قضايا وآراء

وهْم الخيارات البديلة عن حماس

غازي دحمان
يرى الكاتب أن هدف القضاء على حماس ليس إلا ذريعة للعدوان على غزة- الأناضول
يرى الكاتب أن هدف القضاء على حماس ليس إلا ذريعة للعدوان على غزة- الأناضول
منذ الأيام الأولى للحرب بدأ الحديث عن اليوم التالي لغزة بعد حماس، ولم يقتصر الأمر على التحليلات والتوقعات، بل أعلن وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن عن بدائل تجري دراستها بهذا الخصوص، وذهبت حكومة بنيامين نتنياهو إلى لجنتين وزاريتين للعمل على بلورة موقف إزاء مستقبل القطاع.

تشمل البدائل المطروحة مجموعة من الخيارات، مثل: تسليم الحكم في غزة للسلطة الفلسطينية، أو إيجاد سلطة فلسطينية بديلة من داخل القطاع نفسه، أو تسليم إدارة غزة لقوات إقليمية (عربية في الغالب)، أو وكالات دولية تساعد في توفير الأمن والحكم، حسب تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي.

ويبدو أن كل ذلك لا يعدو أن يكون طموحات مرتفعة السقف، أو مجرد خطط نظرية لا تصلح للعمل وسط غبار المعارك وحمم النيران؛ إذ إن هناك طرفا مقابلا اشتغل على مدار سنوات طويلة وشكّل بنية عسكرية كاملة لمثل هذا اليوم، قادرة على التعامل مع أكثر من سيناريو، مستفيدا من خبرة صراع طويلة مع العدو، فضلا عن قراءة تجارب تاريخية وحيّة واستخلاص العبر منها. فمن أين يأتي الإسرائيليون، ومعلموهم الأمريكيون بهذه الثقة المفرطة بأن يوما قادما سيأتي على غزة بدون حماس؟

كل ذلك لا يعدو أن يكون طموحات مرتفعة السقف، أو مجرد خطط نظرية لا تصلح للعمل وسط غبار المعارك وحمم النيران؛ إذ إن هناك طرفا مقابلا اشتغل على مدار سنوات طويلة وشكّل بنية عسكرية كاملة لمثل هذا اليوم، قادرة على التعامل مع أكثر من سيناريو، مستفيدا من خبرة صراع طويلة مع العدو، فضلا عن قراءة تجارب تاريخية وحيّة واستخلاص العبر منها.

من الواضح أن ثمّة تجربتين تلقيان بظلالهما على تفكير الإسرائيليين والأمريكيين: تجربة إخراج منظمة التحرير من بيروت سنة 1982، وتجربة القضاء على داعش في العراق وسوريا، عبر عمليات جراحية أدت إلى إخراج الخصم من المكان وإبعاده عن ساحة التأثير، ومن ثم إضعاف فعاليته إلى أبعد الحدود، وتهميش دوره وتركه يواجه الموت البطيء بعيدا عن الضوء.

لكن ثمّة فوارق هائلة لم ينتبه لها كل من تحدث عن اليوم التالي لغزة بدون حماس، ولعل أهمها عامل المكان، فلا منظمة التحرير الفلسطينية ولا داعش كانا يعملان ضمن بيئاتهما، بل مجرد آلاف من العناصر الغرباء عن المكان، حتى الحيطان ترفض حمايتهم، في حين أن حماس بنت هذه البيئة، وهي ليست مجرد آلاف من المقاتلين المدربين على إطلاق الصواريخ وقذائف الآر بي جي، بل هي شارع عريض، حتى لو لم يحمل أفكارها إلا أنه يؤمن بذات المبادئ ونفس الأهداف التي تسعى لها حماس، كما أن الخلافات والتناقضات النهائية تذوب أمام الخطر الإسرائيلي، وهو ما نبهت إليه مجلة الفورين بوليسي في مقال بعنوان: "ما رأي الفلسطينيين الفعلي في حماس؟".

حسنا، ربما يخطر على بال القارئ أن تدمير وإنهاء الأنظمة المترسخة حصل على مر التاريخ في أكثر من بقعة، مثل حالات ألمانيا والعراق وليبيا، ولم تتبع ذلك عودة لهذه الأنظمة وأتباعها، كما أن معتقداتها وأفكارها وقيمها زالت بعد تدمير هياكلها السلطوية، فلماذا لا يحصل نفس الشيء مع حماس؟ أما مسألة القول بأن حماس فكرة والفكرة لا تنتهي، فهذه مبالغ فيها بعض الشيء، فالفكرة ما لم تجد دعما لتطبيقاتها على الأرض، تنتهي فعاليتها وتولد أفكار غيرها أخرى أكثر قدرة على التكيّف مع الوقائع الجديدة.

البدائل التي يتم طرحها عن حماس، لا يمكن لها أن تجد حواضن شعبية تدعمها؛ ذلك أن الفلسطيني، في غزة وخارجها، وبعد أن جرب بدائل أخرى قدمتها البيئة الدولية (أوسلو مثالا)، لم يعد راغبا بتجريب خيارات من هذا القبيل، طالما لن تستطيع أمريكا وإسرائيل تقديم حل مقنع بحجم الاستقلال والتحرّر، فلن تكون هناك خيارات أخرى عند الفلسطينيين سوى الاستمرار في النضال واحترام رموزه.

في الواقع، يبدو هذا الرأي منافيا للوقائع، ولا ينطبق على أوضاع حماس في غزة، ذلك أن التجارب المشار إليها كأمثلة، كانت أنظمة لها هياكل ثابتة وتحكم بمنطق الإكراه، وهي قبل أن تكون خصما للعالم الخارجي كانت خصما لأغلب القطاعات الاجتماعية في بلادها، أما الأفكار والقيم التي نادت بها وعملت على تطبيقها، كانت بعيدة كل البعد عن وقائع هذه الشعوب وتطلعاتها، بل كانت تهدف بدرجة كبيرة إلى إخضاعها وتكريس السيطرة عليها.

حتى من الناحية العملانية، فحماس بوصفها حركة تحرّر تمتلك مرونة تحميها من التفكك والانفراط، ويمكنها العمل ضمن شروط مختلفة لا تستطيع الأنظمة بهياكلها الثقيلة التكّيف معها. وفوق كل ذلك، إن البدائل التي يتم طرحها عن حماس، لا يمكن لها أن تجد حواضن شعبية تدعمها؛ ذلك أن الفلسطيني، في غزة وخارجها، وبعد أن جرب بدائل أخرى قدمتها البيئة الدولية (أوسلو مثالا)، لم يعد راغبا بتجريب خيارات من هذا القبيل، طالما لن تستطيع أمريكا وإسرائيل تقديم حل مقنع بحجم الاستقلال والتحرّر، فلن تكون هناك خيارات أخرى عند الفلسطينيين سوى الاستمرار في النضال واحترام رموزه.

ما يُقال عن خيارات بديلة عن حماس يجري العمل على إنضاجها تهيئة لليوم التالي في غزة؛ ليست سوى ذرائع لإقناع الرأي العام الإسرائيلي والعالمي بدعم حرب الانتقام الشنيعة التي يخوضها مجانين إسرائيل ضد أطفال غزة ونسائها، وهؤلاء ليس لديهم أكثر من الوعد بالموت والإفناء لأهل غزة، الذين يدركون هذه الحقيقة بكل أبعادها.

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (0)