ملفات وتقارير

"كارثية ولها ما بعدها".. ما توابع حزمة قرارات السيسي بزيادة الأجور والمعاشات؟

شملت قرارات السيسي رفع الحد الأدنى للأجور إلى 6 آلاف جنيه- الأناضول
شملت قرارات السيسي رفع الحد الأدنى للأجور إلى 6 آلاف جنيه- الأناضول
"انطلاقا من واجب الدولة لدعم المواطن في ظل الظروف الراهنة، فقد وجّهت الحكومة على اتخاذ حزمة من الإجراءات الاجتماعية العاجلة، التي تتضمن رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50 بالمئة، ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهريا". 

كان هذا جزءا من حزمة قرارات رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، أصدرها الأربعاء، وكتب نصها بموقع "إكس"، مضيفا: "كما وجهتُ الحكومة بزيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية، بين 1000 إلى 1200 جنيه شهريا بحسب الدرجة الوظيفية، اعتبارا من الشهر المقبل". 

وبحسب بيان مجلس الوزراء، فإن تلك الحزمة لتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين تتكلف 180 مليار جنيه، وتبدأ من راتب آذار/ مارس المقبل المتزامن مع شهر رمضان، فيما تأتي بعد علاوة أقرها السيسي في أيلول/ سبتمبر الماضي، لموظفي الحكومة بقيمة 300 جنيه، وبزيادة الحد الأدنى للدخل من 3500 إلى 4 آلاف جنيه. 

وشملت قرارات السيسي، إلى جانب رفع الحد الأدنى للأجور إلى 6 آلاف جنيه، زيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية، بين 1000 إلى 1200 جنيه، ورفع حد الإعفاء الضريبي للعاملين كافة، في القطاعين العام والخاص، بنسبة 33 بالمئة، من 45 ألفا إلى 60 ألف جنيه، وزيادة المعاشات بنسبة 15 بالمئة. 

"ردود أفعال المصريين" 
أنصار السيسي، رأوا أن حزمة الدعم "قرار ممتاز"، لكن مصريين أعربوا عن مخاوفهم من أن رفع الأجور وزيادة الحد الأدنى لها، سيتبعه رفع التجار للأسعار مجددا، وزيادة الضغط على ملايين المصريين من غير المشمولين بقرار الزيادة من غير الموظفين الحكوميين، ومن ثم تفاقم معدلات التضخم، مطالبين في المقابل بالسيطرة على الأسواق. 

فيما لفت البعض إلى أن حزمة الزيادات لن يستفيد منها إلا نسبة ضئيلة من المصريين، لا تتعدى 6 ملايين هم تقريبا عدد العاملين بالجهاز الإداري وبالإدارة المحلية والهيئات الخدمية والاقتصادية، من بين نحو 106 ملايين نسمة يعيشون في الداخل، وفق إعلان الجهاز المركزي للمحاسبات زيادة سكان مصر لهذا الرقم، الخميس. 

إظهار أخبار متعلقة


معارضون بينهم رئيس حزب "الفضيلة" محمود فتحي، رأوا أن لقرارات السيسي، جانبا سياسيا، مشيرين إلى أنها قرارات لامتصاص حالة الغضب الشعبي، مؤكدين أن وصول الحد الأدنى للأجور لـ6 آلاف جنيه لا يساوي 100 دولار،  وأنها زيادة لن تجدي مع الأوضاع الصعبة، وستتحول موجة الغلاء التي تنهش الشعب لتسونامي. 

وقال السياسي مجدي حمدان؛ إن "حزمة الإجراءات التي صدرت، أعدها كارثية، ولن تسد احتياجات المواطن، والأفضل كان رقابة جيدة للأسواق واضطلاع الحكومة بدورها تجاه المواطن، بدلا من تركه فريسة للسوق".  

وأضاف: "كما أنها من وجهة نظري، ستصنع حالة من الطباعة الجديدة للنقد المحلي، كما أعتقد أنها تمهيد لتعويم مطلق وقوي، وليس تعويما تدريجيا كما يحدث منذ أكثر من عام، ومن ثم ستتأكل كل الزيادات مع التضخم وارتفاع تكلفة سلة السلع الغذائية، وغالبا هناك زيادة ستتم في المحروقات".  

من جانبه، رأى الكاتب المتخصص في الشأن الاقتصادي محمد نصر الحويطي، أن "القرار جيد لموظفي الحكومة والمعاشات، لكنْ، له أبعاد ثانية"، مشيرا إلى أن "تلك الزيادة تحتاج تمويلا حتى لا تزيد من عجز الموازنة"، قائلا: "فحتميا سيكون هناك زيادة في أسعار (السلع والخدمات التي تقدمها الحكومة والدولة للمواطن، وأعتقد أبرزها الخبز، بالإضافة إلى الطاقة، وبعض السلع المستوردة". 

 أستاذ الإعلام ناصر فرغل، عدّ أن زيادة المعاشات المعلنة مجرد "خديعة"، مبينا أنها "لا تعدو أن تكون زيادة طبيعية حسب قانون صادر عام 2019، يلزم الدولة بزيادة المعاشات 15 بالمئة في تموز/ يوليو سنويا". 

وأكد أن "الأمر لا يعدو سوى تقديم صرف هذا الحق القانوني 4 أشهر"، مشيرا إلى أن "هذه الزيادة القانونية المبكرة، لا تساوي ثمنا لكيلو من اللحوم، وربما فرخة ونصف بيضاء، ولا تكفي لشراء كيلو كمون مطحون". 

وأشار البعض إلى أنه على الجانب الآخر، تواصل الحكومة قراراتها المجحفة بحق المصريين، ملمحين إلى قرار وزارة التموين بوقف 86 ألف بطاقة تموين، ومنع الاستفادة من التموين، والخبز، والأسمدة الزراعية، وغيرها من صور الدعم، بسبب تعديات أصحابها بالبناء على الأراضي الزراعية. 

"أجواء القرار" 
ويعيش المصريون أوضاعا اقتصادية صعبة، يقول كثيرون؛ إنهم لم يعد لديهم قدرة على تحملها، وخرجت عشرات المقاطع المصورة لغاضبين يشكون الفقر والبطالة والغلاء والتضخم، ويحملون السيسي السبب في أزماتهم، ويهددونه بـ"ثورة جياع". 

وفي المقابل، فشلت حكومة السيسي في التعامل مع أزمات المصريين تلك، وفاقمت سياساتها بالاعتماد في تمويل مشروعاتها على القروض الخارجية، التي دفعت البلاد للسقوط بفخ ديون أكثر من 165 مليار دولار، وسط ضغوط خدمة الدين، حيث يجب عليها دفع نحو 42 مليار دولار فوائد وأقساط ومتأخرات الدين في 2024 وحده. 

وسبق تلك القرارات، حملات أمنية من وزارة الداخلية، وأخرى رقابية من جهاز حماية المستهلك على أسواق تجارة العملات الأجنبية بالسوق الموازية، وضبط الكثير من الأموال، إلى جانب ضبط آلاف الأطنان من السلع بدعوى احتكار التجار لها. 

وهو ما تبعه انخفاض لقيمة العملات الأجنبية في السوق الموازية، وخاصة الدولار بمقابل الجنيه من معدل 70 جنيها إلى نحو 60 جنيها، الخميس، وفق تجار ومتعاملين بالسوق السوداء. 

كما سبق حزمة قرارات السيسي، أيضا قرار من البنك المركزي المصري بأول اجتماعات عام 2024، الخميس الماضي، برفع سعر الفائدة 2 بالمئة. 

وأيضا، قرار بترشيد الإنفاق الحكومي وإيقاف المشروعات الحديثة، ومنع القروض والتمويل الأجنبي، حيث جرى الاثنين الماضي، "منع شراء سيارات ركوب ومنع التعاقد على مشاريع جديدة حتى نهاية حزيران/ يونيو المقبل، ومنع التعاقد على أي مشاريع يترتب عليها اقتراض بالدولار". 

كما أن قرارات السيسي، وما سبقها من إجراء، تأتي جميعها وسط مخاوف من أن يتبعها تعويم للجنيه المصري، أو قرارات أخرى تزيد من معاناة المصريين، خاصة أن تلك القرارات تأتي بعد زيارة وفد صندوق النقد الدولي للقاهرة، والحديث عن زيادة برنامج دعم الصندوق وبعض الممولين من 3 مليارات دولار  لـ 10 مليارات دولار. 

بل إن البعض رأى أن قرارات السيسي تلك، تأتي تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي. 

وهي المخاوف، التي نفتها فضائية "إكسترا نيوز" الإخبارية المحلية، نقلا عن مصادر مصرية مطلعة، أكدت أن ما تردد من شائعات بأن قرارات الحماية الاجتماعية هدفها التمهيد لتحرير جديد لسعر الصرف، وأوضحت أن الشائعات هدفها التأثير على استقرار سوق الصرف، بعد تراجع سعر العملات الأجنبية الأيام الماضية. 

"بتدخل دولي وإقليمي" 
وحول أبعاد قرارات السيسي ودلالاتها، وتوابعها، ومدى ارتباطها بضغوط صندوق النقد الدولي، وحجم مساهماتها في حل أزمات المصريين، أو في تفاقمها وإشعال الأسواق مجددا، تحدث السياسي المصري سمير عليش، إلى "عربي21". 

وقال: "يتصور البعض أن ارتفاع سعر الدولار السريع إلى معدل 70 جنيها قبل أسبوع، كان بفعل تدخل من النظام ليقول؛ إن مصر أصبحت قريبة من الانفجار لتغيير الأوضاع السياسية؛ وهذا خطر كبير جدا لا ترضاه إسرائيل والسعودية والإمارات، ولا الغرب الموالي لإسرائيل". 

إظهار أخبار متعلقة


القيادي في "الحركة المدنية" المصرية أضاف: "وعليه، فقد بدأت محادثات جادة بين كل من يهمهم عدم تغيير النظام الحالي". 

وأوضح أنه "لذلك؛ فإن تلك القرارات والتوجهات تم التوافق عليها، ويتلوها قرار بتعويم الجنيه، وتحرك لحل مشكلة المديونية الخارجية، عبر تدفق مليارات الدولارات من خلال مشروعات ومبيعات لأصول وأراض، مثل (رأس الحكمة) والتوريق". 

وخلص عليش، للقول: "قطعا هذه الإجراءات والخطوات لن تحل أزمات المصريين، بل هي قرص مسكن لخفض التوترات ضد النظام". 

وتوقع أن يشمل "المخطط المعد من النظام للفترة القادمة، 6 نقاط مهمة، أولها: زيادة القبضة الأمنية في الشارع المصري، وثانيها: تعالي أصوات التكافل الاجتماعي عبر خلق دور للمجتمع المدني والتابعين للنظام". 

ثالث الخطط المحتملة، وفق عليش: "تكثيف دعاية الإعلام حول ضرورة المحافظة على الدولة، بسبب الحاقدين من (جماعة الإخوان المسلمين)، فضلا عن الظروف والأخطار الخارجية، وهي (الرسالة المعتادة)". 

أيضا: "زيادة العمل على تفتيت المعارضة السياسية عبر سياسات العصا والجزرة"، رابع النقاط، بجانب "الإلهاء بالحوار والإفراج عن بعض المسجونين، وإعطاء دور أكبر لمصر في مهمة وقف الاقتتال في غزة، وبدء إعادة الإعمار فيها"، كخامس وسادس توقعات السياسي المصري. 

"تعهدات الصندوق" 
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، لـ"عربي21"؛ إن "توجيهات الرئيس السيسي، تأتي تنفيذا لتعهدات مصر مع صندوق النقد الدولي". 

وأشار إلى "رفع الحد الأدنى من الأجور من 4 إلى 6 آلاف جنيه، بزيادة 50 بالمئة، وحزمة زيادات للدرجات السادسة والخامسة والرابعة 1000 جنيه، و1100 جنيه للثالثة والثانية والأولى، و1200 جنيه للدرجات العليا من وكيل وزارة ثم وكيل أول ومدير عام والدرجة الممتازة". 

ولفت إلى "تعهد القاهرة للصندوق في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بانتهاج سياسات تستهدف التضخم أي رفع سعر الفائدة، وأخرى تحمي الطبقات المتضررة من سياسات الإصلاح عبر حزمة المساعدات، التي كان مفترضا أن تكون أكثر من ذلك، ولكن أعتقد أن إدارة الصندوق قد تتقبلها". 

وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية سابقا، أوضح أنه هنا "يبقى تعهدان؛ بانتهاج سياسات سعر صرف مرن، وإدراج أسهم بعض شركات الجهات السيادية والجيش والدولة بالبورصة". 

وأكد أنه "منذ أن تم رفع سعر الفائدة 2 بالمئة قبل أسبوع، ثم تبعه إجراءات حزمة الحماية ورفع الأجور والمعاشات، والإعلان عن تعيين نحو 120 ألف موظف بالجهاز الإداري للدولة، وأنا أعتقد أن هذا تمهيد للتعويم القادم". 

وتساءل: "هل سيقبل الصندوق بهذه الإجراءات ليمرر تمويله لمصر؟ ليجيب: "أعتقد أنه لن يقبل بإجراء المراجعات، إلا بعد اتخاذ مجموعة قرارات خاصة بانتهاج سعر صرف مرن، أو ما اصطلح على تسميته من العامة بالتعويم أو تخفيض قيمة الجنيه، وأرى أن إدارة الصندوق لن تتهاون في هذا الموضوع". 

ولكن، هل يحل التمويل الذي تم رفعه من قبل الصندوق أزمة المصريين؟ يعتقد عبدالمطلب، أن "المسألة هنا تتوقف ليس على القرض أو الشرائح؛ لأن الشرائح التي ستأتي من الصندوق ستذهب للصندوق، ومصر قد تحصل على 12 مليار دولار مقسمة على 3 سنوات بواقع 4 مليار دولار كل عام، مقسمة على شرائح مليار أو مليار ونصف، ستكون مرتبطة بمراجعات الصندوق". 

وأضاف: "إذا نجاح القرض بحل مشكلة المصريين يتوقف على كمية التدفقات الدولارية التي سيسلمها لمصر، ثم ما سيفعله الصندوق من تدخلات أو تحفيز للشركاء الدوليين، وهم السعودية والإمارات عبر تدفقات دولارية في شكل قروض أو ودائع لدى البنك المركزي أو استثمارات في أسهم شركات مقرر إدراجها بالبورصة". 

"ماذا عن المستفيدين والأسعار؟" 
وأضاف: "إذا كنا نتحدث عن عدد المستفيدين من حزمة الحكومة وأثر ذلك على الأسعار، فقد كان هناك سؤال بالشارع مع انخفاض سعر صرف الدولار بنحو 20 بالمئة من 75 جنيها إلى 55 و60 جنيها، دون تراجع أسعار السلع التي ارتفعت بين 50 و100 بالمئة، فالواضح أن الأسعار عندما ترتفع لا تنخفض". 

وأشار إلى أنه "كانت هناك بعض المخاوف من أن استمرار هذا السؤال قد يؤدي لمشاكل اجتماعية وزيادة حالة السخط والغضب، ومن هنا أتت هذه الحزمة من الزيادات لامتصاص الغضب بزيادة الرواتب". 

إظهار أخبار متعلقة


وأكد أن "المستفيدين هنا هم العاملون بالجهاز الإداري للدولة وما خلاهم غير مستفيد، لكن السؤال المنطقي: هل هذه الزيادات سوف تساهم في زيادة الأسعار مجددا؟ في اعتقادي أن هذا متوقع بنسبة كبيرة، خاصة أننا على أبواب شهر رمضان، حيث يزيد الاستهلاك". 

وتوقع عبدالمطلب، "في ظل اختفاء أو عدم توافر بعض السلع مثل السكر، أن تزيد الضغوط، وربما السلع الموجودة لن تكون بالقدر الكافي، خاصة مع قدوم الفرق بين العروة الزراعية الشتوية والربيعية في آذار/ مارس، ما يؤثر على أسعار بعض السلع وبمقدمتها الخضروات". 

"ماذا عن غير الموظفين؟". يرى عبدالمطلب، أنهم "عدد كبير، ولو لدينا نحو 7 ملايين موظف يعني 28 مليون فرد إذا قلنا بأن الأسرة 4 أفراد، فهناك جزء آخر من المصريين لم يصل إليه هذا الدعم". 

وأضاف: "كنت أتوقع أن تكون هناك إجراءات إضافية كزيادة السلع التموينية، أو الدعم النقدي المتاح للأسر التي تمتلك بطاقات تموينية، وأن يكون هناك زيادات للمعاشات الاستثنائية، مثل تكافل وكرامة وغيرها"، معتقدا أن "معاناتهم سترتفع إن لم يكن هناك مجموعة إجراءات حمائية تيسر عليهم". 

التعليقات (0)