قضايا وآراء

طاولة المفاوضات الروسية- الأمريكية من شيتلاند إلى بالاو

حازم عياد
طائرة روسية تتحرش بمسيّرة أمريكية في أجواء سوريا- البنتاغون
طائرة روسية تتحرش بمسيّرة أمريكية في أجواء سوريا- البنتاغون
تكاد جزر شيتلاند التابعة للمملكة المتحدة تلامس الدائرة القطبية الشمالية، حيث حلّقت قاذفات نووية روسية، ورافقتها طائرات تايفون البريطانية تحذيرا وإبعادا لها عن الحدود البحرية والجوية لأسكتلندا والمملكة المتحدة.

التماس والاستفزازات باتت روتينا في محيط الدائرة القطبية الشمالية، التي شملت الدول الإسكندنافية كافة (النرويج والدنمارك وفنلند والسويد)، وامتدت إلى أعماق البحار عبر الغواصات الروسية التي نشطت مؤخرا في شمال المحيط الأطلسي وجنوبه، كما نشطت على الطرف الآخر من المحيط الهادي عبر مناورات ودوريات بحرية روسية وصينية مشتركة.

منطقة المحيط الهندي والخليج العربي وبحر العرب ليست استثناء، إذ شهدت مناورات صينية وإيرانية وروسية مشتركة بداية شهر آب/ أغسطس الحالي، وهي تكرار لما حدث في آذار/ مارس الماضي؛ ويتوقع أن تتكرر لكن بمشاركة متوقعة من السعودية في حال موافقتها على الدعوة الموجهة لها من قائد سلاح البحرية في الجيش الإيراني شهرام إيراني؛ أكد فيها النية لتشكيل تحالف بحري جديد مع الهند إلى جانب روسيا والصين وعدد من دول المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين في محاولة لإيجاد بديل للتحالف الأمني البحري للشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة، الذي انسحبت منه دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرا، وعمدت أمريكا لترميمه قبل اندثاره بإرسال 3000 جندي مارينز لمراقبة الملاحة في الخليج العربي.

العالم يضيق بأمريكا وروسيا من المحيط الهادي إلى الأطلسي، ويزداد ازدحاما في البحر الأسود.

خطوط التماس بين روسيا والولايات المتحدة تتقارب على نحو خطر في إقليم غرب آسيا في الخليج العربي والمحيط الهندي وشرق المتوسط؛ وتبدو أشد خطورة في سوريا التي شهدت سماؤها العديد من الاحتكاكات بين الطائرات الحربية الروسية والأمريكية، خلافا للبروتوكول المتفق عليه بين البلدين، خصوصا بعد تحليق الطائرات الروسية فوق قاعدة التنف الأمريكية جنوب شرق سوريا، احتكاكات يمكن أن تجد طريقها إلى القارة الأفريقية عبر مالي والنيجر وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى وصولا إلى السودان.

العالم يضيق بأمريكا وروسيا من المحيط الهادي إلى الأطلسي، ويزداد ازدحاما في البحر الأسود بعد أن قامت روسيا بتفتيش سفينة شحن تتبع لجزيرة بالاو خلال توجهها إلى أوكرانيا. وبالاو أحد شركاء وحلفاء الولايات المتحدة المقربين جنوب غرب المحيط الهادي، فالجزيرة لم تتخلف يوما عن التصويت لأمريكا في الأمم المتحدة؛ أو تزويدها بالأعلام البحرية كغطاء للسفن التجارية التي من الممكن أن تنقل الأسلحة الأمريكية إلى جانب القمح والأدوية.

الازدحام في مياه وسماء البحر الأسود بين المقاتلات الأمريكية والروسية لا ينبئ بخير؛ فاحتمالات وقوع حوادث خطيرة كبير جدا؛ خصوصا بعد أن أشركت أمريكا طائرات مسيّرة لمراقبة حركة السفن المتجهة للموانئ الأوكرانية، ومرافقتها في رحلتها لنقل الحبوب والبضائع من وإلى ميناء أوديسا الأوكراني؛ تطور من الممكن أن يقود لمزيد من التوتر والأسباب الموجبة للمواجهة، خصوصا بعد أن أوقفت روسيا العمل باتفاق الحبوب في البحر الأسود.

في مقابل الاحتمالات العالية لحوادث أمنية خطرة في البحر الأسود والدائرة القطبية الشمالية، تطفو إلى السطح إمكانية أن يخفي التصعيد والتوتر مفاوضات سرية وغير معلنة حول أوكرانيا ومستقبلها بين واشنطن وموسكو؛ فجدية المفاوضات على الطاولة تعكسها في كثير من الأحيان مستويات عالية من التصعيد على الجبهات والتسخين في خطوط التماس؛ تصعيد عادة ما يكون مدروسا ومحسوبا من الأطراف المتقابلة على الطاولة التي تتصرف بهدوء وثقة؛ فهل حان الوقت لطرح السؤال حول إمكانية وجود مفاوضات بين موسكو وواشنطن، واقترابها من إحراز تقدم يفسر ارتفاع مستويات التصعيد المرفق بالهدوء والثقة؛ أم إن الوقت لا زال مبكرا للحديث عن مفاوضات جادة في الكواليس؟

تصعيد عادة ما يكون مدروسا ومحسوبا من الأطراف المتقابلة على الطاولة التي تتصرف بهدوء وثقة؛ فهل حان الوقت لطرح السؤال حول إمكانية وجود مفاوضات بين موسكو وواشنطن، واقترابها من إحراز تقدم يفسر ارتفاع مستويات التصعيد المرفق بالهدوء والثقة؛ أم إن الوقت لا زال مبكرا للحديث عن مفاوضات جادة في الكواليس؟

التنقيب عن مفاوضات روسية أمريكية ومحاولة التعرف على تفاصيلها أمر غاية في الصعوبة؛ لاتساع ساحة الصراع وكبر حجم الطاولة الممتدة من جزر شيتلاند في بحر الشمال والأطلسي إلى جزر بالاو وجنوب المحيط الهادي.

غير أن البحث والتنقيب له ما يبرره أمريكيا وأوروبيا وروسيا، إذ سيقودنا تلقائيا إلى احتدام الصراع الانتخابي الرئاسي في أمريكا قبل موعده المقرر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وإلى تفاقم أزمة الاقتصاد الأوروبي (الألماني والبريطاني)، وإلى تصريحات نائب سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيدف، التي كرر فيها الأربعاء (16 آب/ أغسطس) شروط روسيا للقبول بانضمام أوكرانيا للناتو، بتنازلها عن أقاليم شرق أوكرانيا والقرم، مضيفا لها هذه المرة العاصمة كييف. شروط تزامنت مع تسريبات بمطالبة واشنطن حليفتها كييف التنازل عن أجزاء من البلاد لروسيا مقابل الانضمام للناتو.

ختاما، عملية التنقيب عن طاولة المفاوضات المختفية في تفاصيل الحرب والتصعيد العالمي تقود تلقائيا أصحابها إلى سكرتير الخارجية الأمريكي العتيق هنري كيسنجر، الذي ناقش الأفكار المطروحة من قبل ميدفيدف علنا وفي الكواليس مع أطراف الصراع خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية من عمر الحرب الأوكرانية، فهل رسمت رؤيته خارطة الطريق للمفاوضات، أم إنها مجرد أفكار وإطار عام ضلت طريقها عن طاولة المفاوضات الكبيرة التي لم تنصب خيمتها بعد؟

التعليقات (0)