قضايا وآراء

أسباب رفض قيادة الإخوان لترخيص الجماعة (1)

محمد العودات
1300x600
1300x600
قد لا يكون هذا المقال معنيا بالخلاف الجاري داخل البيت الإخواني ولكنها فرصة للوقوف على أسباب الرفض ومناقشتها كونها انطلقت من ثوابت فكرية أكثر منها أسبابا واردة في معرض الصراع.

وبخلاف ما رشح عن المراقب العام الدكتور همام سعيد في لقاء إربد من أنه لا مانع لديه من فكرة الترخيص، إلا أنه أورد جملة من أسباب رفض الترخيص في لقاء جمعه مع القواعد الإخوانية في عمان. الاختلاف في الطرح أمام قواعد إربد وعمان يشير إلى أنه قد يكون هناك أكثر من خطاب يستخدمه المراقب العام أو أنه لم يتبلور لديه حتى الآن موقف واضح من أسباب رفض خطوة الترخيص.

 هنا نناقش الأسباب التي أوردها المراقب العام من ناحية فكرية والتي أجملت في ثلاثة أمور: أولها أنه لا يمكنه كشف أسماء الأعضاء في الجماعة لأجهزة الدولة (التأكيد على سرية التنظيم). وثانيها أن الجماعة ذات أنشطة متعددة ولا يستوعبها قانون. والثالث الخشية من التأثير على دورهم في دعم المقاومة الفلسطينية. ولما كانت هذه الأسباب جدلية فإننا سنقوم بإفراد مقال لكل واحد من هذه الأسباب .

السرية 

(1 ) الجذور التاريخية للسرية في فكر الإخوان

العمل السري لم يكن جزءا من فكر الإمام المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين في البدايات والذي بقي ينتهج أسلوب الدعوة والإرشاد والتربية والابتعاد عن العمل السياسي إذ بقي الإخوان كجمعية ذات صبغة دينية إصلاحية  تركز على التزكية وبناء الضمير الإنساني.

في تطور على مسار الإمام البنا الفكري وقراره دخول العمل السياسي تعرض إلى أول عملية اعتقال في عام في عام 1941 ولمدة 23 يوم تقريبا بعدها خرج الإمام البنا من السجن وكان قد بدأت تتشكل لديه القناعة في تشكيل تنظيم سري غير معلن في بدايات عام 1942 متأثرا بالبيئة السياسية المحيطة التي كانت تقوم على بناء الأحزاب الشمولية القوية للوصول للسلطة وتنتهج العمل السري في تكوينها التنظيمي وخاصة المدارس التي تحاول استرجاع عهود الإمبراطوريات العظمى القديمة كما هو في المشروع الإيطالي والمشروع الألماني وقد أشار الإمام البنا لذلك في رسائله .

تشكل التنظيم السري بقرار من الإمام البنا بقيادة إبراهيم السندي والقيادي المحافظ صالح العشماوي وسريعا بدأ يلتهم التنظيم السري الجماعة ويخطف نشاطها إلى حيث يريد.

اشتد عود التنظيم السري وعظمت قدراته حتى شعر البنا أنه أصبح خارجا عن السيطرة وأن هناك دخنا فكريا تسلل إلى هذا التنظيم وأصبح يتصرف على غير الهدف الذي وجد من أجله والمحدد في بناء تنظيم قوي شمولي يعيد أمجاد الدولة الإسلامية مستقبلا.

خرج التنظيم السري عن الخط المرسوم له وارتكب بعض الجرائم، كان أبرزها اغتيال القاضي الخازندار وحينها قال البنا كلمته المشهورة "ليسوا بإخوان ولا مسلمين" وأردف بأنه "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لعدت إلى التربية والتعليم" في تصريح واضح من الإمام بالرجوع والتبرؤ من العمل السري وما أفرزه من أخطاء فادحة.

استشهد الإمام البنا رحمه الله ونشب خلاف بين المرشد الهضيبي- الذي جاء بعد ثلاث سنوات من استشهاد البنا - والتنظيم السري واستمر الصراع بعد لكنه حسم بالنهاية لصالح المستشار حسن الهضيبي، بعدها جاءت الحقبة الناصرية وما حملته من قهر وسجون فتقعد هذا الفكر وتأصل هذا المنهج وتسلل إلى المنظومة الفكرية للحركة الإسلامية ثم أصبح جزءا من مناهج التدريس في أبجديات التصور الفكري للمنتمين الجدد. ومن ثم تطور مفهوم السرية ليصبح ركنا من أركان التصور الفكري لجماعة الإخوان المسلمين معتمدا على بعض الأثر الوارد في ذلك مدعوما أيضا بالوضع الإقصائي الذي تعيشه الأنظمة وحالة الاستئصال التي تمارسها ضد المنتمين للحركات الإسلامية.

(2) آثار العمل السري 

يتم تفهم العمل السري المؤقت سياسيا إذا ما كان كحالة تكيف مع الواقع في البيئات الغير نظيفة مع تربية القواعد على أخطار العمل السري ومضاره، أما إذا ما تحول إلى حالة فكرية متأصلة وأصبح جزء من منظومة تربوية هنا تكون تلك التنظيمات والتجمعات تعرض نفسها وأفرادها إلى مجموعة من الآفات والمضار التي يمكن إجمالها بالتالي:-

-  العلم السري يحدث حالة تجميد للشخصية الحقيقية لصالح الشخصية السرية أو الوهمية وغالبا ما يحتدم الصراع بين الشخصية الحقيقية والشخصية المخفية مما يخلق حالة من التوجس اتجاه الحقيقة. 

- العمل السري يكون اقرب إلى حالة الظل وفي الظل وبعيدا عن أشعة الشمس تنمو الفطريات والميكروبات الفكرية دون أن يشعر بها أحد فتكون المحاضن السرية كأبواغ لتلك الانحرافات التي تنفجر في مرحلة بشكل مفاجئ فتصيب الجميع بالأذى. 

- العمل السري يصنفه الساسة على انه أول خطوة في طريق السير إلى عالم التطرف الفكري بجميع ألوانه وأنواعه.

- العمل السري بيئة خصبة للفساد المالي والإداري .

- العمل السري يلغي سنة التدافع الطبيعية في تقديم أهل الكفاءة والمعرفة السياسية والإدارية ويحرم التنظيمات من كثير من القدرات التي لا تستطيع تسويق ذاتها في ظل هذا الجو من الانغلاق والتكتم فيكون الفرز القيادي للأشخاص الأكثر ظهورا في مفاصل هذا الجسم المغلق، وهذا ظهر جليا في التنظيمات الإسلامية حيث أصبحت الأقسام التربوية الأكثر ظهورا في المفاصل التنظيمية هي صاحبة الحظ الأوفر في المراكز القيادية وهذا ما تسبب في إضعاف العمل السياسي بشكل كبير جدا.

- العمل السري يكاد يلغي حالة التطور الطبيعي أو يبطئ حركتها إلى حد اللافائدة منها 

- العمل السري يعزز نظرية المؤامرة في عقول النشء الجديد مما يجعل هذا النشء متوجس من المحيط به وغير قادر على الاندماج حتى من اقرب البيئات التي تحيط به فتكاد ترى المنتسبين إلى التنظيمات التي تعيش مفهوم السرية يعيشون فكريا إلى جانب بعضهم البعض بمجموعات غير منفتحة على الآخرين ولا متحاورة معها بل أنها متشككة متوجسة من كل من هو خارج هذا الإطار الفكري .

- العمل السري يجعل الفئات المجتمعية الأخرى والأنظمة الحاكمة والمؤسسات المدنية متوجسة ومتخوفة من تلك التنظيمات وتتعامل معها بحذر شديد جدا، بكل تأكيد أن "الإنسان يعادي ما يجهله"

- العمل السري ينمي حالة نفسية لقواعد تلك التنظيمات بالرغبة في اعتزال العمل السياسي وعدم الانخراط فيه.

-  العمل السري يلغي حالة مأسسة العمل ويحرم الأجيال القادمة من الاستفادة من العمل التراكمي والخبرات السابقة والبناء عليها .

-  في العمل السري تغيب مفاهيم المحاسبة والشفافية والبرامج وتسود مفاهيم الشعوبية والطرح العاطفي وهنا يصبح التنظيم لأجل التنظيم والعمل غير ذي اثر.

(3 ) الحالة في الأردن 

الحركة الإسلامية في الأردن تعيش حالة (النصف سرية) إذ نجد لها المقرات والمؤسسات وتتداول وسائل الإعلام أخبار انتخاباتها وفرزها القيادي ولها مكتب تنفيذي ومجلس شورى وهيئات إدارية معلنة، حالة يبدو أنها أفرزتها ظروف الواقع إذ إن الإخوان لم يطاردوا أو يلاحقوا أو يعلقوا على أعواد المشانق كما في دول أخرى لكنهم بكل تأكيد لم يأخذوا كامل الحرية في تحركاتهم ولم يتم التعامل معهم رسميا على أنهم جزء من النسيج الوطني بالكامل إذ بقيت هناك مضايقات ومنغصات بين الفينة والأخرى لكنها لم تصل إلى حد الإيذاء في النفس أو الشرف أو حتى المال وان أخذت جانب من التضييق في الأرزاق في بعض المنعطفات الزمنية ولا زالت تشمل بعض الوظائف العليا والوظائف السيادية.

تخويف المراقب العام للقواعد الإخوانية من كشف أسماء المنتسبين للإخوان للأجهزة الأمنية والوزرات المعنية يراه البعض انه تخويف غير مبرر وانه يأتي في سياق توظيف الصراع الداخلي فقط، فيما يراه فريق أخر انه تخويف نابع من قناعة فكرية للمراقب العام وهنا تأتي الخطورة في الموضوع، تخويف يجد قبول لدى القواعد الإخوانية لأسباب كثيرة أهمها التربية على مفهوم السرية الذي أصبح مكون أصيل من المكونات النفسية للأعضاء المنتسبين للإخوان المسلمين إضافة إلى الممارسات العملية للأجهزة الأمنية التي تتعامل بالتضييق الناعم على تلك الكوادر.

لا شك بان العمل السري أو شيوع ثقافته في جسم بحجم تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن تضر بالجميع إخوان ودولة وان العمل على الخروج من هذا المربع والتخلص من هذه المنظومة الفكرية لا بد أن يكون بخطوات متوازية يتقدم بها كل من الدولة والإخوان بذات الوقت. 

على الإخوان المبادرة للتخلص من ثقافة السرية وتقديمها لدى القواعد على أنها كانت حالة ضرورة مؤقتة و لا تمثل حالة فكرية مؤصلة في ثقافتهم التنظيمية.

 بذات الوقت لا يمكن أن تستطيع القيادة إقناع القواعد الإخوانية بالعمل العلني الكامل ما دام هناك أثار سلبية ولو طفيفة تلحق بهذه الكوادر نتيجة لهذه العلنية مما يستوجب على الدولة تقديم كافة الضمانات التي تساعد الحركة الإسلامية على الخروج من نصف السرية التي يعيشونها.

قد تكون جمعية جماعة الإخوان المسلمين بعد تصفية الخلاف حولها إخوانيا فرصة لجميع الأطراف حكومة وجماعة للخروج من هذا المربع والانتقال إلى مرحلة أخرى من التفاهم والعمل المشترك من أجل عمل وطني سياسي علني راشد يساهم في بناء الأردن الحديث ويخطوا به خطوات جادة نحو الإصلاح الشامل في كل المستويات وأهمها دمقرطة الحياة السياسية وبناء الإنسان.
0
التعليقات (0)