مقابلات

خبير اقتصادي: رؤوس المال شركاء في صنع القرار الفلسطيني

عبد الحق: السلطة الفلسطينية لم تدرك أنها لا يمكن أن تشكل كيانا اقتصاديا- عربي21
عبد الحق: السلطة الفلسطينية لم تدرك أنها لا يمكن أن تشكل كيانا اقتصاديا- عربي21
"اقتصاد هش".. وصف يطلقه مختصون على الاقتصاد الفلسطيني الذي في ظله ترتفع نسب البطالة، والاستيراد، والاعتماد على المعونات والقروض.

ويرى الدكتور الخبير والمحلل الاقتصادي الفلسطيني، يوسف عبد الحق، أن الاقتصاد الفلسطيني لم يشهد تطورا منذ سنوات طويلة، ويستشهد حول ذلك بأرقام، "فالناتج المحلي الإجمالي في فلسطين يعاني من تناقص منذ ثلاث سنوات، والآن لا يتجاوز دخل الفرد الواحد ألفا و700 دولار في السنة".

وقال عبد الحق في حوار خاص مع "عربي21"، إن البطالة لا تقل نسبتها عن 35 بالمئة، لافتا إلى أن الإحصاءات المركزية الحكومية للسلطة الفلسطينية؛ تضعها في حدود الـ30 بالمئة، "لكنهم عمليا لا يحتسبون من يوقف بحثه عن عمل؛ لأن الباحث عن عمل يصيبه اليأس بعد عام من البحث بلا فائدة، وهؤلاء وفقا لقانون العمالة في الأمم المتحدة لا يحسبون من البطالة، لكنهم -وفق الواقع- جزء من البطالة".

وأضاف أنه "بمقارنة مئوية؛ قد تصل البطالة في قطاع غزة إلى 60 أو 70 بالمئة"، متوقعا أن يرتفع متوسط نسبة البطالة في الضفة وغزة إلى حدود الـ50 بالمئة، بينما كانت نسبتها قبل خمس سنوات في حدود الـ25 بالمئة في الضفة، و80 بالمئة في قطاع غزة.

أما الاستثمار؛ فيبيّن عبد الحق أنه لم يشهد أي تغير في نمطه، "فهو إما متركز على المشاريع سريعة الريع؛ مثل الصفقات التجارية، أو على المشاريع الفندقية التي ضعفت مؤخرا، واتجه كل الاستثمار إلى العقار"، مشيرا إلى أن "مجمل استثمارات العقار لا يقل عن 60 بالمئة من استثمارات الضفة الغربية تحديدا، وهي تنتج، إلا أنها لا تشغل أيدي عاملة".

وحول التجارة الخارجية؛ أوضح الخبير الاقتصادي أن "الواردات انخفضت، وفي المقابل انخفضت الصادرات بنسبة أكبر، وبالتالي بقي العجز، الذي يزداد يوما بعد يوم في الميزان التجاري".

وقال: "هناك مؤشر هام، وهو أن رؤوس الأموال الضخمة في الشركات الكبيرة لم تتغير أرباحها، وهذا يعني أن الفروق الطبقية تزداد بشكل فاحش، وخاصة في ظل ارتفاع الأسعار".

وأشار إلى أن ارتفاع الأسعار ما زال في حدود 2 بالمئة، مع أن النفط انخفض بشكل كبير من 120 مليون دولار إلى 30 مليون دولار، ومع ذلك فإن الأسعار لم تنخفض.

وأضاف أن "هذه المؤشرات؛ تشير إلى أن الوضع الاقتصادي الفلسطيني في تدهور، وخاصة إذا أضفت إليها موازنة الحكومة، التي تصل ديونها إلى أكثر من خمسة مليارات دولار، بينما الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة يصل إلى حوالي سبعة مليارات ونصف المليار.
 
رؤوس الأموال والقرار السياسي

وفي ظل هذا الوضع الاقتصادي "الضعيف"؛ يرى الخبير الاقتصادي عبد الحق أن البنوك ورؤوس الأموال الكبيرة؛ أصبحت شريكة في صنع القرار السياسي.

وقال إن "رأس المال المحلي هو صاحب قرار، والمشاركة بين رأس المال المحلي وبين السلطة الحاكمة؛ يدفع رأس المال المحلي إلى عدم التنازل عن المشاركة في القرار".

وأوضح أن الديون التي تعاني منها السلطة نوعان: محلية؛ استدانتها السلطة من البنوك الفلسطينية، وخارجية، استدانتها من مؤسسات وبنوك ودول أخرى، وتعد قروضا سهلة، وفوائدها أقل من السوق التجاري.

وأضاف عبد الحق أن السلطة الفلسطينية استدانت في فترة ما حوالي 500 مليون دولار من بنوك خارج فلسطين، لكن تبقى نسبتها ضعيفة، مقارنة بالقروض المحلية التي استدانتها السلطة من البنوك الفلسطينية بفوائد تجارية، مشيرا إلى أن "السلطة ليست مرهونة لهذه البنوك بمعنى الرهن، ولكنها ملزمة بتوفير سداد هذه القروض، ولم يعد بإمكانها أن تقترض من البنوك المحلية قبل أن تسد هذا الحجم".

وقال: "أضف إلى ما سبق؛ ديون السلطة من قطاع المقاولات، حيث تصل هذه الديون إلى أكثر من 600 مليون دولار، دُفع جزء منها قبل حوالي أربعة أشهر".

حلول مقترحة


وحول مقترحاته للخروج من الأزمة الاقتصادية الفلسطينية؛ أكد عبد الحق أنه "رغم هذه التحديات؛ فإن أصحاب القرار لم يعيدوا النظر في النهج الاقتصادي، ولم يسعوا إلى إيجاد علاج جذري".

وأشار إلى أن الاقتصاد العربي في الدول غير النفطية؛ يعاني من أزمات اقتصادية، "فالأمر لا يقتصر على فلسطين؛ لأن سياسة هذه الدول كانت قائمة على اقتصاد السوق الحر".

واستدرك بالقول إن "المشكلة في فلسطين مزدوجة، فهناك الاستغلال وقهر الاحتلال من جهة، ومن جهة أخرى، قهر رأس المال الفلسطيني بموجب سياسة الاقتصاد الحر، وتحكم رأس المال المحلي في السياسات الاقتصادية ورأس المال الكبير".

وأضاف أن "الذي أراه أن قهر رأس المال الفلسطيني؛ أقسى من قهر الاحتلال الاقتصادي".

وقال إن من الحلول الممكنة؛ اللجوء إلى السياسة الضريبية، مستدركا بأنه "للأسف؛ الضريبة واحدة، سواء لمن راتبه ألف شيقل، أم حتى  10 آلاف شيقل".

وبيّن أنه يجب إعادة النظر في السياسة الضريبية جذريا؛ من خلال إعفاء أكبر لذوي الدخل المحدود، في مقابل تصعيد معدل الضريبة في الأرباح الباهظة، وهذا يحتاج إلى إلغاء كل الإجراءات السابقة بمنهج جديد، مشيرا إلى أهمية "زيادة قاعدة الضريبة، بمعنى زيادة المشاريع الإنتاجية، وعدم إهمال حتى تلك التي تكاد تكون دونما الصفر؛ كالمشاريع الزراعية".

وطالب عبد الحق بأن "تتفاهم القيادات السياسية والنخب الثقافية على الحد الأدنى من التواصل؛ لتصحيح المسار الفلسطيني، وهذا يحتاج إلى جهد كبير؛ لأن الساحة الفلسطينية تكاد تكون منقسمة سياسيا وثقافيا".

وختم الخبير الاقتصادي بالقول: "السلطة الفلسطينية لم تدرك أنها لا يمكن أن تشكل كيانا اقتصاديا؛ لأن كل شيء مرهون بالخنق الاقتصادي للاحتلال.. أرى أن الحل بتغيير الهيكلية الوظيفية للسلطة؛ لتصبح إدارة مدنية فلسطينية، ويتحمل الاحتلال التكلفة الاقتصادية".
التعليقات (0)