مقابلات

العثماني لـ"عربي21": لا استقرار دون توافق السياسيين

العثماني - أرشيفية
العثماني - أرشيفية
قال سعد الدين العثماني القيادي بحزب العدالة والتنمية المغربي ووزير الخارجية السابق إن توافق النخب السياسية والثقافية هو المعبر الوحيد للاستقرار في المنطقة، مؤكدا في حوار له مع "عربي 21"، على أن هذه النخب ينبغي أن تتعلم التوافق وتعتمده وتعترف بنتائجه.
 
ودافع صاحب أطروحة "تصرفات النبي بالإمامة"، عن مركزية التجديد في منهج حركة التوحيد والإصلاح، معتبرا أن "التجديد ليس فعلا مفصولا عن الواقع وليست عملية طوباوية تشيد قصورا في الهواء"، مردفا في المقابلة ذاتها "أن تطور المجتمع قليلا خير من أن تبني قصورا من التجديد في الهواء".
 
رئيس المجلس الوطني (برلمان العدالة والتنمية) الذي عبر عن آساه وألمه مما يحيق بالأمة العربية والإسلامية اليوم، شدد على أن "الشعوب العربية تستحق وضعا ديمقراطيا وإنسانيا أفضل من هذه الوضعية".

وعن تقييمه لأداء حكومة ابن كيران، عدد العثماني العديد من إنجازاتها ووقف عن السياق الذي خرجت فيه، مسجلا التشويش الذي تتعرض له والذي قال إنه واضح وقوي لكنه متفهم، وقال "ينبغي عدم تضخيم هذه الأمور لأنه في جميع الديمقراطيات هناك قوى معينة لا تكون راضية على سياسة حكومة معينة لأنها تمس بمصالحها".
 
 وفي ما يلي نص المقابلة:      

كيف تقرأ التحولات الجارية بالمنطقة على ضوء مؤشرات استقالة الإبراهيمي، تنصيب السيسي، وإعلان بشار رئيساً لسوريا من جديد؟ 

لا يمكن للإنسان إلا أن يشعر بالحزن والأسى على ما آلت إليه الأوضاع في العديد من الدول في المنطقة العربية، لاشك أن الشعوب العربية تستحق وضعا ديمقراطيا وإنسانيا أفضل من هذه الوضعية، فلا يزال مئات الآلاف يعانون إلى اليوم من التشرد والآلام، والشعب السوري في حالة كابوس مستمر، والإشكالات السياسية والإنسانية والأمنية تتزايد في العديد من دول المنطقة، إذن لا يمكن لأي كان إلا أن يتمنى أن يتغير الوضع إلى ما هو أحسن. هناك صعوبة في تقييم ما يحدث لأن الأحداث لا تزال تتحول وتتطور، وبالتالي يصعب أن يقوم الإنسان بتقييم متسرع.

لكن لدي ملاحظتان. الأولى: أظن بأن التدخلات القوى الدولية والإقليمية فيما يقع بهذه الدول دور أساسي، ولولا هذه التدخلات من هذه القوى لكانت الأمور أحسن مما هي عليه اليوم، لا شك أن الموقع الإستراتيجي للمنطقة ووجود إسرائيل على حدود عدد من هذه الدول، ووجود الثروة النفطية أيضا بالمنطقة كلها عوامل تسهم في اهتمام القوى الدولية وضغطها في أن تسير الأمور في اتجاه الحفاظ على مصالحها.

الملاحظة الثانية تتعلق بالقوى الداخلية والقاضية بأنه إذا عجزت النخب السياسية والثقافية عن أن تصوغ أرضية توافقية تستطيع على أساسها أن تبني وطنا مشتركا للجميع، على أن يتنازل كل طرف عن جزء من برنامجه وتصوراته الواقعية لصالح الاجتماع والاستقرار، ومن أجل أمن وبناء مؤسسات قوية، بدون هذا التوافق لا يمكن أن تسير الأمور نحو الأحسن، وبالتالي أنا أظن أن نخبنا السياسية ينبغي أن تتعلم أن تصوغ توافقات وأن تقبل بالتوافقات وبنتائج هذه التوافقات.   
 
 
إلى ماذا يمكن أن نعزو تصاعد عنف بعض الحركات في دول الساحل والصحراء وشمال غرب إفريقيا، ليبيا، مالي، نيجيريا، تونس؟
 
هناك عوامل متعددة ولا شك أن منطقة الساحل والصحراء تعرف منذ سنوات تزايدا في عدد ونوعية الأسلحة وتزايد الجماعات المسلحة بمختلف أنواعها، سواء كانت ذات بعد ديني أو ذات بعد إجرامي أو تهريبي أو ذات بعد انفصالي، وتقاطعت مصالحها في فترة من الفترات، ثم جاء انهيار نظام القذافي وما وفره من أسلحة متطورة بكثرة ليزيد من وجود السلاح وانتشاره بالمنطقة مما جعل كل قطر من الأقطار التي لها وجود في الساحل والصحراء تعيش على بركان من الأسلحة وبركان من إمكانيات العنف والعنف المضاد.

وإضافة على كل ذلك صعوبات بناء الدول بعد انهيارها، فلا يمكن لدولة مثل ليبيا التي لم تكن أصلا فيها مؤسسات متكاملة أن تبني نظامها الجديد بعد انهيار نظام معمر القذافي بسرعة، لا شك أنها في حاجة لوقت من أجل التكييف وإحداث التوافقات والتقارب بين مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية.وإن وجود التدخلات الأجنبية، سواء منها الإقليمية أو الدولية يعقد أو يصعب هذه التوافقات، إذن فالتحولات متعددة ومعقدة وكلها شكلت عوامل أدت إلى انتشار هذا العنف بالشكل الذي نراه اليوم.      
 
قضية الصحراء وبعد تمديد مهمة "المينورسو" قبل شهرين تقريبا يسجل نوع من خفوت القضية في الأجندة السياسية والإعلامية محليا، ألا يكرس هذا التعامل المناسباتي مع القضية الوطنية؟
 
قرار مجلس الأمن يصوت عليه عادة نهاية شهر نيسان/أبريل من كل سنة. وطبيعي أن يخفت بعدها الاهتمام الشعبي والإعلامي والمدني بالقضية لصالح قضايا أخرى أكثر راهنية وأكثر ضغطا داخليا أو خارجيا، سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ولا أرى في هذا أي عيب. لكن بطبيعة الحال نتصور أن الآلة الدبلوماسية وأن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون وأن عددا من الإدارات الأخرى ذات الصلة، متابعة باستمرار للملف ولتفاصيله ومختلف قضاياه.

فمثلا هناك الملف الإنساني والذي يضم الزيارات العائلية التي لها برامج في تنسيق مع المفوضية السامية لغوث اللاجئين، وهناك قضايا مرتبطة بالتنمية في الأقاليم الصحراوية عبر تطبيق النموذج التنموي الجديد الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي، وهناك الآن انكباب على البرامج العملية لكيفية تطبيقه، وهناك ثالثا الاستعداد للانتخابات الجهوية التي ستتم بعد سنة من الآن. هناك إذن ملفات تتم متابعتها ترتبط بقضية الصحراء بطريقة أو بأخرى، لكن صحيح أن هناك نوع من الخفوت على المستوى الإعلامي لصالح قضايا أكثر راهنية وأكثر ضغطا.      
 
هناك من يعتبر أن حركة التوحيد والإصلاح وسعد الدين العثماني، سلفيي التفكير رغم الجهود التجديدية التي تقومان بها، ما تعليقك على ذالك؟

تعليقي هو أن هذه المفاهيم أولا تحتاج إلى تدقيقات، فلفظ السلفية يعني به كل واحد معنى مختلفا، فكبار المجددين إنما جددوا انطلاقا من سلفيتهم، مثل محمد عبده ومحمد الطاهر بن عاشور وعلال الفاسي وغيرهم، هؤلاء على الرغم من تجديديتهم لكن يدخلون في مسمى السلفية في عصرهم، فإذا كان المعنى بالسلفية هو هذا، أي المفارقة مع مشاريع أخرى تحاول أن تبني المغرب المعاصر على أسس بعيدة عن هدي الدين وعن مبادئه العامة، فأظن أنه بهذا المعنى حركة التوحيد والإصلاح سلفية بطبيعة الحال، لكونها تريد أن ترجع لأصول الدين للاستهداء بها. لكن إن كانت السلفية تعني الجمود على مفاهيم درج عليها المسلمون عبر القرون، مرتبطة بظروفها وبأعراف زمانها وبالسياقات التي قيلت فيها، فأظن أن الحركة فيها قدر معقول من التجديدية. 

لكن التجديد هو ديناميكية وليست عملية منتهية، فهي تحتاج باستمرار إلى التطوير، كما أن التجديد ليس فعلا مفصولا عن الواقع وليست عملية طوباوية تشيد قصورا في الهواء، إنما هي عملية تطوير واقعي لشرائح واسعة من المسلمين نحو ما هو أحسن. فكثير من المفكرين كانت عندهم نظريات تجديدية سبقت زمانها لكن لم يسمع بها أحد ولم تؤثر في واقعها ومجتمعاتها. فهي بالتالي تجديد ناقص وقاصر. فأن تطور المجتمع قليلا خير من أن تبني قصورا من التجديد في الهواء دون أن يكون لها مصداقية في الواقع.

 وقد أثبتت حركة التوحيد والإصلاح أنها استطاعت أن تنقل جماهير من الشباب المتدين من حالة فيها التصاق أكثر بمفاهيم تقليدية إلى حالة أفضل منها، فطورت وجددت في العديد من المستويات من مفردات التفكير الإسلامي بما فيه مقاربات المشاركة السياسية وعدد من القضايا التي تحتاج للفكر الوسطي. وهي إحدى الهيئات الأكثر بروزا في الفكر الوسطي في المغرب واستطاعت أن تنقله للمستوى العملي وتبنت الفكر المقاصدي وأبرزت في ذلك العديد من الاجتهادات وأعادت النظر في مفاهيم سائدة لدى العديد من المدارس الإسلامية المعاصرة، وأظن ووفقا لهذه المداخل أن حركة التوحيد والإصلاح قامت بجهد تجديدي مشهود، ولكن المجهود التجديدي لا نهاية له فهو مسلسل وسيرورة يسلم بعضها إلى بعض، وهو يتقدم على حسب تطور المجتمع وحاجياته.   

كيف تقييم أداء حكومة ابن كيران منذ تنصيبها حتى اليوم خاصة على مستوى النجاعة، الانسجام، السياسة الخارجية، والتشويش عليها وغير كذلك؟

تقييم الحكومة الحالية التي يرأسها حزب العدالة والتنمية ينبغي أن يتم أولا من خلال معرفة السياق العام الذي جاءت فيه والذي كان يعرفه المغرب. وهو سياق يتميز بثلاث عناصر أساسية، أولا الأزمة الاقتصادية في الشمال في دول الاتحاد الأوروبي، وخصوصا في دول جنوب الاتحاد الأوروبي التي هي الشريك الأول للمغرب اقتصاديا، ثانيا الغليان السياسي وعدم الاستقرار الموجودين في المشرق وفي عدد من الدول التي للمغرب معها علاقات مهمة، وثالثا على مستوى الجنوب وخاصة في منطقة الساحل والصحراء التحديات الأمنية الخطيرة،وهي أيضا مؤثرة، وليست الهجرة السرية إلا واحدة من تأثيرات هذه الأزمة التي يعرفها الجنوب.

وعلى الرغم من هذه التأثيرات المحيطة، استطاع المغرب أن يوفر حدا معقولا من الاستقرار ومن الأمن أولا، ثانيا، استطاع أن ينتزع سنة 2013 نسبة نمو لا تقل عن 4.3 بالمائة على أقل التقديرات، وأحسنها ذهبت إلى 4.8 بالمائة، وأظن بأن هذا نجاح مهم، لأنه يسير على عكس المحيط الذي يشهد انكماشا اقتصاديا.

أمام كل هذا، أخذت الحكومة على عاتقها معالجة العديد من الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية، صحيح أنها لم تستطع الوصول إلى جميع الأهداف التي وعدت بها في البرنامج الحكومي، وإن كنا ما نزال في وسط الولاية وما تزال أمامنا سنتان ونصف أخرى في عمر الحكومة، وبالتالي لا يمكن أن نقيم عمل الحكومة مقارنة مع برنامجها الحكومي إلا في آخر ولايتها. واليوم هناك العديد من الملفات استطاعت الحكومة أن تدبرها بطريقة إيجابية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وهناك ملفات أخرى تحتاج إلى تدبير أحسن أو لم تظهر بعد النتائج فيها، فليس قرار تفعيل تخفيض أثمنة حوالي 1300 دواء غير واحد من تجليات تلك السياسة الاجتماعية.   وهو الذي سيكون له أثر إيجابي واسع على صحة المواطنين بإذن الله. طبعا هناك إجراءات أخرى لم تقم بها الحكومة ونتمنى أن ترى النور في القريب.
 
ماذا عن السياسة الخارجية وعنصر التشويش؟

الجميع يعرف اليوم أن هناك تشويشا واضحا وقويا على عمل هذه الحكومة، لكنه متفهم، أولا بالنظر إلى أن حزب العدالة والتنمية تصدر الانتخابات التشريعية في سياق منافسة سياسية مع أحزاب عريقة وتقليدية دبرت الشأن العام من قبل لولايات متتالية، فهي تتمنى أن تبقى باستمرار هي الأحزاب الأولى والمدبرة للشأن العام، وبالتالي من المتفهم أن تكون لها ردود أفعال قاسية على نتائج غير منتظرة من قبلها سنة 2011 والتي أدت بحزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة. هذا يقع في جميع الأنظمة الديموقراطية، وهذه الأحزاب حاولت أن تشوش على حزب العدالة والتنمية بل ذهب بعضها إلى حد الانسحاب من التحالف الحكومي لأسباب غير مفهومة حتى الآن وغير مقنعة.


 المستوى الثاني هو أن العديد من اللوبيات المستفيدة من وضعيات معينة ويرون أن بعض القرارات الحكومية يمكن أن تمس بامتيازاتهم غير المشروعة أو الذين لا يريدون أن يستشعروا بأن سياستنا الاقتصادية ينبغي أن  يكون لها منحى اجتماعي لصالح أوسع الطبقات الشعبية وخصوصا الطبقات الفقيرة، فأولائك تتضرر مصالحهم ومن الطبيعي أن يكون لبعضهم ردود فعل، وأعتقد أنه ينبغي عدم تضخيم هذه الأمور لأنه في جميع الديمقراطيات هناك قوى معينة لا تكون راضية على سياسة حكومة معينة لأنها تمس بمصالحها، وخير مثال على ذلك مقاربة الحزب الجمهوري مع مشروع الرئيس أوباما فيما يخص التغطية الصحية "أوباما كير" والذي عرقل مرارا وخرج في حده الأدنى ولم يخرج كما كان يتمناه الرئيس أوباما. إذن وجود قوى متعددة على المستوى الاقتصادي وعلى مستوى المصالح وعلى المستوى السياسي أمر يفسر التجاذبات التي تقع.
التعليقات (0)