مدونات

عبد الناصر ينافس عبد الناصر على انتخابات رئاسة السيسي

رضا حمودة
رضا حمودة
رغم أن حمدين صباحى كان أحد أبرز الوجوه "الثورية المناضلة" سابقا قبل مشاركته بالقول والفعل والتحريض على انقلاب 3 تموز/ يوليو فيما عرف بـ"ثورة 30 يونيو"، إلا أنه لم ينج من هجوم مدفعية إعلام العسكر حيث لا صوت يعلو فوق صوت معركة "مرشح الضرورة".

حتى رفقاء الدرب من أبناء التيار الناصري أصحاب الفكر الواحد وخلفاء صنمهم الأكبر" جمال عبد الناصر"، تناسوا تحت تأثير قوة الدبابة وجبروتها قصائد الشعر والغزل في حمدين الذي كان يمثل يوماً ما خليفة لعبد الناصر حيث انحيازه للفقراء وإحياءً لفكرة القومية العربية، ذلك لأن المنافس له الجنرال المرشح للرئاسة (مرشح الضرورة بحسب تعبير كاهن الناصرية الأكبر)هو الرهان الفائز ليس لجدارته ولكن لقوة وصلابة ظهيره العسكري ، ودعك من التاريخ السياسي والنضال الوطني لحمدين ، فكلها أكلاشيهات مكتبية محفوظة ومصطلحات بالية مستهلكة لزوم الوجاهة الإعلامية والاستهلاك المحلى لا غير لتخدير البسطاء والمغفلين.

كان حمدين صباحى قبل وأثناء تولى محمد مرسي رئاسة البلاد فتى الثورة المدلل والمنقذ الأوحد والمعبر الأبرز عن هموم الشباب والفقراء ، ولكن بعد أن اكتملت الصورة وانتهت المهمة (المتفق عليها) وتحقق المراد من رب العباد انفض كهنة المعبد من حول حمدين.

 والمثير هنا أن يكون من أبرز المنفضين هم الناصريون الذين يمثلون ذات أفكار وأيديولوجيا حمدين السياسية والاقتصادية ، فنجد أسرة الزعيم جمال عبد الناصر قد انقلبت عليه في أول اختبار فلم يعد حمدين مرشح الشعب والثورة ، إذ صار الجنرال العسكري بعد انقلاب 3 يوليو هو أمل الأمة وملاذها الأخير وبطلها الأوحد وبات الشعر يُقرض غزلاً ومدحاً في سيادته التي عقمت النساء أن يلدن مثله!!.

وصار يمتلك كل الخبرات السياسية والعقلية الخارقة بين ليلةٍ وضحاها لأنه أنقذ مصر الكنانة والأمة العربية والإسلامية كلها من خطر "الإخوان المسلمين الإرهابيين" – صارت نساء مصر حبلى بنجم الجنرال!! ، وصار الشعب يذوب عشقاً فيه!! ، وإذا لم يترشح للرئاسة مفيش انتخابات ومفيش مصر كمان!! حسبما قالت نصاً كاتبة بلغت من العمر أرذله.

أما الحزب الناصري المفترض أنه الداعم الأول أيديولوجياً ومعنوياً لحمدين بحكم الصلات الفكرية والخلفية الناصرية القومية الواحدة فلم يكن متحمساً لترشح حمدين وانضم مبكراً للفريق الداعم والمنادى بترشح الجنرال! ، بل وصل الحد إلى الهجوم والتلاسن من قبل الحزب بحق حمدين لأنه تجرأ وهاجم دولة العسكر وممارساتها القمعية حينما قال نصاً " أنه يشارك الشباب مخاوفهم في عودة نظام مبارك وأن السيسي لم يبدد هذه المخاوف وأن الشباب لديه إحساس بأن ثورته تسرق ، خصوصاً أن زملاءهم يُحبسون وبعضهم يُقتلون.

 فما كان من توحيد البنهاوي أحد قيادات الحزب الناصري أن انتقد تصريحات الرجل بسخرية لا تخلو من البراءة واصفاً تصريحاته بأنها محاولة لاكتساب شعبية جديدة وكسب أصوات الشباب إليه فى انتخابات الرئاسة ، مشيراً (في مزايدة رخيصة ونفاق ممجوج للحاكم العسكري) إلى أن حديثه عن القبض على الشباب هو تدخل في الشأن القضائي لا يجوز له (اليوم السابع 24 فبراير الماضي).

حمدين لا يبدو أنه استفاق من سكرة الانقلاب الذي شارك فيه بالقول والفعل ، بانتقاده ممارسات النظام العسكري القمعي الحاكم الآن في مجال الحقوق والحريات ومدنية الدولة وضرورة أن ينأى الجيش بنفسه عن معترك السياسة ويبقى حارساً للحدود كما يطنطن الآن وهو من استدعاه بنفسه ليخلص البلاد من نظام الإخوان فى برجماتية سياسية مقززة لكسب تعاطف أكبر كتلة ثورية ممكنة في دغدغةٍ لمشاعرهم بذات المصطلحات النظرية التقليدية ليس لشيء سوى المصلحة الشخصية فى الوثوب على كرسي السلطة بأي وسيلةٍ كانت والمصلحة وحدها هي التي تحدد وتحكم تحركات الرجل مثلما فعل معه رفقاء الدرب تماماً من الناصريين فانقلبوا عليه وتخلوا عن مشروع عبد الناصر الذي كانوا حتى وقتٍ قريب وقبل 30 يونيو يرونه فى شخص حمدين.

لكن عندما تتعارض المصالح مع المبادئ فلتذهب المبادئ إلى الجحيم ، فالمصلحة هي من حوّلت بوصلة شخصيات ناصرية حتى النخاع أمثال ( الكاتب الصحفي العجوز محمد حسنين هيكل - عبد الحكيم عبد الناصر ود. هدى عبد الناصر-  الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى – المخرج خالد يوسف – الكاتب الصحفي مصطفى بكرى – الكاتبة السبعينية فريدة الشوباشي – الكاتب الصحفي عبد الله السنّاوي – والكاتب الصحفي جمال فهمي .. وغيرهم كُثُر) كانوا من أشد الداعمين لحمدين قبل 30 يونيو فكرياً ورئاسياً فأشاحوا بوجوههم عنه على اعتبار أنه الآن لا يمثل الثورة وربما أحد أذرع الإخوان وخلاياها النائمة كما ذهب بعض المهووسين خوفاً ورهباً من الجنرال ، والعجيب أن المعارضين لحمدين والمؤيدين للجنرال ينظرون إليهما على أنهما خليفة لجمال عبد الناصر وكأننا أمام مرشحين لنفس الشخص حيث عبد الناصر ينافس عبد الناصر وكلٌ حسب نواياه ذلك أن عبد الناصر العسكري هو الأوفر حظاً من الآخر المتمسح فى رداء المدنية لكن القاسم المشترك بين الرجلين هو الكره والكيد للإخوان المسلمين.

 هذا بينما يرى البعض أن ما يحدث الآن ما هو إلا مسرحية هزلية متفق عليها ومعدّة سلفاً يلعب فيها حمدين دور المجمّل والمحلّل للمسرحية بل والكومبارس ليتم إخراجها بالشكل والمستوى المطلوب تصديره وإثباته لزوم النزاهة وإصباغ نوعاً من الشرعية المطعون فيها بالأساس ، وبهذا يصبح حمدين بالنسبة للجنرال مرشح ضرورة آخر لخدمة الحبكة الدرامية أو كما يقولون (المخرج عايز كده).
التعليقات (0)