كتاب عربي 21

الشارع لنا

شريف أيمن
1300x600
1300x600
لم يتصور أحد أن يوم الخامس عشر من أبريل 2016 سيكون يوم تدحرج كرة النار والغضب، ويوم انكسار الطوق الأمني الذي كبّل البلد، وأنه يوم التقاء الفرقاء بعد سنين على هتاف واحد ومطلب واحد، لاستعادة الأرض والكرامة والديمقراطية المهدرة، ثم جاء الأمس "25 إبريل" ليؤكد ذلك رغم التضييق الشديد والاعتقالات الواسعة.

قُبيل الخامس والعشرين من أبريل، نشرت جريدة الشروق المصرية خبرا مفاده، أن السيسي اجتمع بقيادات أمنية وأبلغهم رفضه تكرار ما حدث في تظاهرة نقابة الصحفيين، ثم كذّبت الرئاسةُ الخبرَ في اليوم التالي، وكذّبت قواتُ الأمنِ التكذيبَ الرئاسي في مساء اليوم ذاته بحملة اعتقالات طائشة طالت المقاهي والشوارع والمنازل، فلم يتركوا مكانا آمنا لأحد، ولم يتركوا بالمقابل لنا مجالا للتراجع.

شراسة الحملة الأمنية مهدّت للعازمين على الاحتجاج العنفَ الأمني الذي لاقوه بالأمس حتى بلغت أعداد المعتقلين فيه 239 معتقلا بحسب جبهة الدفاع عن متظاهري مصر، بخلاف عشرات آخرين على مدار الأيام السابقة له.

ما لوحظ في تظاهرات الأمس عدة أمور:

أولها أن الغضب من جماعة الحكم بلغ مدى غير مسبوق، وتفجّر مع الامتهان المرافق للتنازل عن جزر ارتقى لأجل استعادتها مصريون، وترَكها أنصار ألوهية الدولة والسيادة والقومية مقابل حفنة أموال وساعة يد، وما أبخسه من ثمن لأرض مستردة بالدم، وتُشرِف على مكان هام مع العدو الأول والأخير لهذه الدولة وكل الأمة.

ثانيها أن إمكانيةَ التفاعل بين القوى المختلفة على أرضية مشتركة ممكنٌ، وأن التخوفات الموجودة لدى كل الأطراف تمكن إزالتها بشرط توفر النية بالأساس، وابتعاد القيادات التاريخية عن القرار، وأثَر ذلك في محدودية رفع الشعارات غير المتفق عليها، واحتواء أي تجاوز يصدر بهدوء، وأيضا قبول العقلاء داخل التنظيم السياسي الأكبر "الإخوان المسلمين" المشاركة دون رفع صور الرئيس الأسبق، وهو يعني إمكانية قبول الإخوان الحل دون وضع شرط عائق كعودته للرئاسة، خاصة مع قرب انتهاء مدته القانونية التي كان يُفترض إتمامها.

ثالثها أن العصب الأساسي للتظاهرات لا يزال الشباب، بدءا من شباب أنار الطريق منذ خمس سنوات في يناير، والآن يخرج شباب أحدث سنا منهم، تربوا على الحرية وظلوا في الشوارع منذ ثلاث سنوات يطالبون بحريتهم وكرامتهم، وربما كانوا وقت الثورة يلعبون في الشوارع، لكنهم الآن يقودونها.

رابعها أن النزول رغم الطوق الأمني العنيف كسر ما كان مستقرا في الوجدان بأن عدم النزول للشارع بعد ستة أشهر تقريبا من الانقلاب العسكري لم يكن مرهونا بالخوف، بقدر ما هو مرهون بنتيجة التضحيات ومدى استحقاقها للتضحية، ولو رجع شعور عدم جدوى الحراك "بسوء التنظيم" فسيتأخر التغيير مرة أطول، فالاهتمام بتصور شكل الحراك ومآلاته وما بعد التغيير ليس رفاهية.

خامسها أن ممارسات الدولة نبهتنا إلى خطورة القاهرة ومركزيتها في الحراك، فلم تسمح بأي تجمع بها وقابلته بالفض والاعتقال حتى لا تلتقي المسيرات، ولا تجتمع القوى على بعضها، بخلاف هدوئها "النسبي" في الأقاليم، فهم يدركون أن الثورة مركزها القاهرة، والثقل الإعلامي بها، والنظر الدولي لها، فلو امتلأت شوارعها سيكون التغيير حتميا وقريبا.

سادسها وهو أخزى الأمور، إذ قام أنصار حامي الديار والسيادة برفع أعلام دولة أخرى وهتفوا "تيران سعودية رغم أنف المصراوية"، وهذا يحدث في حماية قوات الداخلية التي تعتقل بالمقابل من يتمسك بمصريّة الأرض، والمفارقة أن المعتقلين يقال عنهم خونة، والمفرطين في الأرض يقال عنهم وطنيون، ومشهد رفع العلم السعودي ليس عابرا؛ لحدوثه في أكثر من تجمع، وأمثال هؤلاء لا ينتبهون لتلك التفاصيل الصغيرة بل يُنبّهون لها، فيبدو أن هناك من روّج لذلك من أطراف "الدولة الوطنية"، أما الذين يقفون على الجهة المقابلة لا يرفعون سوى أعلام بلدهم أو علم فلسطين قِبلة الحرية في بلادنا.

أكثر ما نخشاه في أزمة الجزر تحديدا، أن تتم عملية التنازل بشكل كامل، لنجد أنفسنا بعد زوال هذا الحكم في عداوة مع دولة عربية، ويقينا سيزول حكمه وحكمهم، وما سيبقى عداوات الشعوب أو تآخيهم.

النتيجة النهائية لليوم صَوّرت لما يسمى بالنظام أنهم قمعوا الاحتجاج، وهو أمر معناه لدى أصحاب العقلية الأمنية الانتصار، ونتيجته لدى أصحاب قضية النضال ديْن في الأعناق لرفاقهم وإخوانهم الذين ضحوا بحريتهم أو أرواحهم لأجل نفس القضية، وهو ما بدا من كثرة التظاهرات رغم الاعتقال والتضييق، والكل -سواء في معسكر الثورة أو معسكر كارهيها- يعلم أن اليوم ليس الأخير في تدحرج كرة النار والغضب، وأنه نجاح آخر في خلخلة بطش السلطة واستبدادها.

بحق كل أم انكسرت لفقْد ونيسها، وبحق كل زوجة انحنى ظهرها لبُعد خليلها، وبحق كل طفل غابت فرحته، وبحق قهر كل رجل كسره العجز أمام ابنه أو ابنته أو زوجته، لن نخرج من الشوارع حتى ننتصر أو تخرج منا الروح.
0
التعليقات (0)