة الكريمة بنشرك الخلافات بين المسلمين وشجب ايران الثورة والضحية للارهابية التي أستشهد 16/000شهيد من خيرة ابناءها من الفقيه والفيلسوف والطبيب والفيزيائي النووي،وسائر الناس من مدافعي الثورة في عمليات الاغتيالات بيد منظمة المنافقين (عصابة مجرمة لرجوي ومريم غجر) هل إنها تدافع عن الارهابية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!الكاتب مثل القاضي هو علي شفير الجهنم وحافة الهاوية لو انحرف عن العدل في القول!!!!!
مصطفى ابراهيم
الخميس، 15-12-2016 09:47 م
الأستاذة سُمية: توصيف المشكلة جميل ولطيف ولكنه أمر بالعسير على الباحثين والمتخصصين .. ولكن السؤال الأصعب هل بإمكان حضرتكِ او اي إنسان عاقل أن يقدم وصفا لهذا الحل الـ "عقلاني" تقبل به أطراف لا عقلانية ولا عقل لها ولا تهتم للعقل ولا للمنطق ولا حتى يهمها الانسان السوري بالـم?رّة؟ بانتظار الإجابة رجاء ..
عماد
الخميس، 15-12-2016 08:47 م
تقول : "مثلا اليوم والنظام السوري يحتفل باستعادة حلب يضطر للانسحاب من مدينة تدمر الأثرية التي سيطرت عليها مجموعات داعش الإرهابية مجددا قبل أيام. " وارد عليك هذا رأي سطحي. أما قولك :"الحل الوحيد المتاح هو عقد تسوية سياسية مقبولة" فهذا تحزلق من بعض جماعة النهضة الذين يمقتون أبو رقيبة ويطبقون استراتيجيته "سياسة المراحل" التي صيرت منه تابعا لاسياده
أيمن عصمان ليبيا
الخميس، 15-12-2016 03:56 م
سيدتي ، أمريكا وروسيا وإيران والصهاينة إلتقوا على هدف واحد ، بقاء الحذاء فشار النعجة ونظامه مع تدمير سوريا شعبا وحجرا وإن أمكن تفتيتها فيما بعد ، أتفق معك أن أمريكا والصهاينة كان هدفهم إستنزاف الجميع في سوريا ولكن بغرض زيادة خنوع النظام المجرم وزيادة تأمينه للصهاينة ، لا حل سياسي سيدتي مع من دمر سوريا وقتل وشرد شعبها وتركها لقمة سائغة لكل من هب ودب ، الحل الوحيد بتوحد جميع الفصائل الثورية التي إن لم تستفد من درس حلب سيكون مصيرها كمصير فصائل حلب والضغط عليها من الشعب السوري ، والدول الداعمة للثوار إن لم تتحرك قلتعلم أن الصفويين لن يتوقفوا إلا في مكة المكرمة والمدينة المنورة لا قدر الله ، هذا رأي المتواضع