قضايا وآراء

ألم يصل أوان نعي المشروع المغاربي؟

امحمد مالكي
كيف يمكن بناء الثقة بين أطراف الاتحاد المغاربي؟- موقع الاتحاد
كيف يمكن بناء الثقة بين أطراف الاتحاد المغاربي؟- موقع الاتحاد
مرت الذكرى الرابعة والثلاثون على تأسيس "الاتحاد المغاربي" (17 شباط/ فبراير 1989- 17 شباط/ فبراير 2023) في صمت ودون اهتمام سياسي وإعلامي لافت، وكأن حال البلاد المغاربية يقول "انسوا الفكرة المغاربية، وأخرجوها من ذاكرتكم الجماعية، فالمشروع انتهى وينتظر نعيه بشكل رسمي ونهائي". والواقع، تؤكد كل معطيات الواقع المغاربي على أنه باستثناء ما يختزن وجدان المغاربيين، وشعورهم الجماعي من أحاسيس حُيال الفكرة المغاربية، والتمسك بأمل تحقيقها، لا شيء يُحفّز على التفاؤل بإمكانية استنهاض المشروع من سُباته، والدفع به نحو الإنجاز، بل بالعكس ثمة ما يكفي من الاعتبارات والأسباب، للتدليل على استحالة إخراج المشروع المغاربي من موته البطيء، الذي دبّ في كامل مفاصله منذ العام 1994، وما زال مستمرا حتى اليوم.

فمن باب المعاينة الموضوعية، يُعتبر "الاتحاد المغاربي" أضعف تجمع إقليمي في العالم، وبمنطق الأرقام لا تتجاوز المبادلات البينية لأعضائه نسبة 2.5 أو 3 في المائة في أحسن الأحوال، وهو معدل غير بعيد عما كان عليه الحال إبان الفترة الاستعمارية. لذلك، أكدت الدراسات ذات العلاقة بتوقف "المشروع المغاربي"، أن نسبة الخسارة الناجمة عن هذا التوقف تفوق اثنين في المائة من الناتج الخام الوطني لكل بلد من البلدان الخمسة المكونة للاتحاد، وعلينا تقدير حجم الكلفة التي تتحملها بلاد المغرب منذ أكثر من ثلاثين سنة!! ثم إن الخسارة لا تنحصر في بعدها الاقتصادي والمالي والتجاري على أهميته البالغة، بل تتجاوزها إلى أبعادها السياسية والاجتماعية والبشرية، ناهيك عن مكانة المنطقة في ميزان القوة الدولي.

الخسارة لا تنحصر في بعدها الاقتصادي والمالي والتجاري على أهميته البالغة، بل تتجاوزها إلى أبعادها السياسية والاجتماعية والبشرية، ناهيك عن مكانة المنطقة في ميزان القوة الدولي

لقد كتبنا الكثير عن مصادر الإعاقة التي ألمّت بالمشروع المغاربي منذ بداية انطلاقه مع مؤتمر طنجة الملتئم في نيسان/ أبريل 1958، بين أحزاب الحركة الوطنية في كل من المغرب وتونس، وممثلين عن جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وإلى حين توقف مؤسساته عام 1994، ودخول الاتحاد المغاربي مرحلة الموت البطيء، كما حظي هذا الموضوع باهتمام المغاربيين أنفسهم وغيرهم من الأجانب، بل إن القادة السياسيين أنفسهم أكدوا في أكثر من مناسبة على أن المشروع أفق استراتيجي، وأن الحاجة ماسة إلى بنائه، ونتيجة لهذا المسار المتعرج لا أحد يختلف حول التشخيص، أي الاتفاق على مصادر الإعاقة التي أمسكت بالمشروع، وعطّلت كل إمكانيات تحقيقه في الواقع. لذلك، يُطرح سؤال كبير وعميق حول ما العمل؟ أي ما هي الخطوات الضرورية لإعادة إحياء الفكرة المغاربية، إن كانت هناك إمكانية لإعادة الروح إليها؟

للإجابة عن سؤال ما العمل، نعتقد بأن المشروع المغاربي مرتبط في إعادة إحيائه وإطلاق ديناميات إنجازه وتحقيقه، بتوفير مناخ نفسي وذهني وسياسي جديد لإعادة بناء الثقة بين أطرافه ومكوناته: الثقة في جدوى المشروع وقيمته الاستراتيجية، والثقة في إمكانية العمل المشترك داخل الاختلاف وتأسيسا على ضرورة الاعتراف بوجوده.. فبدون استرجاع الثقة وبثّ قيمها، يتعذر بناء المشترك.

نعتقد بأن المشروع المغاربي مرتبط في إعادة إحيائه وإطلاق ديناميات إنجازه وتحقيقه، بتوفير مناخ نفسي وذهني وسياسي جديد لإعادة بناء الثقة بين أطرافه ومكوناته: الثقة في جدوى المشروع وقيمته الاستراتيجية، والثقة في إمكانية العمل المشترك داخل الاختلاف وتأسيسا على ضرورة الاعتراف بوجوده

ففي التاريخ وتجاربه ما يكفي من الدروس والأدلة على أهمية توفير مناخ الثقة: الثقة التي تعني الاعتراف المتبادل بين الأطراف، والاقتناع بوجود الاختلاف ووعي أهمية إدارته بنضج ومسؤولية وتقدير للمصالح المشتركة. ليس لدينا، مع الأسف على المستوى الأفقي (العربي تحديدا) ما يكفي من التجارب المعززة لفكرة الثقة كي نستدل بدروسها، تبقى التجارب العمودية (أوروبا على وجه الخصوص)، المثال الأوضح والأنضج للتأكيد على أهمية الثقة في نجاح المشاريع الكبرى، ومنها التجمعات الإقليمية. لنتذكر تاريخ أوروبا الموسوم بالحروب والنزاعات التي لا حدود لها، والتاريخ الألماني الفرنسي المطبوع بالدماء والدمار البشري والمادي، فقد كانت أوروبا مسؤولة عن حربين عالميتين خلال النصف الأول من القرن العشرين، قضت على ملايين البشر المدنيين والعسكريين، ودمرت الاقتصاد، وفكّكت إمبراطوريات، وحولت حياة المجتمعات إلى جحيم حقيقي، بل غيرّت خريطة العالم وتوازناته.

بيد أن وعي القارة العجوز سرعان ما استيقظ في لحظة دقيقة، ليبني على أنقاض الخراب نظاما جديدا أعاد الحياة لدول لم تجد ما تُطعم به مجتمعاتها وجيوشها في الحرب الكونية الثانية.. فكان المفتاح نبذ الحروب وترشيد خسائرها، وإعادة بناء الثقة بين أطراف الصراع، لا سيما القوية منها، مثل ألمانيا وفرنسا. فهكذا، بُنيت "الجماعة الاقتصادية الأوروبية" (معاهدة روما لعام 1958)، بعدما بُددت الشكوك بين ألمانيا وفرنسا، وتمّ تحييد (neutralisation) أهمّ قطاع كان سببا لتزويد المتحاربين بأسلحة الدمار، والمعني هنا قطاع الصلب والحديد، فأصبح مجالا للإنتاج المشترك بين أعضاء الجماعة الأوروبية، بضمانات دولية.

لكي ينهض المشروع المغاربي من سباته، ويستعيد قوامه وقدرته على الإنجاز، يحتاج إلى ثقة أطرافه في أهميته الاستراتيجية، ويحتاج أيضا وأساسا إلى زرع الثقة بين مكوناته.. إنها الحلقة المفقودة في الفضاء المغاربي المشترك

ثم إن استعادة الثقة، وبناء مؤسسات العمل المشترك على أساسها، فتح الباب واسعا أمام جني ثمار الفضاء المشترك لشعوب ومجتمعات أوروبا في الاقتصاد والتجارة والأمن الجماعي. وقد كانت هذه القلة العميقة سببا في تشابك المصالح والتفاف النخب السياسية والمجتمعات المدنية حول المشروع، والحرص على استمراره وديمومته. والواقع لم تكن عودة الثقة إلى الفضاء الأوروبي ممكنة لو لم تجد دعامات معضدة لها، في الثقافة السياسية، وفي نوعية القدوات الموجهة لها، وفي قيمة الديمقراطية التي شرعت في ترسيخها منذ قرون.

فلكي ينهض المشروع المغاربي من سباته، ويستعيد قوامه وقدرته على الإنجاز، يحتاج إلى ثقة أطرافه في أهميته الاستراتيجية، ويحتاج أيضا وأساسا إلى زرع الثقة بين مكوناته.. إنها الحلقة المفقودة في الفضاء المغاربي المشترك.. فكيف يمكن للمشروع المغاربي استعادة روحه في جوار موسوم بالتوتر، واختلاق الصراعات، وإغلاق الحدود؟
التعليقات (4)
غزاوي
الأربعاء، 22-02-2023 11:41 ص
مجرد تساؤل. من هو السبب!!!؟؟؟ الإتحاد المغربي لن يتحقق ما دام الدستور المغربي يُدستر للخلاف والعداوة بين بلدانه في الفصل 42 منه الذي يتكلم عن الحدود الحقة للمغرب، وليس لحدوده الرسمية. اتفاقية انهاء الحماية الفرنسية المؤرخة في 02/03/1956 تنص على: “الحدود المعترف بها دوليا” انتهى الاقتباس. المغرب قبل ورضي بهذه الصيغة لأنه كان يظن أن فرنسا خالدة في الجزائر. لكن بعد استقلال الجزائر بخمسة أشهر، عدَّلها الحسن بموجب دستور جديد في: 07/12/1962 في الفصل 19 منه بما نصه: "...وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة" انتهى الاقتباس. هذا التغيير "برر" له غزو الجزائر سنة 1963 "لاستعادة" حدوده الحقة (استرجاع الصحراء الشرقية)، ورفض الإعتراف باستقلال موريتانيا. وحافض على نفس الصيغة في دستور 2011. وعبارة "الحدود الحقة" مقتبسة من كتاب وأفكار اليهود التوسعية ووردت في مشروع الحاخام صموئيل هلل أزاكس كما جاء في كتاب "الحدود الحقيقية للأرض المقدسة" سنة 1917. هذه الصيغة بررت للمغرب عدم اعترافه باستقلال موريتانيا، وبررت غزو اجزائر سنة 1963 وغزو الصحراء الغربية وضمها بالقوة سنة 1975، ضاربا بعرض الحائط الشرعية والقانون الدوليين اللذين يعتبران الصحراء قضية تصفية استعمار كونها إقليم مميز ومنفصل عن المغرب. وبمبدأ " الإلتزام بالحدود الموروثة عن طريق الإستعمار". وبررت للفاسي وشباط والريسوني بترجمتها من حين لأخر إلى تصريحات، لتأجيج الخلاف ويوقظوا بها نار الفتنة. المغرب خاصم موريتانيا لأنه رفضت المشاركة في جريمة اقتسام الصحراء، وخاصم الجزائر وليبيا وتونس لأنهن تبنين موقف الأمم المتحدة والشرعية الدولية. والمغرب نفسه اعترف بالجمهورية العربية الصحراوية وبالحدود الموروثة عن طريق الإستعمار عندما نشر في جريدته الرسمية رقم: رقم:6539 مكرر، وورد فيها أسماء أعضاء الإتحاد الإفريقي من بينهم:"رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" في المرتبة 39. وورد فيه المادة 4 من القانون التأسيسي للأتحاد الإفريقي التي تنص على "أحترام الحدود الموروثة عن طريق الاستعمار". وهكذا صار خلاف المملكة مع أربع جمهوريات، فضلا أن الحسن الثاني هو من جمد عضويته في الإتحاد ألمغاربي سنة 1994، ووريثه محمد السادس نعى وفاته في أديس بابا سنة 2017. أيضا المغرب هو البلد الوحيد الذي لم يصادق إلا على 9 اتفاقيات من بين 38 اتفاقية، وسعى بقوة إلى الانضمام للإتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة إيكواس لو لم توصد في وجهه الأبواب. وأجج الخلاف باحتضانه للكيان الصهيوني وسمح لوزير خارجيته بتهديد الجزائر من الرباط. بل أن الحسن الثاني طالب بإدمجه في الجامعة العربية وخلفه محمد السادس يطالب بإدماجه في الإتحاد الإفريقي. قال الحسن الثاني: "لو كنت مكان الدول العربية لاعترفت بإسرائيل ولقبلت عضويتها بالجامعة العربية، لأنها على كل حال دولة قائمة ولا يمكن إزاحتها" انتهى الاقتباس. وقال وزير خارجية محمد السادس في حوار مع قناة "فرنس 24" ما مضمونه: " أن قرار منح صفة مراقب للكيان الصهيوني قانوني وصائب". انتهى الاقتباس. ما طالب به الغنوشي وبدأ ينضج لدى النخب والساسة هو اتحاد مغاربي يُعزل فيه سرطان المنطقة وذلك ما سيكون إن عاجلا أو أجلا . في انتظار ذلك، وحتى لا يتم ذلك بعملية قيصرية كما حصل مع الإتحاد المغاربي يتعين تعزيز التعاون الثنائي كما باشرت الجزائر وحسنت فعلت.
غزاوي
الأربعاء، 22-02-2023 11:40 ص
مجرد تساؤل. ما هي مهمة الصحفي !!!؟؟؟ " يلتزم الصحفيون في العالم كله بقاعدة أساسية وهي عدم تولي الصحفي قضية ذات صلة مباشرة بمصالحه الخاصة، وذلك حرصا على النزاهة المهنية، ورغم ذلك فإن أي صحفي يبقى متورطا في القضايا التي يتناولها في أعماله بصفته الإنسانية، ما دام يدافع عن القيم العليا، وينقل الحقيقة، ويمنح الصوت لمن لا صوت له." – منقول – فالانحياز للمغرب لن ينفعه و لا يضر الجزائر، بل يفقد الجريدة من موضوعيتها ومصداقيتها. فعوضوه بالحياد الذي فيه مصلحة للجميع.
احمد
الثلاثاء، 21-02-2023 06:39 ص
من السخريه ان جميع دول المشروع المغاربي تجتمع كل سنه ضمن الفرانكوفونيه و تنسق و تلتزم بالقرارات الصادره عن هذا التجمع .. الشعوب لا تلام لانه لا يوجد اي عداء او بغضاء بينها اللهم الا من بعض الموتورين و عملاء الانظمه خاصه من ذباب الفضلات البشريه ..
إسلام
الإثنين، 20-02-2023 07:57 م
كان العرب قبائل متناحرة، فجاء الإسلام فوحدها واوصلها إلى مشارق الأرض ومغاربها. فلما تخلو على الإسلام عادوا إلى اصلهم وأصبح كل من هب ودب يستهزء بهم ولا يعطيهم اي إهتمام أو قيمة. حتى الدول التي لا قيمتا لها لا اقتصاديا ولا علميا تتطاول عليهم وتهينهم. في الإسلام قوتكم و عزتكم. انتم تحاربون الإسلام وتواصلون فصل الدين عن الدولة اقتداءا بغيركم وتناسيتم ان هؤلاء الذين فعلوا هذا كانت كنيستهم تقتل العلماء وتحرقهم وتتهمهم بالسحر والشعوذة. فلجوءهم إلى العلم و العلماء وتخليهم عن الكنيسة الضالة اوصلهم إلى ماهم فيه اليوم. أما انتم أصبحتم ضعفاء واذلة ولا داعي لتذكيركم بما جاء به القرآن الكريم وتكفيكم كلمة إقرأ...........