كتاب عربي 21

أزمة اليونان كشفت عقم الديمقراطية

شهيد بولسين
1300x600
1300x600
تمثل الأزمة الحالية في اليونان أوضح دليل ممكن على أن الديمقراطية قد أصبحت بكاملها ممارسة عقيمة في عصر رأس المال العالمي. وتحتاج مجموعات المعارضة في جميع أنحاء العالم إلى معرفة وهذه الحقيقة والإقرار بها وإعادة معايرة استراتيجياتها للمقاومة، للاستجابة لديناميات القوة والسلطة الجديدة.

فعل حزب سيريزا كل شيء على النحو الصحيح. فقد تلاعب بالقواعد الرسمية للعملية السياسية. أعدوا حزبا سياسيا، وأطلقوا حملة على المنصة الشعبية، ما أدى إلى نمو قاعدة دعمهم، وشاركوا في الانتخابات، وفازوا بها. في لواقع فازوا بأغلبية ساحقة، الأمر الذي من شأنه (وفقا لقواعد السياسة الرسمية) إعطاء حزب سيريزا التفويض القوي لمتابعة أهدافه الاقتصادية والسياسية التي كانت السبب في فوزه الساحق.

بالإضافة إلى ذلك، فقد عقد سيريزا استفتاء تاريخيا على عرض الاتحاد الأوروبي بالمساعدة المالية المشروطة بشروط صارمة؛ ما سمح للشعب اليوناني بالمشاركة الديمقراطية في سياسة دولتهم وقرارات السياسة الاقتصادية؛ والتي لا يسمع بها البعض أحيانا في أي من دول الاتحاد الأوروبي التي تسعى لفرض تدابير تقشفية قاسية للنيوليبرالية على اليونان (متى كانت آخر مرة أتيحت الفرصة للمواطنين الألمان، أو الفرنسيين، أو البريطانيين بالتصويت ضد القرارات الاقتصادية لحكوماتهم؟). 

وجاءت نتيجة الاستفتاء لتعكس التكرار المُدوي لدعم الشعب اليوناني لحزب سيريزا في المنصة الأصلية المضادة للتقشف، وللدفاع عن رفض عرض الاتحاد الأوروبي الاستغلالي والمتوحش.. 
بعبارة أخرى، تلقى سيريزا عرضا ساحقا للدعم الشعبي خلال عمليتين ديمقراطيتين منفصلتين، بالالتزام المعلن تجاه مقاومة التقشف.

ماذا كنت النتيجة؟ برنامج تقشف ذا تدابير أكثر صرامة على نحو كبير.

وبسبب نجاح سيريزا في كلا من الانتخابات والاستفتاء، فقد جاء هذا العرض المذهل للشرعية الديمقراطية للحزب؛ ومثل برنامج التقشف الجديد إبطالاً قويا على قدم المساواة للعملية الديمقراطية ذاتها، حيث تركزت السلطة الحقيقية وغير القابلة للمقاومة لصناعة السياسات في أيدي الشركات الدولية.

وهناك أيضا أحد الجوانب الأخرى التي يتم تجاهلها على نحو كبير في المناقشات بشأن اليونان والاتحاد الأوروبي؛ وهي حقيقة أن الاتحاد الأوروبي مستعبد للشركات أيضا. 

يتم الآن إجبار اليونان على قبول تدابير التقشف الوحشية لرد ديونة من المفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي. تم تقديم هذه الديون إلى اليونان بعد عام 2010 مع الإلزام الصارم بأن يتم استخدام هذه الديون حصريا لدفع ديون اليونان للبنوك الخاصة الأوروبية؛ ولم يتم استخدام الديون لإعادة تأهيل الاقتصاد اليوناني. 

ماذا يعني ذلك؟ يعني ببساطة، أن رؤساء دول الاتحاد الأوروبي، من أفراد مثل أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق نيكولاس ساركوزي، قد رتبا لمنح الديون من المفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، ليس لإنقاذ اليونان، ولكن لإنقاذ البنوك الأوروبية الخاصة التي كانت تخاف من إعسار اليونان في سداد ديونها لها. أي في الأساس، قاموا بشراء ديون اليونان للتخفيف على دائني اليونان من القطاع الخاص، وبذلك تحمل الاتحاد الأوروبي المسؤولية عن تحصيل هذه الديون. 

هذا السيناريو واضح للغاية؛ فعلى حسب تصوري نرى أن قوة وسلطة الدول يتم توجيهها وتعبئتها من خلال الشركات الخاصة. 

الرسالة الواضحة من كل ذلك هي أن القواعد الرسمية بشأن "الديمقراطية" وما إلى ذلك، لم يعد لها أي ملاءمة فعلية بالطريقة التي يتم بها إدارة القوة والسلطة الحقيقية في العالم. حيث لا تكمن القوة والسلطة الحقيقية في حدود إطار العملية الديمقراطية، بل بدلاً من ذلك، تقع السيطرة الفعلية على السياسة في يد شركات القطاع الخاص. 

ستؤدي هذه الحقيقة بنا إلى تجاهل كل شيء تقريبا كنا نعتقد معرفتنا به بشأن كيفية التأثير على السياسة وتحقيق أهدافنا الاقتصادية والسياسية. لم يعد من الممكن تحقيقها من خلال طرق النزاع الديمقراطية التقليدية، حيث إنه لا بد من إرساء الديمقراطية في قوة وسلطة القطاع الخاص. 
التعليقات (0)