مقالات مختارة

هل ستغير الجزائر من لهجتها مع المغرب؟

نزار بولحية
1300x600
1300x600

لنتخيل فقط ما الذي سيحصل إن هي حاولت حقا فعل ذلك.. هل سيخدش شيء من كبريائها الوطني، أو تمس ـ لا سمح الله ـ ولو ذرة من كرامتها القومية؟ وهل ستبدو الجزائر حينها وكأنها قد تراجعت، أو ارتدت عن قيمة من قيمها، أو ثابت من ثوابتها الثورية؟ إطلاقا لا شيء سيحدث من ذلك، بل على العكس، فإن الجزائريين سيقومون بإعطاء الحجة القوية والدليل الساطع على أنهم قد فهموا جيدا واستوعبوا مليا تلك المبادئ وصانوها وطبقوها بالفعل قبل القول.


لكن من صوروا بلد المليون ونصف المليون شهيد، على أنه دولة لا يمكنها إلا العيش في حرب، أو قطيعة أزلية مع محيطها الإقليمي، لم يحولوا فقط دون أي مراجعات قد تقوم بها على مواقفها وقراراتها، بل وقفوا سدا منيعا في وجه أي عملية قد تفتح ولو بعضا من الأبواب الموصدة أمام عودة العلاقات الطبيعية مع من لم يتورعوا عن وصفه، إما مباشرة أو مواربة بالبلد العدو.


ومع أن هؤلاء كانوا غالبا هم الأعلى صوتا داخل القيادة الجزائرية، فإن ذلك لم يكن يعني على الإطلاق أنه قدر عليها أن تصمّ آذانها بالكامل، وأن لا تنصت إلا لهم ولا تسمع الأصوات المغايرة لأصواتهم. لقد بحث كثيرون عن فرصة، ومساء السبت الماضي لم ينتظر المغاربة معجزة، لكن توقعوا ومن دون أمل كبير أن تحصل ولو نصف مفاجأة، وكان سيبدو فارقا جدا بالنسبة لهم أن تختلف ردة فعل المسؤولين الجزائريين على الخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي في ذلك المساء مع ردود فعلهم في فترات أخرى على دعواته، لكن هؤلاء فضلوا كعادتهم أن يمتنعوا عن التعليق تاركين المهمة لجهات أخرى غير رسمية. وهنا لم يساور أحد الشك في أن موقفهم لم يكن ليختلف كثيرا، في حقيقة الأمر، عما رأته صحيفة «الخبر» المحلية في قراءتها لذلك الخطاب، من أن «الملك يتودد مرة أخرى للجزائر»، وأنه «قال كلاما معسولا، لكن الضرب تحت الحزام هو السيد في الكواليس». إذ صار من شبه المؤكد وبعد مرور عام على قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، أنهم ليسوا مستعدين بعد ولا جاهزين لأن يلتقطوا أي رسائل قد يبعثها الطرف المقابل ويردوا عليها بأي إشارة إيجابية حتى لو كانت بسيطة أو محدودة. لكن إلى متى يمكنهم الاستمرار في ذلك؟ وهل سيكون من مصلحتهم قبل مصلحة باقي شعوب ودول المنطقة أن يتمسكوا طويلا وإلى ما لا نهاية برفض أي مبادرة أو مسعى، ولو حتى للجلوس مع غرمائهم لطرح كل القضايا والملفات الخلافية حول طاولة التفاوض والنقاش؟

 


إن السبب الذي قطع الجزائريون لأجله علاقاتهم الدبلوماسية قبل نحو سنة من الآن مع المغرب لا يزال ملتبسا، فما الذي يعيبه هؤلاء على المغرب بالأساس؟ قد يقول البعض إن عقدة الحل والربط الآن هي علاقات الرباط مع الكيان الصهيوني، التي جعلت الإسرائيليين يجدون موطأ قدم لهم على حدود الجزائر، كما يجدد المسؤولون الجزائريون التذكير بذلك بين الحين والآخر، لكن هل كانت العلاقات الجزائرية المغربية قبل إعادة تلك العلاقات في ديسمبر 2020 قوية وصلبة ومثالية؟ أم أنها كانت منذ وقت طويل جدا تشكو العلل والعيوب والأسقام، وتنظر بين لحظة وأخرى أن تطلق عليها رصاصة الرحمة؟ ألم تكن الحدود بين البلدين مغلقة منذ منتصف التسعينيات والحرب الكلامية بينهما مستعرة، إما بشكل خافت مرات، أو قوي في أخرى؟ إن غيرهم قد يقدم مبررا مختلفا، وقد يقول إن جيراننا يرددون عكس ما يفعلونه، وإنهم في الوقت الذي يمدون فيه أيديهم نحونا فإنهم يقومون وعلى النقيض منه بالتآمر علينا وتهديدنا، لكن السؤال هو ليس فقط إن كان ذلك الكلام بحاجة إلى أدلة وإثباتات مادية أم لا؟ بل ما الذي يمنع الجزائريين من أن يعاملوا المغاربة في تلك الحالة بالمثل، كأن يخرج رئيسهم مثلا ليقول لشعبه في خطاب تلفزيوني، ولو في استعارة لفظية لكلمات العاهل المغربي في خطابه الأخير إن: «الحدود التي تفرق بين الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري لن تكون أبدا حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما، بل نريدها أن تكون جسورا تحمل بين يديها مستقبل المغرب والجزائر، وأن تعطي المثال للشعوب المغاربية الأخرى» قبل أن يهيب بهم «لمواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن وحسن الجوار، التي تربطنا بأشقائنا المغاربة، الذين نؤكد لهم أنهم سيجدون دائما الجزائر والجزائريين إلى جانبهم في كل الظروف والأحوال»، ويضيف في الأخير و»في ما يخص الادعاءات التي تتهم الجزائريين بسب المغرب والمغاربة، فإن من يقومون بها بطريقة غير مسؤولة يريدون إشعال نار الفتنة بين الشعبين الشقيقين، وإن ما يقال عن العلاقات الجزائرية المغربية غير معقول ويحز في النفس. ونحن لم ولن نسمح لأي أحد بالإساءة إلى أشقائنا وجيراننا.

 

وبالنسبة للشعب الجزائري فنحن حريصون على الخروج من هذا الوضع وتعزيز التقارب والتواصل والتفاهم بين الشعبين». لما لا يكون ذلك ممكنا؟ أليس مثل ذلك الكلام هو ما يقوله كل جزائري ومغربي؟ ثم هل سيخسر الجزائريون شيئا إن هم قالوا للمغاربة إنهم لن يسيئوا لهم وإنهم اشقاؤهم وجيرانهم، وإن الحدود لن تفرق بينهم حتى ولو بقوا بعدها على العلاقات الدبلوماسية مقطوعة معهم؟ هل كان سيضيرهم ذلك سياسيا أو دبلوماسيا في شيء؟ وهل كان سيشوه مواقفهم وسيصورهم كما لو أنهم باعوا واشتروا فيها؟ أم كان سيعطي للمغاربة مبررا إضافيا حتى يستمروا في القيام بما عدوه أعمالا عدوانية ضدهم؟


إن كل تلك الأوهام والهواجس لا تبدو مبررة بأي شكل من الأشكال، فمن يتنازل لجاره ولا يتردد في مد يده له لن يخسر اليوم، لكنه بالتأكيد سيكسب غدا. وفي الوقت الذي تستعد فيه الجزائر لاحتضان القمة العربية في الخريف المقبل، قد لا تجد مثل تلك المخاوف تفهما واسعا من دول سبق وجرب بعضها الدخول في صراعات حادة وعنيفة مع الآخر، وصلت حد القطيعة لكن دون أن تمتد في الزمن. والأحد الماضي كان لافتا أن الرئيس الجزائري قال في مقابلة تلفزيونية مع الصحافة المحلية، إن «القمة العربية المقبلة ستكون ناجحة بالنظر إلى أن الجزائر ليست لديها اي خلفية من وراء تنظيمها…» وأضاف أن «كل الدول ستجتمع في الجزائر التي ليست لديها أي مشكلة مع أي دولة عربية، وتكن الاحترام لكل الدول»، لكن إن قالت العرب قديما إن الحرب أولها الكلام فهل يكون السلام ايضا أوله الكلام؟ لعل الأمل يبقى قائما في أن يكون ما قاله عبد المجيد تبون في تلك المقابلة التلفزيونية مؤشرا إلى أن الجزائر لن تستمر طويلا في التحدث مع المغرب بلهجة واحدة لأنهما كانا، وسيظلان ـ رغم كل شيء ـ شقيقين توأمين مثلما وصفهما العاهل المغربي ذات مرة.

 

(القدس العربي)

9
التعليقات (9)
غزاوي
الأربعاء، 03-08-2022 05:28 م
مجرد تساؤل هل الجزائر تعيش في حرب أو قطيعة أزلية مع محيطها الإقليمي !!!؟؟؟ جاء في المقال ما نصه : "لكن من صوروا بلد المليون ونصف المليون شهيد، على أنه دولة لا يمكنها إلا العيش في حرب، أو قطيعة أزلية مع محيطها الإقليمي" انتهى الاقتباس. لا أحد تصور هذا غيرك والمغرب بالدلائل التالية: قال رئيس الوزراء المالي تشوغويل مايغا اليوم 03/08/2022 خلال افتتاح أشغال الاجتماع الثاني للأطراف في اتفاق السلم والمصالحة بمالي المنبثق عن مسار الجزائر ما نصه: ”أودّ أن أتوجه بشكر خاص لجمهورية الجزائر الشقيقة، ولقادتها السامين نظير تضامنهم الفاعل ودعمهم الثابت لمالي حكومة وشعبا، في إطار السعي عن السلم والأمن والنمو”. انتهى الاقتباس. 12/07/2021 رئيس دولة النيجر محمد بازوم يزور الجزائر. يوم 28/07/2022 وزير البترول والطاقة والطاقات المتجددة ماهامان ساني محمدو لدولة النيجر يزور الجزائر ليوقع مع نظيريه الجزائر والنايجري مذكرة تفاهم لتجسيد خط أبوب الغاز نيجيريا- النيجر - الجزائر وزير الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج، محمد سالم ولد مرزوق يزور الجزائر ويسلم رسالة خطية لتبون من الرئيس الموريتاني ويصرح بما نصه: "أن العلاقات بين الجزائر وموريتانيا ضاربة جذورها في عمق التاريخ وهي علاقات مرتبطة بالحضارة والدين والثقافة، وكل هذا يعكس مستوى التعاون القائم بين البلدين". انتهى الاقتباس. 10/10/2022 نعقاد الاجتماع الوزاري التشاوري الثلاثي في تونس بين وزراء خارجية تونس والجزائر وليبيا. 18/04/2022 رئيس الوزراء الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة يزور الجزائر رفقة رئيس الأركان العامة الفريق محمد الحداد، ورئيس جهاز المخابرات العامة محمد خليفة، ورئيس جهاز الأمن الداخلي لطفي الحراري". 05/07/2022 قيس سعيد رئيس تونس يزور الجزائر للمشاركة في ستينية الاستقلال. 05/07/2022 إبراهيم غالي رئيس الجمهورية الصحراوية يزور الجزائر للمشاركة في ستينية الاستقلال. 19/07/2022 بحضور سفراء بلدانهم وقعت شركة سوناطراك الجزائرية مع مدراء شركات كل من "اوكسيدنتال بيتروليوم" الأمريكية و"ايني" الإيطالية و"توتال" الفرنسية لأبرام صفقة مع سوناطراك بأربعة مليار دولار.
غزاوي
الأربعاء، 03-08-2022 05:27 م
مجرد تساؤل. من هو توأم المغرب وتوأم الجزائر !!!؟؟؟ إن كان في الدين فالجزائر لها 54 شقيق توأم ممثلا في الدول الإسلامية، وإن كان في اللغة، فالجزائر لها 21 شقيق توأم ممثل في الدول العربية وأن كان في الجوار، فالجزائر لها 7 أشقاء توأم ممثلين في جيرانها المباشرين. في مقال نشرته "القدس العربي" تحت عنوان:" جون أفريك: بين المغرب والجرائر.. رسائل متقاطعة من محمد السادس وعبد المجيد تبون"، جاء في ما نصه: "واعتبرت المجلة أن الجزائر ورغبة منها في اتخاذ الاتجاه المعاكس للدبلوماسية المغربية، فقد زادت من اتصالاتها مع المنظمات الفلسطينية في الأشهر الأخيرة" انتهى الاقتباس. المغرب هرول نحو الكيان وزاد من اتصالاته معه الذي هو حقا بمثابة الشقيق التوأم في الأقوال والأفعال معه، ويشهد على ذلك بوريطة حين قال ما نصه: "إن الإسرائيليين لهم أصول مغربية، وإن المقولة الإسرائيلية بأن في كل عائلة إسرائيلية شخص على الأقل بدماء مغربية أمر صحيح" انتهى الاقتباس. والجزائر هرولة في الاتجاه المعاكس نحو فلسطين التي هي حقا بمثابة الأخت التوأم في الأقوال والأفعال مع الجزائر، ويشهد على ذلك منجد صالح، الكاتب والدبلوماسي فلسطيني حين قال ما نصه: "فلسطين توأم روح الجزائر، والجزائر توأم روح فلسطين." انتهى الاقتباس.
غزاوي
الأربعاء، 03-08-2022 05:26 م
مجرد تساؤل. إن كان ذلك الكلام بحاجة إلى أدلة وإثباتات مادية أم لا !!!؟؟؟ بالتساؤل السالف المقتبس من المقال، الكاتب يبحث على أدلة وإثباتات بتآمر المغرب على الجزائر. وإليه وإلى قراء الجريدة ادلة الجزائر القطعية التي لا يرقى إليها الشك. 1- من سمح لقنصل المغرب أن ينعت الجزائر بـ "البلد العدو" وهو في ضيافتها!!!؟؟؟ 2- من أمر عمر هلال بالتخلى عن مهامه كمثل للمغرب في الأمم المتحدة ليتحول إلى ممثل لحركة " الماك " الإرهابية ويدعو في كل ناد و واد بانفصال وتقرير مصير سكان القبائل !!!؟؟؟ 3- من ترك لبيد وزير خارجية الكيان الصهيوني يهدد الجزائر من داخل المغرب !!!؟؟؟ 4- من أوعز للإعلام المغربي للطعن والتهكم والتندر وتبخيس في وعلى ولكل ما هو جزائري، لا سيما مؤسسة الرئاسة والجيش !!!؟؟؟ 5- من أمر المخابرات المغربية بالتجسس على 6000 رقم هاتف جزائري منها شخصيات عسكرية وسياسية !!!؟؟؟ لا أضيف التطبيع مع الصهاينة وحساسية الجزائريين منه شعبا وحكومة وجيشا، واعتبره " قرارا سياديا". نقطة أخرى جد مهمة في خطابات الملك ووزرائه وإعلامه. أنهم دائما يركزون فقط على "فتح الحدود" كأن بفتحها تحل كل الخلافات، وتجاهلوا الحدود بينهم وبين الجمهورية العربية الصحراوية التي استجار شعبها بالجزائر، والجزائر لا تعرف الخيانة ولا الطعن في الظهر. وقبل الختام، سأتيقن من "حسن نية الملك" إن أعلن "عدم علمه وجهله" جوابا على التساؤلات سالفة الذكر. وقبل أن ينفعل المغربيون، تجاهلت عداوة الجزائر للمغرب لأننا في مقال الحال نناقش "اليد الممدودة" للجزائر و"حسن نية الملك".
غزاوي
الأربعاء، 03-08-2022 05:26 م
مجرد تساؤل. لماذا إذن ينتظر الكاتب أن تغير الجزائر لهجتها !!!؟؟؟ في تناقض تام بعيد عن المنطق، الكاتب يترقب الشيء كأماني، ثم يستبعده عندما يصطدم بالواقع والوقائع. جاء في المقال ما نصه: "إذ صار من شبه المؤكد وبعد مرور عام على قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، أنهم ليسوا مستعدين بعد ولا جاهزين لأن يلتقطوا أي رسائل قد يبعثها الطرف المقابل ويردوا عليها بأي إشارة إيجابية حتى لو كانت بسيطة أو محدودة" انتهى الاقتباس
غزاوي
الأربعاء، 03-08-2022 05:25 م
مجرد تساؤل. ما هو التساؤل الأصح !!!؟؟؟ الجزائر عرضت مطالبها على المغرب وتنتظر الرد عليها بدون الحاجة إلى وساطة. ومطالبها لا تشترط مديح ولا مجاملات ولا كلام معسول. والتساؤل الأصح الذي يتعين طرحه هو: هل يستجيب المغرب لطلبات الجزائر !!!؟؟؟