كتاب عربي 21

لماذا نجح باسم يوسف وفشل الآخرون؟

مصطفى النجار
1300x600
1300x600
تتوالى المحاولات الإعلامية لتقديم برنامج كوميدي يملأ الفراغ الذي أحدثه منع برنامج باسم يوسف.

ورغم حجم الإنفاق الكبير والمبالغ فيه عجزت هذه البرامج في الحصول على نجاح جماهيري ولم تحظ بنسب مشاهدة مرتفعة مثل التي أحدثها باسم يوسف خلال مواسم العرض المختلفة التي انتهت بالمنع التام وتهديد باسم ومن حوله في حالة الإصرار على استكمال تنفيذ البرنامج.

يحاول أحد الفنانين المؤيدين للسلطة تقديم برنامج مماثل يركز على النقد السياسي الساخر ولكنه على الناحية الأخرى تحول برنامجه –الممل والفاشل أصلا– إلى موجات ردح وشتم وتخوين واستظراف مقزز يسير على خط ناظم لسيناريو مكتوب مسبقا يمكن مقارنته بنفس الكلام الذى تقوله الأبواق الإعلامية في نفس الوقت.

حيث إن المحتوى واحد ويركز على تمجيد السلطة وشيطنة المعارضين وتكرار إسطوانة المؤامرة ولكن بشكل مبتذل للغاية ورخيص إنتاجا ومضمونا وأداء مما حول البرنامج لوصلات سخافة تجعل المشاهدين يسخرون من مقدمه ويضحكون على أدائه ومضمونه أكثر مما يضحكون على الخط الكوميدي المفترض أن هذا البرنامج يقدمه!

محاولة أخرى انتهت بالفشل السريع رغم ما تم إنفاقه عليها لتنجح لكنها اعتمدت على التركيز على الأفيهات الجنسية ومزجها ببعض السياسة واستضافة بعض الفنانين وسرعان ما انفض المولد رغم الدعاية الهائلة والمكلفة التي تم رصدها للبرنامج وكان من الغريب ألا تتوقف المحاولات الفاشلة رغم الخسارة المادية الكبيرة فخرج برنامج جديد بتكلفة إنتاج كبيرة أيضا تبدو واضحة للمشاهد لكنها أيضا مارست نفس الخطأ السابق واعتمدت على رفع السقف ولكنه ليس سقف النقد السياسي بل سقف الإيحاءات الجنسية المباشرة التي غلبت على البرنامج وحولته –حتى الآن– لما يشبه حوارات المراهقين الطامحين في ممارسة الجنس والتعرف عليه.

لا يمكن فصل مشهد الإنتاج الإعلامي المتزايد رغم فشل عوائده وضعف تأثيره عن حالة السلطة التي تعتقد أنها عبر السيطرة على الإعلام يمكنها إدارة كل الأمور وإقناع الناس بما تريد بالإضافة إلى تكثيف موضوعات الإثارة والإشغال لإلهاء الرأي العام وإنهاكه في معارك عبثية مثل الحجاب والتجديد الديني والعفاريت وزنا المحارم وما شابه.

السؤال الذي يحير هؤلاء: لماذا نجح باسم يوسف وفشلوا هم؟ لا يمكن فصل نجاح باسم يوسف عن التوقيت الذي ظهر فيه وعن كونه أول من استطاع تقديم برنامج كوميدي سياسي ساخر في فترة زمنية اتسمت بحرية الإعلام وعدم وجود رقيب يحد من حرية المحتوى أو يحاصر المضمون قبل خروجه للمشاهد في الفترة من 2011 إلى 30 حزيران/ يونيو 2013، وحتى حينما عاد للظهور قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مصر فقد حاول الإبقاء على نفس سقف الحرية لكن انتهت التجربة بمنع البرنامج نهائيا كما يعلم الجميع.

استفاد باسم يوسف وفريق الإعداد من مناخ الحرية الذي ساعدهم على الإبداع والولوج في مناطق كان البعض يعدها خطا أحمر في علاقة الإعلام بالسلطة بينما لا يتمتع من يحاولون استنساخ برنامج باسم بنفس الميزة لذا فالتغريد تحت سقف منخفض الارتفاع يُخرج مضمونا مختنقا لا يرى فيه المواطن همومه ولا يشعر بأنه يعبر عنه.

الفرق الثاني أن باسم يوسف جاء من قلب الثورة لذلك فقد كان عبقها يبدو في تناوله لكثير من الموضوعات ورغم أن باسم لم يحول برنامجه إلى برنامج تلقين سياسي إلا أن انحيازه للثورة والديموقراطية كان واضحا لا يمكن إخفاؤه بعكس هؤلاء الذين يتدثرون برداء السلطة ويحاولون عمل ديكور هامشي للتنفيس لكن ضمن الأطر الضيقة التي وضعتها السلطة، وبالطبع فالنائحة الثكلى ليست كالنائحة المستأجرة.
 
الميزة الثالثة كانت في فريق العمل الكبير والمتنوع الذى بناه باسم يوسف واستطاع به أن يقدم وجبة أسبوعية جاذبة لكل شرائح الجمهور المصري الذى كان يعتبر أن برنامج باسم يوسف الأسبوعي هو الوقت الوحيد للبهجة والضحك من قلوبهم، أتقن باسم يوسف العمل الجماعي وتوزيع الأدوار وإتاحة الفرصة لمزيد من المبدعين فاستطاع أن يحفر مكانا متميزا عكسته أرقام المشاهدة التاريخية وغير المسبوقة والتي حققها برنامجه بعكس البرامج الأخرى التي تتسول المشاهدين وينفرون منها
الميزة الرابعة أن باسم يوسف كان يعبر عن جمهور كبير واسع هو جمهور ثورة يناير بالإضافة إلى شرائح أخرى انضمت لهذا الجمهور في فترات وتباعدت عنه بعد ذلك، لكن جمهور الثورة الآن منفصل ومعاكس لاتجاه السلطة ويشعر باغتراب كامل بعد أن ارتفع صوت الثورة المضادة وتصدرت المشهد وأعملت كل ممارسات الانتقام من الثورة وأبنائها.

العامل الخامس في نجاح باسم يوسف وفشل هؤلاء هو انهيار الثقة في أغلب وسائل الإعلام المصري خلال الفترة الماضية بعد أن تورط أغلبه في مباركة القتل وبث خطابات التحريض والكراهية وتقسيم المصريين وبث الأكاذيب والخرافات والتعبير عن السلطة وليس التعبير عن الناس لذلك فهناك حالة عزوف واسع عن متابعة الإعلام المصري تتزايد يوما بعد يوم وتؤثر بالطبع على الاستثمار في مجال الإعلام الذي تزداد خسائره يوما بعد يوم ويميل للانكماش رغم استمرار ظهور فضائيات جديدة
نجاح باسم يوسف كان مركبا لذلك لن يمكن استنساخه، وكل المحاولات التي تفشل ستتبعها محاولات فشل أخرى طالما استمر المناخ العام في مصر مكبلا وتابعا لهوى السلطة واتجاهاتها.
التعليقات (4)
مصطفي
الثلاثاء، 12-05-2015 10:33 م
نعم باسم يوسف نجح لأن المزاج العام للناس كان غير راضي عن الواقع اللي عايشينه قبل 30 يونيو و بطبع المصريين النكتة والافيه كانت التنفس. ولكنه باسم لم يقراء المزاج العام للشعب بعد 30 يونيو خاصة حزب الكنبة اللي يمثل الأغلبية فلم يجد نفس رد الفعل الإيجابي. أما الإعلام و إذا كان موجه أو عليه مراقب فراس نفسه نفس ذلك. ربنا يصلح حال مصر و أهلها.
خفاجي
الثلاثاء، 12-05-2015 03:18 ص
هنفضل كده كتير .. مش هيبقى في حرية تاني
مصطفى فضل الوكيل
الإثنين، 11-05-2015 09:36 م
نسيت تتحدث عن عبقريه باسم وأسلوبه الشيق وخفه ظله المنقطعه النظير
الإثنين، 11-05-2015 12:52 م
...........................