سياسة دولية

استجواب الزعيم المحبوب "لولا" يصيب البرازيليين بصدمة

لولا سيلفا (70) عاما - أ ف ب
لولا سيلفا (70) عاما - أ ف ب
بارتقاء ماسح أحذية صغير السن إلى رئاسة البرازيل، بات لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بطلا في عيون الملايين من مواطنيه وعنوانا للتغيير في أكبر دول أمريكا اللاتينية.

غير أن احتجازه واستجوابه، الجمعة، في إطار تحقيق في قضية فساد كبرى ربما يجعله رمزا لبرازيليين كثر وإن اختلف الأمر، قد يرون في ذلك نهاية لحصانة الرجل القوي في البلاد.

وقاد لولا الزعيم النقابي البالغ من العمر 70 عاما الذي حكم البرازيل بين 2003 و2010 نهضة الاقتصاد البرازيلي، ليلمع نجمها على المسرح الدولي. وانتشل لولا من الفقر أكثر من 40 مليون برازيلي، ومكنه ذلك من مساعدة خليفته الرئيسة الحالية ديلما روسيف.

لكن ذلك كله ذهب مع الريح مع انقضاض الركود على البرازيل ومعاناة روسيف لإنقاذ مستقبلها السياسي، وتحسر ملايين البرازيليين على فرصة ضائعة كانت كفيلة بأن تدخل بلادهم نادي الدول المتقدمة.

والآن يزعم محققون أن إدارة لولا أشرفت على مخطط محكم للرشاوى من خلال شركة بتروبراس النفطية المملوكة للدولة التي مولت حملات انتخابية، ليبقى حزب العمال الحاكم الذي ينتمي له لولا في السلطة طيلة 13 عاما.

وقال جيل كاستيلو برانكو مؤسس شركة كونتاس ألبرتا الحكومية للمحاسبة في العاصمة برازيليا "لم نكن لنتخيل أبدا أن يحدث هذا الآن في البرازيل. المجتمع المدني الآن مؤمن فعلا بحقبة جديدة... أقل فسادا وأقل إفلاتا من العقاب".

ولم توجه إلى لولا ،الجمعة، أي اتهامات وأطلق سراحه بعد استجوابه لثلاث ساعات من الشرطة.

لكن مدعين يقولون إن هناك دليلا دامغا على استخدام مال غير مشروع في تمويل حملات حزب العمال، وعلى حصول لولا على مدفوعات وخدمات من شركات مقابل عقود مع بتروبراس.

وينفي لولا ارتكاب أي مخالفة.

وبعد إطلاق سراحه ظهر لولا في مقر حزب العمال وعاد لأسلوبه الخطابي الرنان، الذي ميز صعوده كزعيم نقابي. ووصف الرجل احتجازه بأنه "استعراض إعلامي" وقال "إنه سيرفع رأسه عاليا" ليقاتل ما وصفه بأنها ملاحقة سياسية شريرة.

وقال لحشد من أنصاره ملأ قاعة في مقر الحزب: "اليوم يوم للغضب. إنه يوم لم تحترم فيه الديمقراطية... يوم الاستبداد، صباح اليوم... شعرت أني سجين سياسي".

 "تحقيق قد يغير البرازيل للأبد"

قال مدعون إن التحقيق بشأن الرشاوى لم يظهر أي دليل على مخالفة روسيف للقانون.

لكن الرئيسة التي تراجعت شعبيتها لأقل من عشرة بالمئة طيلة العام الماضي، تواجه بالفعل تحقيقا قضائيا يتعلق بتمويل حملة إعادة انتخابها في 2014 بالإضافة لإجراءات منفصلة لعزلها في الكونجرس تتعلق بقواعد وضع الموازنة.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي حين تصاعد التحقيق الخاص بشركة بتروبراس ليتم اعتقال أكثر من 20 مسؤولا قالت روسيف إن التحقيق قد "يغير البرازيل للأبد" ويجب تركه "ليشمل أي شخص مهما كان".

ولا شيء يمكن أن يضر الحزب الحاكم أكثر من إدانة جنائية للولا الذي ما يزال أهم رموزه.

ونجا لولا من فضائح فساد سابقة بينها اكتشاف مخطط ضخم لشراء الأصوات في الكونجرس عام 2005 وحينها كادت الأزمة تنهي فترة رئاسته الأولى.

وبعدها أطاحت الفضائح بمساعدين بارزين ومسؤولين في الحزب الحاكم. وشيئا فشيئا نالت الفضائح من حركة سياسية وصلت للسلطة في البرازيل بعد عقود من الكفاح ضد الصفوة المترسخة.

بل إن صعود لولا نفسه اعتبر قصة خيالية دفعت كثيرين لاعتباره وجها للبرازيل الحديثة.

عاش لولا طفولة فقيرة في شمال شرق البرازيل وانتقل في طفولته إلى الضواحي الصناعية لساو باولو، حيث عمل صبيا في مسح الأحذية وغسل الملابس، قبل أن يسلك مسارا مهنيا منحه وظيفة في مصنع سيارات.

وبفضل شخصيته القوية التي تملك جاذبية خاصة، ارتقى لولا في الحركة العمالية بالبرازيل التي قادت إضرابات هائلة ضد الديكتاتورية العسكرية، أدت لسقوطها في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. وجهر لولا بغضب الطبقة العاملة التي أثرت أكبر اقتصادات أمريكا اللاتينية حتى وهي تعاني التهميش.

ومع عودة البرازيل للديمقراطية ساعد لولا في تأسيس حزب العمال وانتخب عام 1986 لعضوية الكونجرس، بعدما نال أصواتا تفوق أي مرشح آخر. وترشح لولا للرئاسة ثلاث مرات دون نجاح حيث اعتبره غالبية المنتمين للطبقة الوسطى في البرازيل وما فوقها من المتعصبين بسبب مواقفه من النخبة الثرية.

وفي 2002 عدل طريقته فارتدى الملابس الرسمية وهذب لحيته ووعد باحترام الالتزامات المالية للبرازيل. وتزامن انتخابه مع بدء طفرة السلع الاستهلاكية التي استمرت لعشر سنوات كاملة وخلالها اشترت الصين من البرازيل الحديد الخام والنفط وفول الصويا وصادرات أخرى.

ورفع لولا الصادرات مرتفعة الثمن لتوسيع الرخاء وشجع البنوك العامة على الإقراض، وساهمت تلك السياسات في خلق ملايين الوظائف وخلق موجة استهلاكية. ورفع كذلك صورة البرازيل على المستوى العالمي؛ فعزز العلاقات الدبلوماسية مع دول متقدمة أخرى، وحصل للبرازيل على حق استضافة بطولات رياضية كبرى بينها نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2014 ودورة الألعاب الأولمبية المقبلة في ريو دي جانيرو في وقت لاحق هذا العام.

ولدى تركه للمنصب عام 2011 كانت شعبيته تفوق 80 بالمئة، وبها ضمن لروسيف الفوز في الانتخابات وهي المرشحة التي انتقاها بنفسه.

 جانب مظلم

لكن لم يمر وقت طويل حتى بدأ يظهر الجانب السيئ من إرث لولا. فطفرة السلع الاستهلاكية تراجعت ومعها تردى الاقتصاد البرازيلي، وتبين كيف أن البلاد لم تفعل الكثير لتنويع اقتصادها في أوقات الراحة. ومن معدل نمو اقتصادي بلغ 7.5 بالمئة في 2010 بدأ النمو الاقتصادي في التوقف.

وفي 2013 اندلعت اضطرابات في عموم البلاد مع احتجاج البرازيليين على كل شيء من تراجع مستوى الخدمات إلى الفساد والمليارات، التي أنفقت على استضافة البطولات الرياضية. وبعدها بقليل بدأت الشرطة تقتفي آثار الأموال المشكوك فيها في تحقيق أوصلها إلى بتروبراس ومسؤولين منتخبين.

كان هناك اعتقاد بأن لولا سيترشح للرئاسة مرة أخرى بعد انتهاء ولاية روسيف، لكنه الآن لا يحقق في استطلاعات الرأي أكثر مما يحققه سياسيون معارضون في التوقعات لانتخابات 2018.

أما من لا يزالون على دعمهم له فكان ما يحدث بمنزلة صدمة.

وقال كلاوديو دا سيلفا وهو عاطل في ساو باولو سارع بالتوجه إلى المطار الذي استجوب فيه لولا اليوم، لينضم إلى حشد من المتابعين "أشعر بغصة لرؤية ما يجري، لولا شخص أصوله متواضعة... صعد من القاع إلى القمة وترك إرثا من المكاسب الاجتماعية... ترك البرازيل في حالة أفضل".
التعليقات (0)

خبر عاجل