قضايا وآراء

عندما يتحول الميدان التربوي إلى بيئة طاردة للعاملين

أحمد الشيبة النعيمي
1300x600
1300x600
تصاعدت في الآونة الأخيرة ظاهرة استقالات المعلمين ، وأصبحت هذه الظاهرة حديث الصحافة المقروءة والمرئية. ومع تسليط الأضواء الإعلامية على الظاهرة إلا أن أصحاب القرار يتعاملون معها بقدر كبير من اللامبالاة، ويحاولون التهوين منها  ويكتفون بالحديث عن توفير آليات لسد الشواغر وتغطية الفراغ.

ومن خلال مطالعة تصريحات الجهات الرسمية وتفسيرها لهذه الظاهرة، يلحظ المراقب أن هناك محاولة للتهرب من الاعتراف بالأسباب الحقيقية للظاهرة، ففي حين يذيل المعلمون أسباب استقالاتهم بقرار زيادة الحصة وزيادة أعباء العمل، وكثرة التكليفات تحاول الجهات الرسيمية تفسير الاستقالات بالظروف الصحية والتقاعد والزواج ونحو ذلك.

إن تصاعد ظاهرة استقالات المعلمين يحمل الجهات الرسمية كامل المسؤولية للبحث الجاد عن أسباب تحول العمل في الميدان التعليمي إلى بيئة طاردة للمعلمين، ومراجعة القرارات التي صدرت من جهات فوقية، ولم تعتمد على دراسات علمية أو نقاشات مستفيضة مع أصحاب الشأن والمعنيين بالقرار واستشارتهم قبل اتخاذ القرار.

إن طبيعة القرار وتداعياته تعكس النتائج الكارثية لسياسة التعالي الفوقي في إصدار القرارات، وتهميش أصحاب الشأن والعاملين في الميدان المعنيين بالقرار.

وعندما يشعر المعلمون وهم أهم شريحة اجتماعية بالتهميش والإقصاء وانفراد أصحاب القرار بالقرار وغياب التشاركية، فإن النتيجة هي ما نشاهده اليوم من تصاعد حالات الاستقالات. والاستقالات هي في حقيقة الأمر ذروة التعبير الاحتجاجي السلمي المدني عن السياسات الخاطئة ....

وكلنا يدرك المكانة السامية التي يحتلها المعلمون في الدول المتقدمة وما ينالون من رواتب وحوافز قوية تساوي في بعض الدول مرتبات الوزارء، والمرتبات التي يتقاضاها الموظفون في الدرجات العليا للسلم الوظيفي.

إن اتجاه أصحاب القرار إلى معالجة نتائج الظاهرة من خلال محاولة سد المقاعد الشاغرة وتجاهل أسباب الظاهرة، يعكس حالة من التبلد الحكومي تجاه الأزمات والتعامل معها بالحلول المؤقتة، ولا شك أن مثل هذه السياسات تقف وراء تراجع التعليم العام الإماراتي، كما تؤكد ذلك تقارير التنمية البشرية. وسوف تتصاعد أزمة التعليم ما لم يتم تصحيح السياسات وإعادة الاعتبار للمعلمين وإشراكهم في عملية اتخاذ القرار، وتوفير الحوافز للعاملين في حقل التعليم؛ فالتعليم هو الرهان الحقيقي لصناعة الإنسان، وصناعة الإنسان هو الاستثمار الحقيقي الذي بغيابه تغيب كل معاني الاستثمارات الأخرى.
التعليقات (0)