مقابلات

"عربي21" تحاور منسق رابطة أسر المختفين قسريا بمصر

بدأت رحلة متولي مع الملف بعد تعرض ابنه للاختفاء القسري - أرشيفية
بدأت رحلة متولي مع الملف بعد تعرض ابنه للاختفاء القسري - أرشيفية
في واحد من أكثر الملفات سرية وغموضا؛ يقبع ملف الاختفاء القسري في مصر في دهاليز وزارة الداخلية، وسط إنكار تام لوجود أي مختفين قسريا في السجون، في ما يُعتبر محاولة لتخويف من يعارض النظام العسكري أو للضغط على أسرهم.

أحد هؤلاء الذين حاولوا فك طلاسم هذا الملف، هو المحامي والناشط الحقوقي ومنسق رابطة أسر المختفين قسريا، إبراهيم متولي، الذي بدأ رحلته مع اختفاء نجله عمرو، الطالب بالسنة الأخيرة بكلية الهندسة.

وأكد متولي، في حوار مع "عربي21"، أن "عالم الاختفاء القسري لا يشعر بمرارته ولا قسوته إلا من عايشه، بتفاصيله المرعبة والمخيفة، والمذلة والمهينة على مر الشهور والأيام والساعات".

وفيما يلي نص الحوار:

قصتي مع الاختفاء القسري

* كيف بدأت قصتك مع قضية الاختفاء القسري في مصر؟

- قصتي مع الاختفاء القسري بدأت مع اختفاء ابني الطالب بكلية الهندسة السنة النهائية، في 8 تموز/ يوليو 2013، وكنا ننتظر تخرجه من الجامعة، وبدل أن يعم الفرح الجميع، أصابنا الغم والحزن منذ ذلك الوقت.

لم أكن أعرف أو أتصور أن الإخفاء القسري موجود إلا منذ ذلك التاريخ، فلم تكن هناك حالات شائعة أو معروفة، بل كانت غالبيتها مهملة، لا يلقي الإعلام أو الصحافة الضوء عليها، ثم تزايدت بشكل مطرد.

ومع استشراء حالات الاختفاء، بالتزامن مع موجات الفض في ميادين مصر، وحالات الاعتقال والمطاردة، كثرت قصص الاختفاء، وبدأت الأسر في رحلة البحث والمعاناة. ولما كانت قصتنا واحدة، بدأنا في تكوين رابطة أسر المختفين قسريا، وتنظيم الجهود في البحث في السجون والنيابات.

* ما هي أعداد المختفين وفق تقديرات الرابطة والمنظمات الحقوقية؟

- الأعداد لا يمكن لأي جهة تحديدها سوى وزارة الداخلية، التي قامت باعتقالهم بشكل غير قانوني، ولم تسجلهم رسميا في كشوفها، يضاف إلى ذلك وجود صعوبات في الإبلاغ، وفي بعض الأحيان الخوف من الإبلاغ، ولكن بعض المنظمات قدرت الأعداد بما يزيد عن 3500 حالة، معظمها ظهر على خلفية قضايا ملفقة.

أما فيما يتعلق بالذين لم يظهروا حتى اللحظة، فيتراوح عددهم بأكثر من 500 حالة. على الجانب الرسمي، يتحدث المجلس القومي لحقوق الإنسان عن الأعداد التي خاطب بها وزارة الداخلية، وهي لا تتجاوز بضع مئات، ويزعم أن الوزارة أجلت أماكن معظمهم.

وسياسة الاختفاء القسري موجودة في مصر، كأحد أدوات الأمن منذ عقود، ولكنها كانت تمارس بشكل محدود، وبحق شخصيات محددة، ومعروفة، ولكن في أعقاب أحداث 3 تموز/ يوليو 2013، تزايدت بشكل متسارع، وبلغت ذروتها في 2015، وتحولت من ظاهرة إلى عمل ممنهج.

* لماذا تمارس الداخلية الإخفاء القسري بحق مواطنين عاديين؟

- سؤال وجيه، بالرغم من أن معظم المختفين غير معروفين أو مشهورين، أو يمثلون خطرا محدقا على الدولة. فهم يتم القبض عليهم وتعذيبهم؛ للاعتراف بارتكاب جرائم لم يرتكبوها، ليس لها فاعل، أو فاعلها معروف لدى الأمن ولا يريدون إظهاره. فلذلك يُحتفظ بهذا النوع من المختفين في مقرات وأماكن احتجاز دون تسجيل أسمائهم.

العديد من هؤلاء ظهروا على ذمة قضايا وقعت خلال فترة احتجازهم وإخفائهم، وهو ما يفند ادعاءات التقارير الأمنية، بأنهم هم من ارتكبوها. الشيء الآخر، أن قوات الأمن تلجأ لتلك الوسيلة من أجل بث الرعب والخوف في نفوس الناس، وخاصة الشباب.

تجريم الضحايا وتبرئة الجناة

* على المستوى الرسمي.. كيف تقيم دور المجلس القومي لحقوق الإنسان؟

- المجلس يمثل النظام، ولا يمثل أسر المختفين قسريا، وعندما يتعامل مع قضيتهم يضع في اعتباره أنه يتعامل مع قضايا غير مرغوب فيها، وبشيء من الحذر والحيطة، وربما الكتمان، ويعتمد بشكل كبير، بل أساسي، على التقارير الأمنية، ويتم تصوير الضحايا على أنهم مجرمون.

* هل يُعتمد على التقارير الأمنية أم التقارير الحقوقية؟

- الأصل أن المجلس القومي لحقوق الإنسان يوازن بين التقارير الحكومية والأخرى الحقوقية، ويبحث الحالة بحثا مهنيا مستقلا، ولكنه يتعامل مع رواية الدولة وكأنها الرواية الرسمية فقط، وهي التي ترده من قطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية.

* ما هو دور المنظمات الحقوقية؟ وما حقيقة ما تتعرض له من ضغوط؟

- مارست الكثير من المنظمات دورها المنوط بها، في مناصرة أهالي المختفين قسريا، ونالت قسطا كبيرا من المتاعب بسبب مشاركتها في النبش عن الحقائق، في نظام يمارس كل أصناف الإنكار والتنصل. غالبية المنظمات التي تناولت ملف الاختفاء القسري تم الضغط عليها، والتعامل معها بشكل أمني سيء، مثل النديم والتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، وغلق مقراتها أو اعتقال أعضائها.

* كيف تتعامل الأسرة مع حادث الاختفاء القسري؟

- هناك أسر لا تقوم بالإبلاغ خوفا من ضغوط وبطش الأمن، وهناك أسر لا ترى قيمة لبلاغاتها ضد الداخلية، والبعض الأخير يسير في مساره الطبيعي، بإبلاغ النيابة والداخلية، وتقديم شكاوى للنائب العام، والمجلس القومي لحقوق الإنسان. وعلى المستوى غير الرسمي، تتواصل مع رابطة أسر المختفين قسريا، والمنظمات الحقوقية. والمؤسف أن بعض الحالات تتنتهي بشكل مأساوي، مثل حالة الطالب أحمد مدحت، التي انتهت بالقتل، والأسباب جاهزة وواهية، محاولة الفرار، اقتحام كمين، الانتحار داخل مقر الاحتجاز... الخ.

نوم العدالة ويقظة القمع

* على المستوى الرسمي.. كيف يتفاعل القضاء والداخلية مع قضيتكم؟

- القضاء الجنائي والنيابة العامة لا ينظران بالمرة إلى شكوى الاختفاء القسري، والذين يعرضون على النيابة العامة، بعد الاختفاء، لا يتم تسجيل ذلك لديها، بالرغم من وجود شكاوى سابقة تفيد بإخفائهم. النائب العام لم يتخد أي إجراء جدي، بالرغم من مخاطبته أكثر من مرة، ومطالبته بفتح تحقيق مجمع وعمل سجل موحد للاختفاء القسري، وأن يتم تعيين فريق بمكتب النائب يشرف عليه شخصيا.

الداخلية تمارس دور الحكم والخصم في آن واحد.. كيف تحقق في ملابسات الاختفاء القسري؟ وما هي الجهة المتهمة بارتكاب الجريمة؟ فعندما يتقدم الأهالي بشكاوى لوزارة الداخلية، تحال الشكوى لما يسمى مكتب حقوق الإنسان بالوزارة، والذي يرد بدوره بأنه لا توجد حالات اختفاء قسري.

* ماذا يريد الأمن من مختف لمدة ثلاث سنوات؟

- الأمن يريد أن يخفي جريمته، وأن يتملص منها، ولدينا قناعات بأن لدى أجهزة الأمن عشرات المختفين قسريا، فهناك شهود ممن شاهدوا لحظات القبض على بعضهم، وشهود آخرون داخل أماكن ومقرات الاحتجاز، أبلغونا بوجود بعضهم، وننتظر ظهورهم في أي وقت..

* أين هي أماكن الاحتجاز؟

- كثيرة، أشهرها مقرات الأمن الوطني، ومراكز الشرطة، ومديريات الأمن. وبعد ذلك هناك أماكن سرية، مثل سجن العازولي سيء السمعة بالإسماعيلية. وهناك حالات اختفاء قسري خرجت من العازولي، وتكشف السلطات من حين لآخر عن بعضهم.

* هل يمكنك وصف لنا معاناة أسر المختفين قسريا؟

- المحبوس أو المعتقل يمكن زيارته، والاطمئنان عليه، ورؤيته، أما المختفي، من يراه ويسمع به، ويشعر به، ويعرف بحاله، ويطلع على أموره؟ لا أحد. حي أم ميت؟ معافى أم سقيم؟ لا أحد يعرف. باختصار لا يمكن وصف معاناة أهالي المختفين قسريا لا بالكلمات ولا بأي شيء آخر.

هناك بعض الأسر لديها أكثر من مختف قسريا.. فهناك الشقيق وشقيقه، والأب وابنه، والفتاة وأخوها.. الرابطة تجمع عشرات القصص لحالات اختفى معيلها، ووحيدها، وغيرها من القصص المروعة.

الكيل بمكيالين

* ما هو دور الإعلام والصحافة في قضيتكم؟

- هناك الإعلام الموالي للنظام، ويبرر الجريمة أو ينفيها بالمرة، وهو شريك فيها، وهو إعلام السلطة، والإعلام القومي، وإعلام النفاق والرياء. وهناك الإعلام الآخر، الذي يمارس دوره، ويتعامل مع القضية باعتبارها قضية إنسانية، وجريمة في حق المواطنين، ويتعاطى مع الواقعة بشكل عملي، بالبحث والتقصي، واللقاءات، ونشر التقارير الحقوقية.

* ما هو تقييمك لدور المنظمات الدولية؟

- غالبية تلك المنظمات تتواصل مع الأهالي بشكل جيد، وتتناول حالات اختفاء قسري، ونتمنى أن تسلط الضوء على حالات أكثر، ولكن النظام لا يستجيب لضغوط تلك المنظمات، ولا يقر بجريمته.

* هل تتهم الدول الغربية بالكيل بمكيالين في الملف الحقوقي؟

- هذه الدول متورطة في جريمة الاختفاء القسري، خاصة عندما تخالف قوانينها، وتمد النظام بالأسلحة، والمساعدات والأموال، رغم مخالفته لكل الاشتراطات، ومعايير حقوق الإنسان والحريات.

في الختام، أقول إن جريمة الإخفاء القسري لا تهم أهالي المختفين قسريا، إنما تهم المجتمع ككل، والتفريط في حقوق وحريات المواطنين.. هو إذعان لبطش الأمن وإرهابه. وأطالب منظمات المجتمع المدني والإعلام بتبني القضية؛ لحث النظام على وقف الممارسات.
التعليقات (0)

خبر عاجل