مدونات

من يمسك خيوط اللعبة؟

العبادي - أ ف ب
العبادي - أ ف ب


كفل الدستورُ العراقي حقَّ التظاهر، كما نصّت عليه الكثيرُ من دساتير البلدان المتحضرة، إنْ كانت أهدافُه واضحة، ومطالبُه قانونية، ولا تخالف العُرفَ وتقاليدَ التظاهر.

فمن قبل وقفتْ حكومةُ بغدادَ موقفا متشددا من المظاهرات في محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين، وعُدَّتْ فقاعة يجب إنهاؤها، بعد أن نجح رئيسُ الوزراء السابق نوري المالكي في إنهاء المظاهراتِ بشكلٍ دمويّ، وشرّد وهجّر من وقفوا في ساحاتها، علما بأنّ الحَرَاكَ السنيَّ كان حضاريا لم يعتد على مؤسسات الدولةِ وهيبتِها.

منذ أوائل شهر تموز 2015 كان هناك نوع آخر من المظاهرات، صفتُها العامةُ شموليتُها لطوائف العراق، وشبابها الراغب في الإصلاح، ليركبَ الموجةَ منْ رَكِبها، فابتلعت بعضَهم وتمكن آخرون من توجيهها فكريا وسياسيا.

حاول العبادي -على عكس سلفه- استرضاءَ المتظاهرين بوعودٍ ربما كانت كمواعيد عرقوب، لكنه نجح حتى حين في امتصاص نقمةِ الشباب وإيهامِهم بأنهم على الطريق الصحيح لإصلاح البيت الخَرِب، الذي يحاولون عبثاً إسنادَ أعمدتِه المهترئة من الانهيار على رؤوس الجميع.

البرلمان العراقي حتى أواخر شهر نيسان/أبريل كان في منأىً عن نقمة المتظاهرين؛ لكون الحكومة التنفيذية هي المعنيّةُ بالإصلاح، لكنْ وعلى حين غرّة، تمَّ توجيهُ دفةِ المظاهرات نحو البرلمان، لينقسمَ ممثلو الشعب إلى من يمثل الحكومة، ومن يعارضها ويريد إسقاطها.

الولاياتُ المتحدة تراقب عن كثب، تُظهر مساندتَها للعبادي والجبوري، وتصمتُ بخبث إزاء المتظاهرين بحجة الحريةِ والديمقراطية، حتى جاءت اللحظةُ الحاسمةُ ودون أيِّما اهتمام بنتائج القرار، ليتوجَّه المتظاهرون نحو البرلمان واقتحامِه، ليعيثوا فيه تكسيرا وضربا ونهبا، قُدّرتْ خسائرُه ب 69 مليون دولار حسبما أكده مصدرٌ برلماني.

إيران مازالت تقف موقفَ المتفرج، في محاولة منها لتمزيق البقية الباقية من حكومة العراق، واكتفاء وزير خارجيتها بدعوة الأطراف السياسية للتهدئة والتفاهمِ السياسي، بعد زيارة الصدر المفاجئة لطهران، خصوصا أنّ ما يجري هو حَراكٌ شيعيّ في وجه حكومة شيعية، وفق تأكيداتِ السفير الأمريكي في سوريا، الذي عدَّ حادثةَ اقتحامِ البرلمان قد تؤدي دوراً في إشعال صراع مسلح بين الجماعات الشيعية.

عضو المجلس الإسلامي الأعلى فادي الشمري، عدَّ في تصريح خاصّ أنّ ما حصل من اعتداء على ممتلكات الدولةِ وهيبتِها، هو محاولةٌ لليّ الذراع، وفرْضِ رؤى جهة حزبية داخل الأروقة السياسية، ليعدَّ التحالفُ الكردستاني ذلك نتيجة لسببين، أولهُما ضعفُ السلطة التنفيذية والثاني عدمُ التفاهم فيما بين الكتل الشيعية.

تجاهل السياسيين لمطالب الشعب أدى لاقتحام المتظاهرين مجلسَ النواب، التي من الممكن أن تتوسع لبقية المحافظات، حسبما أكده المحللُ السياسي مناف الموسوي في تصريح خاصّ، واصفا ما حصل بأنّه صراعٌ بين الزعامات السياسية. 

البعض ادّعى أنّ المتظاهرين لم يسيئوا لأحد ولم تمسّ أيديهم أيّا من ممتلكات الدولة، بينما توثّق الصورةُ حجمَ الخراب الذي لحق بالمبنى، إضافة للاعتداءات بحق عدد من النواب بعد هَرَبِ معظمِهم. 

ما الذي تخفيه الأيامُ للشعب العراقيّ الذي أنهكته مشاكلُ التهجير والانهيار الاقتصادي بعد تعقّدِ اللعبة وتعدّدِ اللاعبين، حتى بات الهرَبُ حلَّ الكثيرين؟

انسحب المتظاهرون وهم في غمرة فرحِهم، ظنّا منهم أنهم أنجزوا ما لم ينجزه غيرهم، فهل نجح أنصارُ التيار الصدري ومن خلفهم المالكي وزبانيته في ضرب العبادي والمؤسسة التشريعية؟

*إعلامي وباحث عراقي
0
التعليقات (0)