صحافة دولية

إيكونوميست: متى تنتهي بيروقراطية "أيوه سيدي" بعالم العرب؟

إيكونوميست: يعاني العالم العربي من البيروقراطية أكثر من أي مكان في العالم - أرشيفية
إيكونوميست: يعاني العالم العربي من البيروقراطية أكثر من أي مكان في العالم - أرشيفية
كتبت مجلة "إيكونوميست" عن البيروقراطية في العالم العربي، وضرورة تغيير الأجهزة الإدارية والرقابية فيها. وتحدثت عن ثقافة "أيوه سيدي" أو "حاضر سيدي".

ويشير التقرير في البداية إلى شخصية أحمد في فيلم "الإرهاب والكباب"، الذي حاول استكمال الأوراق الضرورية لنقل أبنائه إلى مدرسة جديدة، وهي مهمة ليست سهلة. ففي الوقت الذي يذهب فيه لمشاهدة المسؤول الذي يريده، يجد أنه مسافر في إجازة، وفي المرة التالية يجد أنه في المرحاض يقضي حاجته. وينتهي الأمر بأحمد المحبط إلى شجار، حيث يسحب سلاح أحد الحرس، ويأخذ عددا من الرهائن. وترى المجلة أن الأحداث التي صورها الفيلم أصبحت حقيقية.

وتذكر المجلة أن الأمثلة الحقيقية على مهزلة البيروقراطية في العالم العربي كثيرة، ففي العراق يصر موظف المكتب على أن يحتوي أي طلب على مكان ميلاد الأب والأم، دون اعتبار لمكان ميلاد الشخص المتقدم به، وهو ما يتسبب بمشكلات لا نهاية لها. فعندما أراد عراقي تغيير اسم ابنه، وهي عملية يسمح بها القانون، كان عليه أن يذهب إلى المحكمة 18 مرة. وهو محظوظ؛ لأنه لم يكن يريد فتح مصلحة/ شركة في مصر، حيث يحتاج الشخص للحصول على 78 توقيعا من مؤسسات مختلفة. مشيرة إلى أن الأمور سيئة لدرجة أن وزيرا مصريا قال مازحا بأنه يريد تفجير الخدمة المدنية بالديناميت.

ويلفت التقرير إلى أنه في الوقت الذي يشكو فيه سكان العالم من الرقابة والبيروقراطيين الذين يتعاملون مع الورق، فإن سكان العالم العربي لديهم الكثير من الشكاوى. فقد تعامل الديكتاتوريون وحكام دولة الحزب الواحد مع قطاع الخدمة المدنية، كأنه وكالة توظيف لأتباعهم والموالين لهم، أكثر من كونه مؤسسة لتقديم الخدمات.

وترى المجلة أن الآثار لذلك رهيبة، فتمويل هذا الجيش من موظفي المكاتب يأكل الميزانيات الوطنية، ويحرف الموظفين المهرة إلى القطاع الخاص، ويعوق النمو الاقتصادي.

ويبين التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أن بعض دول الخليج مثلا توظف أكثر من نصف المواطنين. ويعتقد البنك الدولي أن عدد البيروقراطيين في المنطقة أكثر من أي مكان في العالم. 

وتنقل المجلة عن المحاضرة في جامعة القاهرة هالة السعيد، قولها إن الكثير من الموظفين "لا يعملون أبدا". مبينة أن الترفيعات في هذا القطاع تخضع للعمر وللواسطة. ومن الصعب أن تنهي خدمة أحد حتى لو كان فاشلا في عمله. والغياب عن العمل مستشر؛ لأنه لا يوجد من يقوم بمراقبة أداء الموظفين وما يفعلون، بحسب ما يقول زياد علي من جامعة برنستون.

ويفيد التقرير بأن عدم كفاءة البيروقراطيين العرب تهم الكثير، فهي ليست متعلقة بمواطنين محبطين يحتاجون إليها. فثورات الربيع العربي عام 2011، التي أطاحت بأنظمة، كانت في جوهرها دعوة إلى تحسين الخدمات أكثر من البحث عن الديمقراطية، ولكن الحكومات التي حلت محل الديكتاتوريين كانت أقل كفاءة، وهو ما يثير مخاوف من اندلاع اضطرابات جديدة. والحاجة إلى التغيير والضعوط بهذا الاتجاه متزايدة. ويقوم العراقيون منذ أشهر بالاحتجاج ضد الفساد وغياب الخدمات الأساسية. وفي لبنان خرج السكان للشوارع مطالبين بجمع النفايات.

وتنوه المجلة إلى أن دولا أعلنت عددا من التغييرات، ففي مصر مرر قانون هذا العام يحتوي على إصلاحات معقولة، مثل الإعلان عن الوظيفة وفحص المتقدمين والمراجعة الدائمة للأداء، ويحاول العراق قلع شأفة الفساد في الجهاز البيروقراطي.

ويستدرك التقرير بأن قلة تعتقد بتحقق الإصلاحات، فقد احتج عمال الضريبة والنقابات ضد القانون الجديد. وفي العراق يقوم الساسة بوقف أي محاولة للتغيير. وفي لبنان انهارت محاولة في عام 2005 لتوظيف الأشخاص بناء على كفاءاتهم؛ لأن المشروع أثر على وضع توزيع الوظائف بين الطوائف اللبنانية.

وتورد المجلة أن المسؤول الاقتصادي في البنك الدولي المسؤول عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا شانتا ديفارجيان، يرى أن الدول يجب أن تبدأ الإصلاحات من القاع إلى القمة، وليس من فوق إلى تحت، حيث تجعل البيروقراطيين مسؤولين أمام المواطنين على المستوى المحلي. وأشار إلى تجربة ناجحة في غزة والضفة الغربية، حيث يقوم الآباء بتقييم أداء المدرسين.

وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى أن أي دولة تريد السير في اتجاه الإصلاح، فإن ذلك يعني أنها ستخسر أداة لتوزيع الوظائف على الموالين لها. ويقول ديفارجيان إن "العقد الاجتماعي القائم على تقديم الدولة التعليم والصحة مجانيا، ويكون فيه المواطنون فيه مجرد مستهلكين قانعين قد انكسر"، ولكن لم يحل محله نظام آخر، لا القطاع الخاص ولا وظائف أو حتى ديمقراطية.
التعليقات (0)