صحافة إسرائيلية

صحيفة إسرائيلية: لا حل عسكريا في سوريا

مقاتلون سوريون معارضون للأسد (ارشيفية) ا ف ب
مقاتلون سوريون معارضون للأسد (ارشيفية) ا ف ب
تناول الكاتب الاسرائيلي ايتمار رابينوبيتش في صحيفة "نظرة عليا" اليوم الخميس الشان السوري.

ويعتقد رابينوفتش أن ميزان القوى يميل يميل الآن لصالح نظام بشار الأسد، بينما المعارضة تضعف.

في الوضع الحالي، يبدو أنه لا يوجد حل عسكري للازمة، بالتأكيد ليس الحل العسكري المرغوب فيه. ففي اثناء 2012 وبداية 2013 كان يخيل ان المعارضة قادرة على الحاق الهزيمة بالنظام، اما اليوم فيبدو أنها عديمة القدرة على عمل ذلك. فالنظام ينال الزخم، ولكن طفيفة امكانية أن يثبت مكانته بنجاعة في ارجاء سوريا. حل دبلوماسي – سياسي هو الامكانية الافضل

ميزان القوى في الحرب الاهلية في سوريا يتغير. بشار الاسد ونظامه ينالان الزخم بينما المعارضة تضعف، ويبدو أن بعضا من مؤيديها التقليديين الهامين يعيدون النظر في مواقفهم. من المهم الوقوف عند طبيعة وحجم هذه الميول الجديدة، وفحص الامكانيات المتوفرة للمؤيدين للانتقال لنظام اكثر ديمقراطية واعتدالا نسبيا في سوريا مثلما ايضا لاولئك المعنيين أولا وقبل كل شيء بتحقيق الاستقرار في بلادهم وفي المنطقة. 

ان انتصار النظام في القصير في حزيران 2013 شكل انتقالا الى مرحلة جديدة للحرب الاهلية في سوريا. فقد ضمن جهد كثيف من ايران وذراعها التنفيذي حزب الله السيطرة على النقطة الاستراتيجية، وفي اعقابها تحقق تقدم بطيء وتدريجي في مناطق اخرى ايضا.

 ومع ان المعارك تتواصل ومنظمات المعارضة تسجل انجازات، ولكن في الصورة العامة، يتقدم النظام في طريقه الى تحقيق سيطرة على المحور المركزي في سوريا والذي يمر من دمشق الى حلب، مع فروع نحو الغرب باتجاه المنطقة العلوية والشاطيء، وجنوبا نحو درعا. ويعد الانتصار في القلمون، قرب الحدود اللبنانية بارزا في الانجازات الاخيرة للنظام. 

ان الميل الذي بدأ في حزيران 2013 تعزز في اعقاب أزمة السلاح الكيميائي في آب من هذه السنة. وللمفارقة، فان الحدث بالذات الذي كاد يؤدي الى هجوم جوي شديد كعقاب امريكي، انتهى بمثابة انجاز للنظام الذي سبق ان استخدم السلاح الكيميائي ضد ابناء شعب.

 وبالفعل، يوشك الاسد على خسارة معظم مخزونه من السلاح الكيميائي ان لم يكن كله، ولكن الامر بث فيه روح حياة جديدة، وذلك لانه اصبح شريكا حيويا في تطبيق الاتفاق الامريكي – الروسي. وفضلا عن ذلك، فان روسيا، الداعمة الدولية الرائدة له، ثبتت مكانتها كعامل مؤثر سواء في سياق الازمة في سوريا أم في الشرق الاوسط بشكل عام. وفي العالم العربي الشكاك اكثر من أي وقت مضى، فان الاعتقاد السائد هو ان ما بدأ كتفاهم محدود في مسألة السلاح الكيميائي هو مجرد خطوة اولى في الطريق الى اتفاق واسع سيتضمن حلا دبلوماسيا – سياسيا للازمة السورية، والذي سيميل الى صالح الاسد ونظامه. واشتدت مصادر القلق هذه في الشهر الاخير في اعقاب التوقيع على اتفاق جنيف بين ايران والدول العظمى الستة والمكتشفات بشأن المفاوضات السرية التي سبقته، بين الامريكيين والايرانيين.

 ويخشى خصوم ايران في الخليج، في سوريا وفي لبنان من ان يكون الاتفاق ادى او سيؤدي الى تقارب متجدد بين ايران والولايات المتحدة والى تلطيف حدة المنافسة في الشرق الاوسط والذي يحتمل أن يتضمن تفاهما في شكل حل دبلوماسي – سياسي في سوريا. وهذا السيناريو ايضا يبدو في نظر اعداء الاسد كامكانية كامنة لتعزيز مكانته. وبشكل ملموس اكثر – من الصعب التصور كيف يمكن لمؤتمر جنيف 2 في موضوع سوريا، والذي سينعقد في 22 كانون الثاني 2014 (اذا لم يؤجل) والذي سيستضيف روسيا وايران حول طاولة المباحثات، سينتهي برحيل الاسد عن كرسيه.

وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، اعرب عن تأييده لمشاركة ايران في هذا المؤتمر، ووزير الخارجية البريطاني، وليم هيغ، القى كلمة بروح مشابهة وعلى ما يبدو بعث بدبلوماسي بريطاني الى طهران للبحث في المسألة. 
 
وفضلا عن هذه التطورات، احتدمت المشاكل التي شغلت بال المعارضة واقلقت مؤيديها منذ بدء الحرب الاهلية على مدى الاشهر الاخيرة: فالمجلس الوطني السوري ضعيف، منقسم وعديم النفوذ على الارض. الجيش السوري الحر بقيادة الجنرال سليم ادريس لم ينجح في ان يصبح المنظمة العسكرية السائدة، وبالتأكيد ليس المنظمة العسكرية الموحدة التي كان يفترض بها أن تكون. ويبدو أن منظمات الجهاد ولا سيما جبهة النصرة ومنظمة "الدولة الاسلامية للعراق والشام" هي العنصر الاكثر تأثيرا في المعارضة، ولكن رؤياها، خطتها وسلوكها في المناطق التي تحت سيطرتها تبعث النفور في اوساط السوريين والاسرة الدولية. لقد نجح النظام جدا، مؤخرا في أن يضع نفسه بصفته المعقل العلماني والواعد للاستقرار في ظل صده لموجة الارهاب الاسلامي في سوريا. ولم يتمكن مؤيدو المعارضة – "اصدقاء سوريا" – في الماضي وفي الحاضر من العمل بانسجام.

 بعض نشاطهم منسق، ولكن في مرات عديدة تجدهم يسعون الى اهداف متضاربة. السعودية تنفر من الاخوان المسلمين ولكن هؤلاء ينالون دعم قطر. ومتبرعون خاصون في دول الخليج ممن يرعون المنظمات المختلفة، يضيفون الى الفوضى العامة. ومؤخرا تبين ايضا انه في اوساط بعض من "اصدقاء سوريا" في اوروبا يتعاظم الخوف بالاساس من امكانية ان يعود مواطنوهم من نشاطاتهم كمقاتلي جهاد في سوريا وهم مدربون ومجهزون فينفذوا عمليات ارهابية في أوطانهم. ويؤدي هذا القلق بهذه المحافل الى الاستعداد لهجر التزامهم الاصلي بتغيير النظام في سوريا. 

نظرة قريبة الى سياق الحرب الاهلية في سوريا سرعان ما ستبين انه لا توجد معارضة واحدة وان هذا المفهوم يتناول عدد كبير من المنظمات المحلية، المشاركة في القتال دون ان تكون تابعة لاي جهة أو بلا تنسيق مع مرجعية مركزية ما. ويبدو أن السعوديين استخلصوا استنتاجاتهم من الوضع، حين اصبحوا القوة الاساس  خلف اقامة "الجبهة الاسلامية" الجديدة. منظمة عليا تتشكل من عدة منظمات اسلامية لا تعتبر متطرفة وغير قريبة من الاخوان المسلمين.

وكما يبدو، فان هذه المنظمة هي التي اقتحمت القاعدة العسكرية السورية وسيطرت على مخزون السلاح الذي كان هناك. والحجة التي استخدمتها هي ومؤيديها لتبرير العملية كانت انها سبقت فقط منظمات الجهاد. في كل الاحوال، ادى الامر بالولايات المتحدة وبريطانيا للاعن عن تجميد توريد السلاح غير الفتاك للجيش السوري الحر. والحق هذا الاعلان ضررا شديدا بالجيش السوري الحر وكل حركات المعارضة المناهضة للنظام في سوريا.

 تصريحات هدامة أقل، وان كانت لا تزال ضارة بالمعارضة، اطلقها الدبلوماسي الامريكي السابق، ريان كروكر، ورئيس السي.اي.ايه السابق، الجنرال مايكل هايدن، ورئيس الاركان الاسرائيلي السابق دان حلوتس. وكلهم أعربوا او المحوا بوضوح بان الاسد "الشيطان الذي نعرفه"، هو بعد كل شيء بديل افضل من سيطرة الجهاد على سوريا. 

في ضوء هذه التطورات، فان السؤال الذي ينشأ بطبيعة الحال هو "أي امكانيات قائمة امام الولايات المتحدة وحلفائها في اوروبا وفي الشرق الاوسط، بعد أن دعموا المعارضة من بداية الطريق واعلنوا عن أن الاسد فقد شرعيته وان عليه أن يخلي كرسيه؟

في الوضع الحالي، يبدو أنه لا يوجد حل عسكري للازمة، بالتأكيد ليس الحل العسكري المرغوب فيه. ففي اثناء 2012 وبداية 2013 كان يخيل ان المعارضة قادرة على الحاق الهزيمة بالنظام، اما اليوم فيبدو أنها عديمة القدرة على عمل ذلك. فالنظام ينال الزخم، ولكن طفيفة امكانية أن يثبت مكانته بنجاعة في ارجاء سوريا. حل دبلوماسي – سياسي هو الامكانية الافضل، ولكن في ضوء الزخم الجديد للاسد والدعم من سوريا وايران، مشكوك أن يكون مستعدا للتخلي عن مكانه. في كل الاحوال، اذا ما تبينت مسيرة جنيف بانها تعطي نتيجة مجدية، فسيكون مؤيدو المعارضة ملزمين بالحصول على رافعة ليست في ايديهم حاليا. 

أولا، على المعارضة أن تضع في مقدمة نشاطها شخصيات يعملون كزعماء سياسيين وعسكريين لها. ويتعين على هؤلاء أن يبلوروا الجهود العسكرية والسياسية، جزئيا على الاقل، كي يعتبروا في الرأي العام في سوريا، في الدول العربية وفي الاسرة الدولية بانهم يتصدرون قيادة المعارضة وبانهم بديل مصداق للنظام. اذا لم ينجحوا في ذلك فستكون حاجة الى تبني التكتيك السعودي لعمل ناجع مع منظمات محلية وتنظيمات اصغر من القوى المحلية، وتوسيعها الى حجوم أكبر.

واضح ان الحكومة الغربية لا تسيطر على الامور التي يقولها رجال الحكم السابقين، ولكن مقرري السياسة والدبلوماسيين القائمين ملزمون بان يكونوا حذرين والا يعملوا ضد المعارضة من خلال اعمال وتصريحات تلمح بانها ليست بديلا مصداقا للاسد او باقوال عن "الشيطان الذي نعرفه" هو البديل الافضل من الجهاد. 

وأخيرا، من المهم أن نتذكر بان المسائل المركزية التي على جدول الاعمال في الشرق الاوسط ترتبط الواحدة بالاخرى وان للاعمال والتصريحات في السياق الايراني توجد آثار على سوريا، وبالعكس. ففي الشهر الماضي فقط عاد وصرح وزير الخارجية الامريكي جون كيري بان الولايات المتحدة "تعتقد بان الاسد فقد كل شرعية للحكم في سوريا وانه ملزم بالرحيل.

كل سلوك دبلوماسي في جنيف او حوار مع روسيا وايران يدل على ان هذا لم يعد هو موقف الولايات المتحدة، سيلقي بظلال ثقيلة على مصداقية وزارة الخارجية والادارة باسرها وسيجر آثارا على ساحات اخرى. ادارة تتطلع بالتوازي الى حل مشكلة النووي الايراني، التفاوض على اتفاق دائم نهائي بين اسرائيل والفلسطينيين وترتيب الوضع في سوريا، لا بد تعرف بان اعمالها وتصريحاتها في كل واحدة من هذه الساحات سيلقي باصدائه تماما في الساحتين الاخريين.
التعليقات (0)