ملفات وتقارير

لوفيغارو: روحاني يتذوق طعم النجاح الدبلوماسي الإيراني

احتفلت شوارع طهران بإنجاز الاتفاق النووي - أ ف ب
احتفلت شوارع طهران بإنجاز الاتفاق النووي - أ ف ب
 نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرا حول ردود الأفعال التي تلت اتفاق لوزان بين إيران والدول الغربية قالت فيه إن هذا الاتفاق يعدّ انتصارا للسلام في المنطقة، وإن الأبعاد الاقتصادية لهذا الاتفاق تأتي في المقام الأول بالنسبة للإيرانيين، حيث سيسمح لهم رفع العقوبات بالخروج من عنق الزجاجة وتجاوز المعاناة الاقتصادية والاجتماعية التي أنهكتهم.
 
وقالت الصحيفة في التقرير الذي أعده تيري بورت إن أجواء احتفالية شبهتها بتلك المصاحبة للفوز بكأس العالم سادت شوارع طهران، حيث خرج آلاف الإيرانيين إلى شوارع العاصمة للاحتفال على وقع أصوات السيارات والزغاريد عقب الإعلان عن التوصل للاتفاق المبدئي مساء الخميس الماضي.

وقد اجتمعت الحشود صباح يوم الجمعة الماضي في المطار الدولي بطهران لتستقبل محمد جواد ظريف وزير الشؤون الخارجية الإيراني في ثوب البطل لدى عودته من لوزان. وظهر كالمعتاد مطلا من سقف سيارته بابتسامة عريضة في صور اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تفاعل النشطاء مع الحدث بشكل إيجابي، وقد غرد أحدهم متحمسا: "نعم للسلام، لا  للحرب". ومن البديهي احتفال الإيرانيين بهذا الاتفاق؛ إذ يعدّ السلام أمرا منشودا في منطقة تعج بالصراعات والحروب.
 
وأضافت الصحيفة أن هذا الاتفاق الذي يأتي بعد ثمانية أيام من النقاشات الحادة والمناورات والترقب ليتوج أكثر من عشر سنوات من المفاوضات الحثيثة، ليس سوى اتفاق مبدئي يحدد النقاط الرئيسية، بينما ينتظر التوصل للاتفاق النهائي قبل موفى شهر حزيران/ يونيو المقبل.

واعتبرت الناشطة الاجتماعية الإيرانية نيرة توحيدي في صفحتها على فيسبوك أن الاتفاق يمثل نجاحا تاريخيا لإيران. حيث تلوح في الأفق بوادر انفراج الأزمة المتواصلة منذ حادثة حجز الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران سنة 1979، وأولى هذه البشائر كانت البث المباشر لخطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في التلفزيون الإيراني، والمشاركة الفاعلة لجون كيري في محادثات لوزان، إضافة إلى قيامه شخصيا ببعث تعازيه إلى شقيق الرئيس الإيراني بعد وفاة والدته مؤخرا.
 
وقالت الصحيفة أن الرئيس الحالي لإيران حسن روحاني بدى منتشيا بهذا الإنجاز، فقد كان يراهن على الحوار مع الغرب منذ أن انتخِب في شهر يونيو سنة 2013، وأبدى رغبة في الانفتاح الذي يتعارض مع سياسة التهديد بالحرب وشيطنة الغرب التي كان يتبعها سلفه أحمدي نجاد.

وقد عبر روحاني عن سعادته بالاتفاق يوم الجمعة، مؤكدا أن هذا اليوم سيبقى راسخا في ذاكرة الأمّة الإيرانية. وأضاف في لقاء تلفزي أنه يدعم الانفتاح و التعاون مع الدول التي تحترم دولته، وأن الاتفاق لا يشمل الملف النووي فقط، بل يمهد الطريق لإقامة علاقات بناءة مع المجتمع الدولي. وهو ما يعتبر طريقة غير مباشرة للتعبير عن الرغبة في معالجة القضايا العالقة مع الولايات المتحدة.

ويعَدّ هذا الاتفاق أيضا انتصارا للجناح المعتدل داخل إيران؛ حيث قال روحاني في رسالة مضمونة الوصول للتيار المتشدد: "البعض كان يقول بأن على إيران قتال القوى الدولية، والبعض الآخر قال إن علينا الاستسلام، والمحادثات أثبتت أن هناك طريقا ثالثا، وأنه يمكننا التعاون مع العالم".

كما ينتظر أن يؤثر الاتفاق بالإيجاب على شعبية الرئيس حسن روحاني، بما أن رفع العقوبات سيكون له تأثير مباشر على الظروف المعيشية للمواطن العادي، وعلى الشركات الإيرانية والتشغيل، وعلى إنفاق الدولة على الخدمات العمومية، وهو ما سينظر له من قبل الشعب على أنه إنجاز لم يحققه الرؤساء السابقون الذين اكتفوا بإلقاء الخطابات العدائية ومطالبة الشعب بالصبر.
 
من جهة أخرى، أشارت الصحيفة إلى أن الاتفاق المبدئي في لوزان يتصادف مع تنامي قوة تنظيم الدولة السني، الذي يمثل العدو المشترك لإيران الشيعية والولايات المتحدة اللذين يخوضان المعارك ضد التنظيم في العراق جنبا إلى جنب بشكل غير مباشر.

وبالنسبة للكثير من المحللين، فإن الاتفاق النووي سيساهم في إعادة التوازن إلى النفوذ الإقليمي في المنطقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية، حيث قال برنارد أوركاد الصحفي بالمجلة الإلكترونية الفرنسية لوريان 21، الخبير بالشؤون الإيرانية، إن الاتفاق النووي وإعادة العلاقات الدولية مع إيران سيمكن من إعادة العلاقات السياسية والمساهمة في وضع حد للصراع المميت الذي تخوضه القوتان الإقليميتان في ساحات القتال في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان ومؤخرا في اليمن.
 
ولكن اعتبرت الصحيفة أن الإيرانيين لا يأبهون بهذه الحسابات السياسية الإقليمية والدولية، فاهتمامهم منصب على الشؤون الداخلية، خاصة الأبعاد الاقتصادية للاتفاق. حيث إن رفع العقوبات الاقتصادية على إيران مقابل تخفيض نشاطاتها النووية سيسمح لها بتجاوز أزماتها، بعد أن شهدت في السنوات الأخيرة تراجعا بأكثر من خمسين بالمئة في صادراتها البترولية، وبلوغ نسبة التضخم أكثر من أربعين بالمئة في السنة.

ويبقى الأهم بالنسبة للدبلوماسيين الإيرانيين إقناع تيار اليمين المحافظ المعارض بطبعه لهذه الخطوة، الذي حاول عدة مرات إجهاض المحادثات والتشكيك في جدواها.

ونقلت الصحيفة عن أحد هؤلاء المعارضين، وهو حسين شرياتمداري من صحيفة كيهان المعبرة عن أفكار هذا التيار المتشدد، أن إيران بموجب هذا الاتفاق قدمت الكثير للغرب بتخليها عن طموحاتها النووية، بينما لم تحصل في المقابل سوى على الفتات.

(لوفيغارو)
التعليقات (0)