كتاب عربي 21

سلفية عند اللزوم

شريف أيمن
1300x600
1300x600
(1)

مصر دولة عربية نظام حكمها مدني، سلفية عند اللزوم.

غاب لفظ السلفية عند وضع الدستور "المدني" لمصر بعد "ثورة التصحيح" التي قام بها الجنرال المنقذ، إلا أن غياب اللفظ لم يصاحبه غياب الفعل.

(2)

الحملة الجارية باليمن الآن من عدة دول عربية، ترفع شعارين "دعم الشرعية" والآخر "الإسلام السني"، والملفت للانتباه أن الشرعية عند القيادات السنية والشيعية على السواء، أصبحت مرتبطة بالرضا عن الحاكم لا الأصلح للمجتمعات، وإلا لصاحب الجرائم المرتكبة بمصر جزءا مما لازم الهبة ضد "الانقلاب" الحوثي، وكأن معيار الانقلاب يتحدد وفقا لهوى الحاكم الشقيق.

أما ما تعلق بحماية السنة فتلك أكذب الدعيات وأخسها، لتعلقها بالمقام الرفيع الذي لاينبغي أن يدنس بالتوظيف السياسي، وكان من باب أولى أن ينصر "أهل الإسلام" في فلسطين المنتهَبة أو العراق أو أفغانستان أو البوسنة، وغير ذلك من كل أرض نُكِأ فيها جرح أو انتهكت أرض أو عِرض، لكن أسود العرب لا يخرجون لنصرة حق بل للحفاظ على استئثارهم بالسلطات ومقدرات الأمم المنهكة.

(3)

"الشيعة أشد خطرا من اليهود"

من الكلمات المأثورة عند السلفية المعاصرة.

"جواز التعبد بالمذهب الجعفري"

خلاصة أحد فتاوى الإمام الأكبر محمود شلتوت، والتي أثارت الجدل حول جواز التعبد بأحد المذاهب الشيعية.

"الشيعة خلاص اقتربوا من مكة والمدينة، ولا ندري إن وقعوا في أيديهم هل سيعيدون ما فعله القرامطة بقتل من تعلق بأستار الكعبة؟"

من خطبة الجمعة لأحد مساجد وزارة الأوقاف المصرية "الأزهرية".

من المهم بيان أن ذلك ليس دفاعا عن الممارسات الشيعية ولا تنزيهها فتلك قضية أخرى، لكن المراد رصد الانحراف عن التوجيه الشرعي ومراعاة الأمانة الدينية "الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله" كل ذلك يتم من غلاة وأتباع النظم الحاكمة من الطرفين، وفقا للتوظيف السياسي وبمباركة أنصار الحقوق والحريات اللذين يغيبان وفقا للإرادة الحاكمة.

(4)

الحملة التي تقوم بها "أذرع" السلطة الحالية تقوم على توجيه المزاج العام إلى ما يسمى بالخطر الشيعي، وأن الشيعة قادمون، ولا خلاف أن هناك رغبة شيعية في التمدد، وكذلك إجراما في الممارسات التي تصدر منهم، لكن حصر الخطر في الجانب الديني يرسخ الطائفية والعداوة بين فرقتين مسلمتين، في حين أن الخطر الحقيقي لدى الزعامات العربية سياسي، وإلا لما دعمت السعودية الحوثيين في وقت، وما استقبلتهم مصر منذ أسابيع، وما تواطأت الإمارات معهم لدرء الثورة هناك.

في ظل حالة العداء والكراهية يصير السير عكس التيار السائد سببا في الطعن والقدح، لكن ذلك لا يمنع القول بأن الشيعة ليسوا أخطر من اليهود، وأنهم مسلمون في جملتهم، والقائلون بنبوة سيدنا علي وقراءتهم لمصحف غير الذي لدى السنة قليلون، والحكم بكون هؤلاء من غير المسلمين مسلَّم، والشيعي أقرب للمسلم من غيره باعتبار الرابطة الدينية، كل ذلك أصبح يغيب في ظل السعار الساري في جسد الأمة لتمزيقها فوق ما هي ممزقة، ولا بد من التذكير به والتأكيد عليه ولو كره السلفيون سواء كانوا بلحى أو ملتحفين بفقههم عند الحاجة، ولا تلازم بين القول به وبين العقوبة الواجبة على أي فريق يحيد عن الحق.

ربما كانت تلك الحملة مبررة ومقبولة لو صدرت ممن يهتم بحقوق الشعوب في العيش والكرامة، وما من شيء أدل على جفوتهم للحق كالحالة السورية التي لم يسع أحد لنصرتها رغم نكبتها.

(5)

يريد السيسي الآن تفعيل إنشاء قوة عربية مشتركة، وهو الذي قال من قبل جملته الشهيرة "مسافة السكة" ويقصد بها نصرته لأي دولة عربية يقع عليها اعتداء، ويؤكد المشاركون في الحملة أنها من تفعيل لمعاهدة الدفاع العربي المشترك.

إذا تم إنشاء تلك القوة العربية المجيدة الباسلة، فهل ستتوجه لحل النزاع السوري؟ وما الدور الذي يمكنها القيام به لبسط الأمن في العراق؟

والأهم من كل ذلك، هل ستتحرك للدفاع عن الأراضي المحتلة في فلسطين ولو فقط تلك التي تمدد الصهاينة فيها منذ عام 67؟ أم أن العلاقات مع الصهاينة أمتن من العلاقات مع الفلسطينيين، والارتهان والانبطاح لأمريكا أكبر من الكرامة المزعومة؟ والبسالة والشجاعة محصورة في التعامل مع المليشيات كالحوثيين والحركات المقاومة كحماس؟ أما إسرائيل فلا يجرؤ أحد على المساس بها.

"مسافة السكة" لليمن أكبر بكثير منها لغزة التي جرى العدوان عليها، ولم يتم حتى فتح المعابر للإسعافات مثلما كان يفعل المخلوع مبارك، بل تم التضييق على أهلنا هناك حتى في إسعافهم ومداواتهم.

(6)

الانقلاب في اليمن مجرّم كما كان ينبغي أن يحدث في مصر، لكن الفارق أن النظام الحاكم هنا يقوم بكل السبل لتخفيف الضغط عليه، حتى لو كان بإرسال المجندين البسطاء لحرب ليسوا طرفا فيها، لترضى عنه أطراف أخرى تَغيَّر مزاجها اتجاهه، أو رغبة في وجاهة شخصية وإعادة تاريخ أغبر نعاني منه حتى الآن.

لم يحكم مصر أحد أطاح بها وبمكانتها مثل الآن، وكل لحظة يقضيها ستحتاج مصر بمقابلها وقتا حتى تتعافى من كوارثه وسلبياته، مثلما فعل عرّابه الحالي مع ملهمه الراحل.
التعليقات (0)