مقابلات

أحمد طعمة لـ"عربي21": الأسد عقد صفقة مع الغرب على حساب غزة (فيديو)

أحمد طعمة كشف أن الجولة المقبلة من مباحثات أستانا ستُعقد خلال شهر تموز/ يوليو المقبل- عربي21
أحمد طعمة كشف أن الجولة المقبلة من مباحثات أستانا ستُعقد خلال شهر تموز/ يوليو المقبل- عربي21
أرجع رئيس الحكومة السورية المؤقتة السابق ورئيس وفد المعارضة إلى مباحثات "أستانا"، الدكتور أحمد طعمة، عدم فتح النظام السوري جبهة جديدة ضد الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب العدوان على غزة إلى "وجود صفقة بين النظام والغرب".

وقال إن "الأسد تعّهد بموجب تلك الصفقة بأنه لن يتدخل في حرب غزة، بل ومنع أي مظاهرة في سوريا لدعم غزة، وأجهض أي تحرك يمكن أن يقوم به الفلسطينيون في سوريا، لأنه يريد العودة إلى مفهوم (الدولة المارقة)، بمعنى أن تسكت عنه الدول الغربية، وأن يستعيد سيطرته على الأراضي السورية، والشعب السوري".

وعلى صعيد آخر، كشف طعمة، في مقابلة مصورة مع "عربي21"، أن "الجولة المقبلة من مباحثات أستانا ستُعقد خلال شهر تموز/ يوليو المقبل"، لافتا إلى أن "تلك الجولة ستناقش مواضيع ساخنة، مثل موضوع اللاجئين، وإدخال المساعدات عبر الحدود، وغيرها من القضايا الأخرى التي سنعمل من أجل التوصل إلى نتائج إيجابية بشأنها".


وأشار طعمة إلى أن "القضية السورية من أعقد القضايا في العالم، ولعل من أكبر مشكلاتها أنها جاءت في زمن يشهد قمة الاستقطاب بين المعسكرين الشرقي والغربي"، مؤكدا أن "المعسكر الشرقي قام – في ظل تكاسل وتخاذل المعسكر الغربي - بعرقلة كل إمكانية لتطبيق الحلول المقترحة، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي".

وتابع: "المجتمع الدولي بعد أن ضمن أن حالة التبريد العسكري في سوريا قد تحققت إلى حد ما، ومع صعوبة تطبيق الحل السياسي، ذهب نحو الإبقاء على الوضع الحالي كما هو عليه، أملا في حدوث ضعف في أحد المعسكرين الشرقي أو الغربي، أو يأتي الحل من الداخل كأن ينهار النظام السوري، أو تنهار المعارضة، أو الوصول إلى مرحلة الإرهاق لدى كل الأطراف، وعندها يمكن أن تُطرح حلول مقبولة من الأطراف الإقليمية والدولية".

وتاليا نص المقابلة المصورة مع "عربي21":

كيف ترى المشهد في سوريا اليوم بعد مرور أكثر من 13 عاما على اندلاع الثورة السورية؟


القضية السورية من أعقد القضايا في العالم، ولعل من أكبر مشكلاتها أنها جاءت في زمن يشهد قمة الاستقطاب بين المعسكرين الشرقي والغربي، والمعسكران ينظران إليها باعتبارها مجالا للصراع مع المعسكر الآخر، وليست قضية حقوق إنسان، أو قضية حرية وعدالة اجتماعية. لذا قام المعسكر الشرقي –في ظل تكاسل وتخاذل المعسكر الغربي- بعرقلة كل إمكانية لتطبيق الحلول المقترحة، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي.

والنتيجة التي وصلنا إليها الآن هي نتيجة متوقعة، وخلاصتها أن المشهد السوري في حالة من عدم الحراك، لا في الناحية السياسية، ولا في الناحية العسكرية.

وأعتقد أن المجتمع الدولي بعد أن ضمن أن حالة "التبريد العسكري" في سوريا قد تحققت إلى حد ما، ومع صعوبة تطبيق الحل السياسي ذهب نحو الإبقاء على الوضع الحالي كما هو عليه، أملا في حدوث ضعفا في أحد المعسكرين الشرقي أو الغربي، أو يأتي الحل من الداخل كأن ينهار النظام السوري، أو تنهار المعارضة، أو الوصول لمرحلة الإرهاق لدى كل الأطراف، وعندها يمكن أن تُطرح حلولا مقبولة من الأطراف الإقليمية والدولية.

هل العدوان الإسرائيلي على غزة وحرب أوكرانيا أدّيا إلى تراجع الاهتمام العالمي والإقليمي بالأزمة السورية؟

بالطبع ساهمت حرب أوكرانيا، والحرب على غزة، في تناقص الاهتمام الدولي بالملف السوري، ولكن أرى أن عدم الاهتمام بالملف السوري (من الناحية السياسية) قد بدأ منذ أمد بعيد، وتحديدا منذ اللحظة التي أعلن فيها مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، استقالته، وأبلغ المجتمع الدولي: "في ظل الظروف الحالية وعدم اتفاق الأطراف الدولية على حل يمكن فرضه على النظام السوري، فإنه لا حل على الإطلاق".

وبعد تعيين ستيفان دي ميستورا، ومن بعده جير بيدرسون، وكلاهما خبيرٌ في إدارة الأزمات وليس في حلها، ذهبت الأمور باتجاه "تمييع وتبريد" القضية، على أمل أن تُحل يوما ما، ثم ذهبوا باتجاه تبريد الواقع العسكري على الأرض من خلال مسار «أستانا»، وأعتقد أنهم نجحوا نسبيا في ذلك، وخاصة بعد التوقيع على وقف إطلاق النار برعاية روسية تركية في الخامس من آذار/ مارس 2020.

وحينئذ أصبحت كل الأطراف على المحك، وطالما حصل التبريد العسكري، فينبغي الذهاب باتجاه الحل السياسي، ولكن لا توجد أسس للحل، ولا توجد قوة ضاغطة على النظام لتجبره على قبول الحل السياسي، وكان المقترح هو تشكيل لجنة دستورية لتغيير الدستور السوري، الذي يعطي صلاحيات "شبه إلهية" لرئيس الجمهورية "رأس النظام السوري"، وكان المقترح أساسا أو بوابة للحل في سوريا.

ولكن النظام السوري لا يريد الدخول في أي مفاوضات سياسية، ويعرقل كل شيء، ويصر على الحل العسكري أو الحل "الانتظاري"؛ فهو لم يستطع في السنوات الماضية أن يقهر المعارضة، ولا أن يعيد الأراضي التي حرّرها الشعب السوري بدماء أبنائه إلى "القمقم" الذي وضع فيه الشعب السوري منذ الانقلاب المشؤوم في الثامن من آذار/ مارس عام 1963، لذا هو في حالة انتظار وترقب.

النظام السوري نظام محظوظ منذ نشأته، ويستفيد كثيرا من الصفقات الدولية، كما يستفيد من الأزمات العالمية التي تنعكس عليه بالإيجاب، ومثال ذلك: عندما احتاج الأمريكان إلى النظام السوري في 1990، وكان يومئذ مُصنفا "نظاما مارقا" واحتاج الأمريكان إلى دعمه لإخراج صدام حسين من الكويت؛ فاستفاد النظام من هذه الحادثة، وأعيد احتوائه ضمن المجتمع الدولي.

وأيضا بعد مقتل رفيق الحريري دخل على خط الأزمة، ثم أجبر على الخروج من لبنان، وفي عام 2008 قام الرئيس الفرنسي «ساركوزي» -في ظل ظروف دولية- بإعادة احتوائه ضمن المجتمع الدولي.

وحتى هذه اللحظة، يعتقد النظام أن بإمكانه تكرار هذه المسألة، وأنه يوما ما إذا استطاع الصمود -مع حلفائه إيران وروسيا ومن خلفهم الصين– لعشر سنوات أو خمسة عشر سنة فإن المجتمع الدولي سوف يمل، ويتجه نحو الإقرار ببقائه كأمر واقع، وهذا كل ما يريده: أن يعود إلى مفهوم "الدولة المارقة".

هناك تقارير أشارت إلى وجود تعزيزات أمنية كبيرة حول محافظة السويداء.. فهل يجهز النظام لعمل عسكري في السويداء؟

النظام السوري لا يريد أي نوع من أنواع التظاهر السلمي، ولا يريد الاستجابة لأي مطلب من مطالب الشعب السوري، لذا فاستخدام الحشود العسكرية سواء للتهديد أو للتنفيذ هو أمر وارد.

ولكن تقديري: إذا استمر الحراك في السويداء سلميا، فلن يجد النظام الحجة ليقوم بعمل عسكري على نطاق واسع ليخمد المظاهرات السلمية، لكن كل شيء وارد مع مثل هذه الأنظمة المجرمة، و"الإبادية"؛ فالنظام السوري يعرف في المجتمع الدولي بأنه "نظام إبادي" وليس مجرد نظام ديكتاتوري، ويمكن أن تتوقع منه كل شيء، فشعاره الأساسي "الشعب هو العدو الأول".

هل تتوقع استمرار الاحتجاجات في السويداء بشكل سلمي أم إنها ستأخذ منحى العسكرة؟

مَن يدير قضية السويداء هم أناس عقلاء وحكماء استفادوا كثيرا من تجربة الثورة السورية، ولعل من حسن حظهم أن الظروف الآن في ظل الضغوط الهائلة على الشعب السوري الواقع تحت سيطرة النظام من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، ساهمت مساهمة كبيرة في عدم الذهاب نحو العسكرة، وأعتقد أنهم سيستمرون في ذلك، ونحن نحييهم، ونشد على أياديهم، ونقول للعالم: تابعوا الحراك السلمي النابع من داخل السويداء، وليس بتأثيرات خارجية.

هل تقر بأن الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه الثورة السورية هو عسكرة الثورة وحمل السلاح؟

لا أقول هذا؛ فنظام الإجرام والإبادة أجبر الناس على حمل السلاح، فماذا يفعل الناس إذا كان نظام الإجرام والإبادة قد ذهب إلى قتل الناس في الشوارع، وعدم السماح بأي مظاهرة سلمية، بل ذهب إلى عدم التعاطي مع أي حق من حقوق هؤلاء الناس؛ فقد كانت الناس تطالب بمطلبين أساسيين هما: عدالة اجتماعية، وهذا لم يكن متحققا بسبب النظام الفاسد القائم على سياسة الامتيازات، والمنافع له ولمن حوله، والمطلب الثاني: الحرية؛ فلم يكن يضمن أي مواطن سوري -منذ أكثر من 50 عاما- ألا تأتيه "خفافيش الظلام" فجرا لتعتقله إذا نام في الليل، وتذهب به إلى غياهب السجون حيث لا يعلم أمره إلا الله؛ فالداخل إلى السجون السورية مفقود، والخارج منها هو مولود، وهو الشعار الأساسي في سجون سوريا.

لماذا فشل النظام السوري في إجبار أهالي السويداء على عسكرة الحراك وحمل السلاح؟

لأن العقلاء هم مَن أداروا المشهد في السويداء، والكثير من حكمائهم استطاعوا التأثير في الناس، وأبناء السويداء يستمعون لعقلائهم وحكمائهم، فضلا عن الظروف المعيشية القاسية، وعدم التدخل من قِبل الأطراف الخارجية، وهذا ما جعل أهل السويداء يجنحون للتأكيد على الحراك السلمي، خاصة بعد تأكدهم أن هذا الحراك يؤدي إلى نتائج ايجابية.

ورغم أن النظام السوري يحاول بين الفينة والأخرى أن يفسد بعض الأمور لكي يوجِد حجة للقيام باجتياح ما، لكن هذا لم يحصل حتى اللحظة، ونرجو من الله ألا يحصل.

وأين كان هؤلاء العقلاء في المعارضة إبان اندلاع الثورة السورية ليمنعوا النظام من إجبار الشعب على عسكرة الحراك؟

النظام السوري هو الذي أجبر الناس للاتجاه نحو العسكرة، وكان هذا اتجاه لا بد منه، ورغم انتمائي إلى الجناح السلمي، والدفاع عنه بكل قوة منذ بداية الثورة، ولكن كان هذا قدرنا.

الظروف التي كانت في بداية الثورة تختلف عن الظروف الحالية، وسوريا لم تخلُ يوما من العقلاء والحكماء، ولكن ماذا يفعل الناس إذا كان النظام يواجههم بهذه الطريقة الوحشية.

كيف ترى قيام أمريكا بسحب مشروع مناهضة التطبيع مع نظام الأسد؟

الولايات المتحدة لم تسحب مشروع مناهضة التطبيع مع النظام السوري، وأعتقد أن المشروع ما زال قائما، ولكن الذي توقف هو مشروع مناهضة الكبتاجون الثاني.

وأعتقد أن النظام السوري قد أرسل رسائل ما تتعلق بملف غزة مفادها: "أنني سأقف موقفا ما من غزة"، وربما تكون هذه المسألة جزء من صفقات أخرى.

أما مشروع مناهضة التطبيع فقد تمت المصادقة عليه في الكونغرس، ومجلس الشيوخ، وسينفذ عاجلا أم آجلا، ولكن كل إدارة أمريكية تستطيع تأجيله حينا من الدهر.

كيف تقيم موقف النظام من حرب غزة؟ ولماذا لم يفتح جبهة ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن؟

النظام السوري يعتاد إبرام الصفقات، وأكد أنه لن يتدخل في حرب غزة، بل ومنع أي مظاهرة في سوريا لدعم غزة، وهناك الكثير من الاتهامات بأنه ساهم مساهمة عكسية من خلال تقديم المعلومات من داخل سوريا لإجهاض أي تحرك يمكن أن يقوم به الفلسطينيون في سوريا.

بشار الأسد كشف مؤخرا عن "لقاءات تُجرى مع الأمريكيين بين الحين والآخر، مؤكدا أن "كل شيء سيتغير".. فكيف ترى موقف أمريكا من النظام؟

الموقف الأمريكي لم يتغير، وما قاله بشار الأسد ليس بالضرورة صحيحا؛ فربما يحاول أن يرسل رسائل للأمريكان بأنه مستعد للتفاهم معهم، ولا أعتقد أن الخط العام للأمريكان قد تغير، ولكن في ظل الظروف الحالية، وخصوصا بعد حرب غزة ربما تبرم صفقة جزئية في ملفات متعددة، لكن بحسب المعطيات التي لدي لا أزال أعتقد أنه لم يتغير شيء، ولا بد للنظام السوري أن ينصاع للقرارات الدولية، وأن يقبل قرار مجلس الأمن 2254، وأن يتجه نحو الحل السياسي الذي ينتج عنه انتقال سياسي للسلطة، وأن تتحول سوريا من بلد ديكتاتوري إلى دولة مدنية ديموقراطية.

ما أبعاد صفقة النظام السوري التي تتحدث عنها؟

النظام السوري يريد العودة إلى مفهوم "الدولة المارقة"، بمعنى أن تسكت عنه الدول الغربية، وأن يستعيد سيطرته على الأراضي السورية، والشعب السوري، ومفهوم الدولة المارقة مفهوم معروف في الأعراف الدولية، وتعني التهرب من القرارات والاتفاقات الدولية التي تلزمه بالانتقال السياسي، ويظل يتعامل مع أربع أو خمس دول يستطيع من خلالها أن يعيش ولو بالحد الأدنى من مقومات الحياة، وأن يستمر في بخس الناس حقوقهم، والتعامل معهم بسوء، وأن يذيقهم سوء العذاب، فلا حريات سياسية، ولا تحسن في الاقتصاد، ولا عيشة كريمة.

لماذا لا يوجد أي تقدم ملموس في مسار الحل السياسي حتى الآن؟

النظام السوري -منذ اليوم الأول- لا يريد أي حل سياسي، وهو ما كان يُصرّح به دوما؛ فليس لديه سوى الحل العسكري، وأن يعيد الناس إلى ما كانوا عليه قبل 15 آذار/ مارس 2011 والشعب السوري هو عدوه الأول، وإعادة الناس إلى "القمقم" الذي وضعهم فيه النظام البعثي الطائفي منذ تأسيسه.

هذه الأنظمة لا يمكن أن تعيش في أجواء من الحريات، أو أجواء من الرأي والرأي الآخر، أو في أجواء ديمقراطية، أو أجواء يطرح فيها قضايا الإنسان، لهذا السبب نحن مقتنعون بأنه لا أمل مع مثل هذه الأنظمة الإبادية، وقلناها مرارا وتكرارا: "الأنظمة الإبادية لا ينفع معها أي حل سياسي من قِبل المجتمع الدولي".

لكن البعض يُرجع سبب فشل مسار الحل السياسي إلى علو سقف طموحات المعارضة.. ما تعقيبكم؟

نحن لم نطلب غير تنفيذ القرارات الدولية، بيان «جنيف 1» الصادر في 30 حزيران/ يونيو 2012 وبعده قرار مجلس الأمن 2118، والذي نص على جسم حكم انتقالي كامل الصلاحيات التنفيذية بالتوافق بين الطرفين، ثم جاء قرار مجلس الأمن 2254 وكان قرارا تفصيليا لما سبق، وكلها قرارات طرحها علينا المجتمع الدولي.

وهو الذي طرح علينا مسألة تغيير الدستور، وقال بأن سوريا بحاجة إلى دستور جديد، وأن تغيير الدستور هو بوابة الحل السياسي، فقلنا: حسنا، نذهب باتجاه اللجنة الدستورية، ثم طرح المجتمع الدولي اجراءات وتدابير بناء الثقة، من خلال "خطوة مقابل خطوة"، وغير ذلك من الحلول التي طرحت، وكنا نقول دائما: كل شيء يصب في صالح الشعب السوري وقضيته الرئيسية (الحرية، والعدالة الاجتماعية) فنحن معه ونؤيده.

ولا يمكن أن نطالب بمطالب خيالية، بل على العكس نطالب بمطالب واقعية تضمن الحد الأدنى من الحرية والكرامة للشعب السوري.

مسار أستانا انطلق في كانون الثاني/ يناير 2017 برعاية روسيا وضم كلا من تركيا وإيران.. فما النتائج التي حققها حتى الآن؟

مسار أستانا قدّم إنجازات معقولة، ولا أقول ممتازة جدا؛ ففي ظل التواجد الروسي، والإيراني، ونظام الإبادة لا يمكن الحصول على كل ما تريد، ولكن المسار قد حقق "التبريد العسكري" النسبي، والاتفاق الذي وقعه الرئيسان بوتين وأردوغان في 5 آذار/ مارس عام 2020 قد ضمن خطوط التماس، ومنع تقدم قوات النظام السوري كقوات عسكرية خارج هذه المناطق، وحظينا في الشمال المحرر بأمان نسبي.

وفي مسار أستانا الآن نعالج الانتهاكات التي يقوم بها النظام المجرم، والجيش الوطني يرد بقوة على تلك الانتهاكات التي يقوم بها النظام، لذا فإن القول بأن مسار أستانا لم يحقق شيئا غير صحيح، فقد تحققت منجزات معقولة، وجهزنا الأرضية المناسبة للبدء في الحل السياسي.

بالمناسبة لقاءات «لافروف – كيري» في عام 2016 ذهبت في اتجاهين، الاتجاه الأول: تبريد الواقع العسكري على الأرض تمهيدا للنقطة الثانية وهي استئناف الحل السياسي الذي يمكن أن يوصل إلى حل.

كُلف «أستانا» بإجماع مجلس الأمن على القرار رقم 2336، والذي شرعن مسار أستانا في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2016 وقد تمت الموافقة عليه من قِبل جميع الأعضاء، وعلى هذا الأساس ساروا بهذا المسار من أجل تبريد الواقع العسكري.

من جهتنا: فإن حليفنا التركي لم يقصر أبدا في هذا المنحى، واستطعنا معا أن نحقق أشياء معقولة، فكما قلت: حصلنا على الأمان النسبي، ثم جهزت الأرضية لاستئناف الحل السياسي.

ومن الأشياء التي أخفقنا فيها أنه بعد أن تحقق تبريد الواقع العسكري على الأرض، لم يقم المجتمع الدولي بواجباته المطلوبة من أجل الضغط بشدة لتنفيذ الحل السياسي الذي أقرته الأمم المتحدة.

البعض يقول: إنكم قبلتم خيار تبريد الواقع العسكري على الأرض لأنكم كنتم في حالة ضعف، وإنكم فشلتم في حسم الأزمة عسكريا؟

القول بأننا لم نستطع حسم المسألة عسكريا فهذا صحيح، فلو استطعنا حسم المسألة عسكريا لكان الأمر تغيير، وأيضا لو استطاع النظام السوري حسم القضية عسكريا لما أبقى منا فردا على قيد الحياة، ولكن نحن أمام واقع نريد من خلاله إنقاذ الشعب السوري، وإخراجه من الحالة المأساوية التي تسبّب فيها النظام السوري، وقبلنا الحل السياسي، وبذلنا قصارى جهدنا من أجل تحقيق الحل السياسي.

وفي الوقت نفسه لم ننس تنمية قدراتنا في الشمال المحرر، وتحسين مستوى الحوكمة، وأعتقد أن هذا أيضا قد تحقق ولو نسبيا.

متى ستُعقد الجولة المقبلة من مباحثات أستانا؟

بيان أستانا الأخير حدّد أن الجولة القادمة ستعقد في النصف الثاني من هذا العام، وفي تقديري أن اللقاء القادم سيكون في شهر تموز/ يوليو المقبل.

وهل أنتم متفائلون بالمخرجات التي ستنتهي إليها الجولة المرتقبة؟

بعد أن وقع اتفاق وقف إطلاق النار من آذار/ مارس 2020 تم تثبيت خطوط التماس، ومنع القوات من تجاوز هذا الخط، ذهبنا باتجاه معالجة الانتهاكات التي تحصل، فضلا عن المواضيع الآنية المطروحة.

وكما تعلمون فإنه ابتداءً من «أستانا 8» أُدخل إلى المسار مناقشة بعض الملفات العالقة في جنيف؛ فعلى سبيل مثال: المجتمع الدولي كان يبحث عن مخرج يستأنف من خلاله العمل السياسي، فبعد أن بدأت ظهور بوادر تبريد الواقع العسكري على الأرض، بدأوا مناقشة موضوع اللجنة الدستورية، وعقد خلال مسار أستانا مؤتمر «سوتشي» الذي أقرت فيه اللجنة الدستورية، ثم أعيد الملف إلى جنيف، وباشر زملاؤنا في الأمم المتحدة المضي قُدما في هذا المسار.

أما ما يمكن طرحه خلال الأشهر القادمة، فهناك دائما مواضيع ساخنة، مثل موضوع اللاجئين، وإدخال المساعدات عبر الحدود، كل هذه القضايا يمكن مناقشتها، والعمل من أجل التوصل إلى نتائج إيجابية.

نحن نطرح في كل اللقاءات وجهة نظر الثورة السورية، ونُشدّد على حق الشعب السوري في الحصول على حريته وكرامته.

هل هناك وعود أممية أو غربية قُدّمت للمعارضة تفيد بأن الأسد لن يترشح لفترة رئاسية ثالثة؟

لم يعرض علينا هذا أبدا من أي دولة، ولو عُرض علينا لما قبلناه.

«غير بيدرسون» الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في سوريا، صرّح في كانون الثاني/ يناير 2022 بأنه "لا خلافات استراتيجية بين واشنطن وموسكو حول سوريا".. ما صحة ذلك اليوم؟

ظاهريا لا تبدو أن هناك خلافات بينهما، باعتبار أن كلاهما كان من الموافقين على بيان جنيف 1 وعلى قرار مجلس الأمن 2118 وعلى قرار 2254، ولكن عند الدخول في تفاصيل فإنهم يختلفون في تفسير كل فقرة.

سأضرب لك مثالا: عندما صدر بيان «جنيف 1» كان موقفنا في المعارضة أن نص الفقرة التي تقول: "إقامة جسم حكم انتقالي كامل الصلاحيات التنفيذية بالتوافق بين الطرفين"، وطالما وردت كلمة "التوافق بين الطرفين" فإذن نحن سلفا لن نقبل ببقاء بشار الأسد، ولا بد أن يرحل قبل تطبيق جسم الحكم الانتقالي.

في المقابل قال الروس: لا، هذا النص لا يتضمن هذه المسألة، وإنما فليتفاوض الطرفان، وإذا توصل الطرفان إلى نتيجة مفادها بقاء بشار الأسد، ووافق بشار الأسد على التنحي -وهذا مستحيل طبعا- فإن الأمر متروك للسوريين، هكذا يقولون "متروك للسوريين"، وأن الحل "سوري – سوري"، لكن عمليا من الصعب جدا تحقيق ذلك؛ فكانت حجة للتهرب من تنفيذ أي قرار من قرارات الأمم المتحدة.

ما سر إصرار روسيا على دعم نظام الأسد حتى الآن؟

هناك حالة استقطاب عالمي، ومعسكر شرقي ومعسكر غربي، والروس بمنتهى الوضوح يعتبرون الملف السوري من ملفات الاشتباك بينه وبين الغرب، بل ويتهمون المعارضة السورية بأن الغرب يستخدمها لمناكفة الروس، وأن القضية ليست قضية حرية، وعدالة اجتماعية، وحقوق إنسان، ونحن نقول: هذا الكلام غير صحيح.

مشكلتنا الأساسية في سوريا أن هناك مطالب بالعدالة الاجتماعية، والحرية، وهذا النظام الإجرامي والإبادي قد فتك بالحجر والبشر، ولا يرقب في مسلم إلا ولا ذمة، وفعل الأفاعيل بالشعب.

المشكلة بالنسبة لروسيا أنها تعتبر أن القضية هي جزء من الاستقطاب الدولي، وعليه فهم يدعمون النظام السوري بكل شيء من منطلق أن النظام السوري حليفنا ظاهريا في مواجهة المعسكر الغربي.

وزير الدفاع التركي يشار غولر، قال إن بلاده منفتحة على الحوار مع النظام السوري في حال أجرى انتخابات مستقلة وفاز بها، مشيرا إلى عقد اجتماعات مع النظام السوري سابقا في أستانا.. كيف استقبلتم هذه التصريحات؟

أريد أن أصحح أمرا يسيرا: وزير الدفاع التركي قال جملتين، الأولى أنهم منفتحون على النظام السوري إذا وافق على تغيير الدستور، وأجرى انتخابات حرة ونزيهة، ومَن يفوز بهذه الانتخابات الحرة والنزيهة فيمكن التعامل معه، ونحن موافقون على هذه المسألة، فليبدأ بالخطوة الأولى وهي تغيير الدستور.

وهل سيقبل النظام بانتخابات حرة ونزيهة في ظل بيئة آمنة ومحايدة كما أقرت الأمم المتحدة، الواقع أن النظام غير منفتح على هذا على الإطلاق، ولا يقبل بأي شيء من هذا.

في تقديري أن موقف وزير الدفاع التركي موقف مقبول، وهو يريد زيادة الضغط على النظام السوري من أجل الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، لكن لا أعتقد أن النظام السوري يمكن أن يفعل ذلك.

كيف تُفسّر بعض التصريحات الرسمية التركية السابقة التي أشارت إلى سعي أنقرة لمحاولة التطبيع مع النظام السوري؟

نحن كنّا قريبين جدا من هذا المنحى، وكان الأخوة الأتراك واضحين مع النظام السوري في هذه المسألة، وأن هناك ضرورة للالتزام بقرارات الأمم المتحدة، وهذا توافق عليه وتطالب به المعارضة السورية.

وأيضا عليه أن يأخذ بعين الاعتبار مسألة عودة اللاجئين الطوعية لحياة كريمة وآمنة، والنظام السوري لا يريد عودة أي لاجئ لجأ خارج سوريا، لأنه يعتبر هؤلاء اللاجئين قد تنسموا رياح الحرية، ولا يريد عودتهم.

ثم طلب الأخوة الأتراك من النظام السوري المساعدة في مسألة القضاء على الإرهاب، والمُتمثل في قوات "قسد"، لكن النظام لم يُحرّك ساكنا، ولم يطلق طلقة واحدة لمواجهة الإرهاب، بل تحالف مع الإرهاب في مواجهتنا ومواجهة الأخوة الأتراك.

كل المطالب التي طرحها الأخوة الأتراك كلها مطالب حقيقية، وصادقة، لكن النظام السوري لم يتعاطِ بشكل إيجابي، وفي النهاية فشلت كل هذه المحاولات، وكثيرون كانوا يرون أن اللجنة الرباعية هي التي ستستمر، ومسار أستانا هو الذي سيخفت.

كانوا يعتقدون أن اجتماعات اللجنة الرباعية التي كانت تجري في أستانا على هامش اجتماعات أستانا ستؤدي إلى نتيجة في التطبيع بين النظام السوري والجمهورية التركية، ففشلت فشلا ذريعا.

والخلاصة التي خلصوا إليها أنه لا يمكن أن نجد حلا منطقيا ومعقولا يضمن حق الشعب السوري في العيش، والحياة والكرامة في ظل وجود مثل هذه الأنظمة.

إلى أين تتجه الأوضاع في سوريا خلال الفترة المقبلة؟

هي في حالة مخاض، حتى يأذن الله سبحانه وتعالى بالتغيير، ولكن التغيير يحتاج إلى زمن، وإلى ظروف دولية مناسبة، ويحتاج إلى تغيير في عالم الأفكار التي نحملها، ويحملها غيرنا.

وحتى الذين كانوا بالقرب من النظام بدأوا بعد هذه التجربة المرة يعيدون النظر في أطروحاتهم، وأفكارهم، ويقولون: ماذا استفدنا مما جرى خلال السنوات الماضية، ولماذا قهرنا الشعب السوري؟، كنّا نعتقد أننا سننهي الثورة السورية في فترة وجيزة، لكن اكتشفوا أن صوت الحق، وصوت المطالبة بالحرية لم يخفت.
التعليقات (0)

خبر عاجل