كتاب عربي 21

هل انتصر السيسي على الجميع؟!

جمال الجمل
1300x600
1300x600

(الدائرة الجهنمية)

 

يستحق الديكتاتور "المفضل" عبد الفتاح السيسي جائزة "الأيزو السياسي"، فقد نجح في وضع حدود قياسية صارمة لكل شيء حتى كلام معارضيه، أنظر إلى عناوين مقالاتي وموضوعاتها خلال العقد التعيس الماضي، فلا أجد نقطة مركزية فيها إلا السيسي وكلامه وأفعال نظامه، يقول ونعلق، يهاجم فندافع، يخطئ فنتندر، يصدر القرارات فنفندها ونظهر عيوبها، يلغي الطوارئ فنقول: "سيما أونطة هاتو حقوقنا"، يطرح الحوار فنقول "فنكوش"، وهكذا..

هو يعرف ونحن نعرف أنه يفرض علينا أجندته: لديه أتباعه "المؤيدون"، وقد صار لديه أيضا أتباعه "المناكفون"..

اجتهدت كثيرا ككاتب في الخروج من هذه الدائرة الملعونة التي تجعل الكاتب المعارض مجرد تابع مباشر أو "غير مباشر" للسلطة وأفعالها، لكن في غالب الأحوال عندما يأتي موعد الكتابة لا نجد إلا القضية المركزية التي ندور حولها: السيسي كشخص، والسيسي كحاكم، والسيسي كنظام، والسيسي كـ"نقطة بيع" للجمهور الواسع برغم كل الاختلافات والنزاعات..

نقول كثيرا إن إعلامه فاشل، لكن الحقيقة أن هذا الفشل مقصود، لتحقيق أكبر مساحة من التأثير الديماغوجي الذي يلغي العقل ويصنع قوة تأثير غريزية من خلال المحاكاة وردود الفعل: أحمد موسى قال، نشأت الديهي فعل، عمرو أديب صرح..

دائرة جهنمية أدت إلى فقدان موضوعات وقضايا كثيرة أهم من هذه المهلكة الفارغة التي يدفعنا إليها الديكتاتور وأجهزته، قضايا حياتنا الخاصة بعيدا عن السلطة صارت بلا جاذبية في الكتابة والنقاش، لأن الجمهور على الجانبين مشغول بموضوع واحد، تفرضه الدولة وإعلامها

دائرة جهنمية أدت إلى فقدان موضوعات وقضايا كثيرة أهم من هذه المهلكة الفارغة التي يدفعنا إليها الديكتاتور وأجهزته، قضايا حياتنا الخاصة بعيدا عن السلطة صارت بلا جاذبية في الكتابة والنقاش، لأن الجمهور على الجانبين مشغول بموضوع واحد، تفرضه الدولة وإعلامها، والكاتب أو المعلق أو الإعلامي يشارك مرغما في التريند المصنوع بالتعمد أو بالصدفة.. كأن الديكتاتور أصابنا بحالة من الوسواس القهري، فلا نستطيع أن نطرده من أدمغتنا وأن نكتب بعيدا عن هيمنته وموضوعاته الفاسدة التي يطرحها لتبديد تركيزنا وزيادة تشتيتنا؛ في ودفعنا للمشاركة في ضجة بلا طحين

(عائد من الإعدام)


قبل أيام وصلني بريد الكتروني من مجهول مرفق به مقال قديم لي بعنوان: "أيها الرئيس.. ما تضيعش وقتنا"، لم أتذكر المقال إلا بعد قراءته، فقد كان من مجموعة المقالات التي نشرتها في موقع "البديل" بعد منع مقالاتي من النشر في صحيفتي الأم، وقد تم إعدام هذه المقالات جميعا بحذفها من على الإنترنت ثم إغلاق الموقع وحذف أرشيفه كله من الشبكة العنكبوتية.

المقال منشور في آذار/ مارس 2016، بعد لقاء للسيسي مع المثقفين في موقف يشبه موقف الدعوة للحوار في أيامنا هذه، وقد أرفق القارئ المجهول نسخة مصورة من المقال تتضمن صورة للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في حضرة آخر ثلاثة رؤساء لمصر: مبارك ومرسي والسيسي، ويبدو مصطفا في صورتي السيسي ومبارك، بينما في صورته مع الدكتور مرسي يبدو مزاحما قادما من الصفوف الخلفية لمصافحة الرئيس. ولما طالعت الصورة وقرأت المقال، فكرت في إحياء الموتى وإعادة نشر المقال، للإشارة إلى أن أحكام الإعدام التي تصدرها السلطات القمعية ضد الأشخاص والكلمات، لا تؤدي في معظم الأحوال للإعدام والمحو، بالعكس، قد تعيش وتعود أقوى لتثبت إدانة الديكتاتور وحاشيته بأثر رجعي، خاصة وأن قضايا القهر والظلم لا تفسد ولا تسقط بالتقادم.

أحكام الإعدام التي تصدرها السلطات القمعية ضد الأشخاص والكلمات، لا تؤدي في معظم الأحوال للإعدام والمحو، بالعكس، قد تعيش وتعود أقوى لتثبت إدانة الديكتاتور وحاشيته بأثر رجعي، خاصة وأن قضايا القهر والظلم لا تفسد ولا تسقط بالتقادم

ومن غير تقديم أكثر للمقال أعيد نشره كما هو بدون أي تغيير، وبرغم أن ستايل هذا الموقع المحترم لا يتيح نشر صورة موضوعية في مقالات الرأي، إلا أنني سأرسل الصورة لإدارة التحرير للمشاركة، وربما للاستفادة بها في معالجات صحفية أخرى عن قضية "المثقف والسلطة"..

وهذا نص المقال العائد من الموت:

أيها الرئيس.. ما تضيعش وقتنا

(1)
التقى الرئيس بالمثقفين لمدة ثلاث ساعات، فماذا قال؟ وماذا قالوا؟ وهل يثمر ما قيل فائدة تُرجى للبلاد، أو مصلحة تُقضى للعباد، أو "سبوبة" تبل الريق للأفراد؟

(2)
بدون إحباط للمشاركين، والمتابعين المؤيدين، الإجابة: لا.

وأنا نادراً، ما أقدم إجابات قاطعة بهذه الحدة، لأنني أتمنى أحيانا لو استطاعت الريح أن تعيش ساعة حظ وتأخذ شيئا من "البلاط"، لكن الفيلم مُعاد، والأحداث محروقة، والساذج من ينتظر مفاجآت جديدة في فيلم مقاولات مكرر شاهده من قبل مراراً.

(3)
لماذا أكتب إذن عن لقاء لا يتضمن جديداً؟

(4)
لدي إجابتان.. الأولى: لأنني دارس آثار وأعرف قيمة القديم، وأعرف أن مكانه داخل المتاحف وليس في نهر الحياة اليومية، والثانية: لأنني أطمح إلى تجديد القديم بالتثوير من الداخل، أو تدميره إذا ظل عائقا في طريق الجديد، وبناء على ذلك قررت أن أكتب:

(أ)
أنتم طبعاً تعرفون أن الدنيا تتغير؟! وتعرفون أن هذا التغير أزلي، ويسمى في الفلسفات الكبرى بقانون الصيرورة، وربما تعرفون أن أحداً لم يستطع الإفلات من هذا القانون ولا تكذيبه، من أيام هرقليطس.. لكن هناك من كسر القانون في لقاء الرئيس وأثبت بالدليل الساحق الماحق أنه الثابت الذي يستعصي على كل المتغيرات من حوله..

إنه الطوطم الثقافي المبجل/

أحمد..

عبد المعطي..

حـجـــــــــــــازيييي..

(ح)
حجازي مثقف قديم (قديم بالمعنى الزمني والحضاري للكلمة)، ولديه تحولات كثيرة تثير العجب، لكنها تظل تحولات تكتيكية تدور حول محور واحد ثابت لا يتغير.. اسمه: السلطة.

في البدء جاء إلى القاهرة شاباً حالما من تلا بمحافظة المنوفية، وكتب ديوانه البديع "مدينة بلا قلب".. كاشفا عن صدمة الريفي الأخضر في العاصمة الرمادية، وسرعان ما ارتبط الشاعر بالمشروع السياسي للدولة، حتى تحول إلى "شاعر الاتحاد الاشتراكي" كما أطلق عليه البعض، ولما رحل عبد الناصر وانقلب السادات على نظامه من الداخل، ارتبك مشروع وأداء حجازي، وتحول نضاله الاشتراكي إلى عقبة في طريقه، فخرج مع المثقفين الذين ضاقت بهم مصر، واستقر به المطاف في باريس، وبعد سنوات عاد مستوعباً الدرس، فدخل في حظيرة المثقفين التي افتتحها الوزير الفنان فاروق حسني، وتخلى عن أفكاره الريفية، وكتب يهجو الريف متبنيا دعوة اليونسكو في ذلك الحين إلى "عالم من المدن"! هكذا تيبست "شجرة الليمون" في خرابة السلطة إلى جوار "أشجار الأسمنت"!

(ا)
الويل لمن ينقلب على تاريخه، لذلك لن أطيل في نقد رجل أحببت أشعاره يوماً، فقد "كنت أهوى هؤلاء الشعراء/ أتسامى فوق غيمٍ نسجوه/ أتمطى في بخورٍ أطلقوه (..) ثم نصحو، فإذا الركب يمر/ وإذا نحن تغيرنا كثيراً/ وتركنا الأقبية"... فقط تأملوا الصورة التالية، واضحكوا قليلاً، ثم احزنوا حتى البكاء، فـ"الدجى ما زال يجتاح المدينة، ونباح من بعيد (..) والكلب يفتش عن لقمة/ وأنا أبحث تحت الشرفات عن البسمة/ لم يعثر، وأنا لم أعثر".

"يا شعراء.. يا مؤرخي الزمان/ فلتكتبوا عن شاعر كان هنا/ في عهد عبد الناصر العظيم!!".

.. ولا تنسوا أن ترفقوا صورته هذه بما تكتبون..!

(تنظيرة فارغة)

* لا تلتفتوا لأسماء المثقفين في لقاء الرئيس، ولا تسألوا عن طريقة اختيارهم، ولا الجهة التي تختار، فلكل سلطة قوائمها المعدة سلفاً، والرؤساء لديهم مقولات جاهزة يريدون تبرير إعلانها، أحيانا بحضور يصفق، وأحيانا بغرض الاحتواء والتعبئة، وأحيانا يتحدثون إلى ميكرفونات جامدة وكاميرات بلا عقل، فماذا يريد الرئيس وما الجديد الذي قاله المثقفون، وكان خفياً على الرئيس؟
نرجو ألا تضيع وقتك ووقتنا في الاستماع إلى آراء منشورة في كل حتة، ولديك بها مئات التقارير، فليس لدينا غير شعارات الثورة التي هزت الميادين والقصور، وجاءت بك إلى الحكم، لتسألنا بعدها: هو انتو عايزين إيه؟!

- تحدثوا كثيرا عن الحريات، وطلبوا الإفراج عن المسجونين بلا محاكمات في قضايا جادة، وطلبوا إسقاط قانون التظاهر، وطلبوا قرارات عفو عن المحكومين في قضايا رأي وازدراء أديان، وانتهى اللقاء بوعد للقاء جديد (وما تسيبونيش وتمشوا.. وأشوفكم تاني.. وخلينا على رنات)، ثم بدأت طبلة العباسيين: رئيسنا لا يتدخل في سلطة القضاء، ولا يتغول على سلطة التشريع، واقترح ما هو أبقى وأفضل من العفو، أن يصدر قانون جديد يمنع الحبس في مثل هذه القضايا!

* أوكيه سعادتك، طيب ما سلطة التشريع كانت معاك سنة عرفي، وسنة ونص رسمي، وبدلا من دعم الحريات، أصدرت قانون التظاهر، وحبست ما استطعت، وعفوت عمن حدثتك بشأنهم الفرنجة، فلماذا هذه الموضوعية الاستراتيجية التشريعية الحصيفة الآن؟

وأرجو يا سيادة الرئيس أن تسامحنى على تنظيرة "الحصيفة"، فالنفخ في الكلمات هو أكل عيشنا كمثقفين، كما أن نفخ المواطنين هو أكل عيش السلطة! وبمناسبة "الخرابة" التي أسسها الزعيم مبارك، لدي سؤال أرجو أن يتسع وقت سعادتك للإجابة عليه: هو حضرتك كنت فين أيامها؟

على كل حال سيادتك اللي في وش المدفع، وعارف كل حاجة، فنرجو ألا تضيع وقتك ووقتنا في الاستماع إلى آراء منشورة في كل حتة، ولديك بها مئات التقارير، فليس لدينا غير شعارات الثورة التي هزت الميادين والقصور، وجاءت بك إلى الحكم، لتسألنا بعدها: هو انتو عايزين إيه؟!

(..)

انتهى المقال ولم ينته الصراع..

[email protected]

التعليقات (6)
Elnashar
الإثنين، 08-08-2022 11:38 م
تحية للكاتب المثقف المحترم في عصر عز فيه الكتاب ذو الضمائر وعز فيه المثقفين القادرين على الفهم
الكاتب المقدام
الجمعة، 29-07-2022 12:56 ص
*** أ/ الحسيني، شكراُ لتنبيهنا على ما في تعليقنا من حدة وإطالة، واوافقك في أن كل منا يكتب في حدود ثقافته التي هي محدودة بطبعها، ويتأثر رأيه بانتماءاته الطائفية والفكرية سواء كنت أنت أو أنا، ولن تستطيع أن ترضي الجميع، والأستاذ الكاتب/ جمال الجمل له منا ومن غيرنا كل تقدير واحترام لمواقفه السياسية المستقلة المعروفة، ولآراءه السياسية المستنيرة، ولأسلوبه الأدبي المتميز، ولثقافته الموسوعية العالمية، ولا يقلل من مكانته اعتراضنا على وصف "في عهد عبد الناصر العظيم"، التي اثبتها الكاتب بتصدير ذكر فيه عن حجازي: "لن أطيل في نقد رجل أحببت أشعاره يوماً"، والأستاذ/ جمال الجمل معروف بانتمائه السياسي الناصري، وإن كان من حق مؤيدي ناصر أن يصفوه بالخالد والعظيم، فمن حقنا أن نذكرهم ونصفه بالهالك والمهزوم، ولعل الأستاذ/ جمال الجمل أن يكتب لنا عن آراءه اليوم بخصوص ناصر ونظامه، الذي أراه كان نظاماُ انقلابياُ قمعياُ مستبداُ فاشلاُ، وأسس لاستشراء دولة سيطرة العسكر.
اسماعيل الحسيني
الخميس، 28-07-2022 10:09 م
تعرفت على هذا الموقع منذ سنة تقريبا وقد اعجبني قسم الراي لأنه متنوع ويقدم باقة كبيرة من الكتاب تتناول قضايا كثيرة عربية ودولية وتعلمت منه الكثير وبصراحة اضعف شيء هو تعليقات القراء بعضهم مثقف ومختصر وبعضهم عنده مشكلة في القراءة ويفهم حسب ثقافته المحدودة ولفت نظري في التعليقات على هذا المقال ان احد المعلقين فهم ان الكاتب هو مؤلف الاشعار التي فيها كلمة ((عهد عبد الناصر العظيم)) مع ان المقطع من قصيدة مشهورة للاستاذ حجازي وواضح جدا ان الكاتب وضعها في المقال للسخرية من مواقف الشاعر الثقافية -- معذرة اقصد السياسية-- وهذا الكاتب والدكتور مسعد والدكتور فيراس والدكتور سيف والدكتور قصير وقاسم واخرين بيكتبوا بمستوى عالي مش لأي قاريء -- واظن ان مقالاتهم بتتظلم مع القراءة المنفسنة او المتعصبة وانا عن نفسي بيحصل لي صدمة من القراءة دي والتعليقات التي فيها أوصاف زي الهالك والمجحوم والردود التي تاخذ من العنوان ثم تطلق الرصاص عشوائي في فرح العمدة---- تحية وشكر للموقع لأني تعلمت منه احترام التنوع في الراي والاختلاف باحترام واستقيد منه الكتير-- شكرا شكرا شكرا
عربي مظلوم
الخميس، 28-07-2022 11:59 ص
من ينجح ينتصر على أعدائه الذين يهددون بلده مثل الصهاينة والاثيوبيين، وليس على شعبه الأعزل بأسلحة أشتريت من قوت يومه.
حمدى مرجان
الخميس، 28-07-2022 03:29 ص
استاذنا الفاضل هذا ليس وضع عادى او اعتيادى ، فهو ليس انقلاب عسكرى فقط ولكنه جاء باسوأ ما فيه من جهل وغباء ، فهل مثلا كان يستطيع الترشح مع من ترشحوا في 2012 ، ولوحدث كم صوتا كان سيحصل عليه ،هو واعضاء مجالسه التشريعية ، لقد استعان بامريكا ، لانها المخطط والضامن للتمويل والاستمرار ، ضد المجلس العسكرى حتي يمنع ترشح " سامي عنان "وهو مثيل له وليس الرئيس مرسي، وما كان قائد خط الجمبرى الا اهانة له واستهانة به ، ولولا العطايا والمنح والهبات لكان في خبر كان، فمع مثل هذا فدائما الاسوأ قادم ، ولن نخرج ابدا من سجننا ، فقد بدل الخيال بالواقع ويعيش الدور في ثياب " ياسر جلال " ، فهو المؤلف والملحن والممثل والمخرج ، وتقوم اسرائيل بتسويق الفيلم طالما يحرس الباب ، فضعف مصر ضعف للعرب جميعا وقوة لهم ، فسيحافظوا عليها ، وعلي ان يظل القزم قزما ، ان اعلامه ، اعلام سامسونج وهو من يديره ، فما اصابه هو ما اصاب كل مؤسسات الدولة واعمدتها ، ومن يخرج عنه ، يخرج من دنيا السلطة و الملايين ، يسرق الشعب لصالح المرابين ، ويسرقه ليظل الحاكم ، ويسرقه للمحاسيب ، ويسرقه ليغتني النهابين ، ويسرقه ليفقره ويجوعه حتي يظل خانع قانع ، فهل عجزت مصر ان تلد الا مثل هذا ، انه ابنا لامريكا تبنته اسرائيل ، فويل للشجي من الخلي