مقالات مختارة

ماذا عن سلام الداخل؟

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
مهم -لا ريب- أن يوجه الرئيس السيسي رسالة سلام إلى الخارج من شرم الشيخ، كما ذكرت الصحف المصرية يوم الخميس الماضي. لكن الأهم أننا ننتظر منه في عامه الثالث رسالة سلام مماثلة إلى الداخل. أدري أن توجيه الرسالة الأولى إلى العالم الخارجي مطلوبة في الوقت الراهن، لأسباب لا تحتاج إلى شرح، لكنني أزعم أن رسالة السلام الموجهة إلى الداخل مطلوبة في كل وقت، وهي الآن ضرورة ملحة أكثر من أي وقت آخر.

كان مصطفى كمال أتاتورك قد رفع في بداية تأسيس الجمهورية التركية شعار «سلام في الداخل وسلام في الخارج»، معتبرا أن ذلك مدخل ضروري لمرحلة التأسيس. وقد قدم فيها سلام الداخل على سلام الخارج، معتبرا أن إنجازه في الداخل يؤمن بالضرورة السلام في الخارج. وأخشى أن يكون الأمر معكوسا في مصر، حيث تعطى الأولوية لسلام الخارج بينما يظل سلام الداخل مرحلا إلى أجل غير معلوم، آية ذلك مثلا أن وزارة التربية والتعليم أصدرت بيانا تحدث عن التعديلات في مناهج التعليم لخصته صحيفة «المصري اليوم» ونشرته على الصفحة الأولى يوم 26/10 الحالي تحت العنوان التالي: السلام بدلا من «ثقافة الصراع» في كتب الدراسات الاجتماعية. وفيه إشارة إلى أنه تم التطرق إلى ذلك المعنى في صياغة الجزء الخاص بالصراع العربي الإسرائيلي في أحد الكتب المقررة للصف الثالث الإعدادي. ورغم أن الاحتلال لا يزال مستمرا كما أن الصراع لم توضع نهاية له بعد، إلا أن الوزارة في تعديلها للمنهج استبقت ورفعت المصطلح، واعتنت بالحديث عن ثقافة السلام في الخارج، ولم تشر في السياق إلى سلام الداخل.

ما سبق يسوغ لي أن نقول إن توصيف الوضع الراهن في مصر يمكن أن يختزله شعار «سلام في الخارج وصراع في الداخل». يؤيد ذلك تعدد قرائن العناية بسلام الخارج مع استمرار الاحتقان والانقسام في المجتمع، وهو الذي مر بأربع مراحل تعاقبت منذ شهر يونيو عام 2013، في البدء كان الصراع مع الإخوان، الذي اتسعت دائرته في وقت لاحق بحيث تطور الاشتباك مع مختلف فصائل الإسلام السياسي. وفي حين وقف ائتلاف 30 يونيو في المربع المعاكس، فإن عقد ذلك الائتلاف انفرط بمضي الوقت بحيث توزعت عناصره بين موالين للنظام ومستقلين عنه أو معارضين له، واصطف الآخرون مع القوى المدنية الوطنية التي استهجنت موقف السلطة إزاء الحريات العامة، وعارضوا انتهاكاتها للدستور والقانون ومبادئ حقوق الإنسان، وإذ ظل ذلك الحراك يتفاعل في محيط الطبقة السياسية باختلاف أطيافها، فإن الأمر اختلف خلال الأشهر الأخيرة، ذلك أن الغلاء الفاحش الذي قصم ظهور الملايين وسع من دائرة السخط والغضب، بحيث تجاوز الطبقة السياسية والقوى المدنية، ووصل إلى عموم الشارع المصري على النحو الذي نلمسه هذه الأيام. وتلك هي المرحلة الرابعة من الاحتقان والانقسام.

إزاء ذلك اكتسبت الدعوة إلى احتواء تلك الصراعات صراعات أهمية خاصة في الوقت الراهن، وصارت الحاجة إلى سلام الداخل استحقاقا عاجلا. أما كيف يتحقق ذلك، فالموضوع يستحق حوارا مطولا ومفصلا؛ ولذلك تمنيت أن يتسع صدر السلطة لعقد مؤتمر وطني تمثل فيه مختلف القوى المدنية، تطرح فيه المسألة بصراحة وشجاعة. والشرط الأساسي لنجاحه أن ترفع عنه يد الأمن لكي يتسع للمعارضين والمستقلين إلى جانب المؤيدين، وليته يتجنب العيب الأساسي الذي شاب مؤتمر الشباب، الذي دعت إليه الرئاسة وصممته الأجهزة الأمنية، بحيث شارك فيه المرضى عنهم من الأنصار والمؤيدين دون غيرهم.

إذا جاز لي أن أستبق في تحرير الدعوة إلى سلام الداخل، فأزعم أنه لا سبيل إلى تحقيقه طالما استمر موت السياسة واختل ميزان العدل، وطالما غابت المصالحة الوطنية، ولم ترفع القيود المفروضة على الحريات، ولم يطلق سراح المسجونين ويوقف التعذيب والاختفاء القسري. ثم إنه لا بديل عن وقف عسكرة المجتمع مع السعي الجاد لاستعادة أمل الدولة المدنية والديمقراطية. وتلك عناوين سريعة لا شك أن الحوار الوطني المنشود سينضجها على نحو أفضل وأشمل.

الشروق المصرية
1
التعليقات (1)
محمد الدمرداش
السبت، 29-10-2016 01:21 م
بداية و نهاية ................... البداية رحم الله الدكتور جمال حمدان الذى اغتيل غيلة على يد أجهزة أمنية و أدرج الأمر في هزلية ضد مجهول لأنه وصف شخصية مصر بدقة و واقعية و لخصها في أن مصر يحكمها عسكر بصبغة أمنية يسعى إلى سلام مع الخارج و يقمع و يتحكم في الداخل و لا يحكمه كما جرت الأعراف في الدول . و نهاية هل يترك المغتصب السالب لكل خيرات المنهوب ما أستحوذ عليه بنداء أو دعوة ؟ عجبي على رأى صلاح جاهين رحمه الله أيضاً