تقارير

"طواحين السكر" بأريحا شاهدة على عراقة اقتصاد فلسطين

موقع "طواحين السكر" في مدينة أريحا شرق فلسطين هو موقع أثري يعود إلى الفترة الصليبية والأيوبية
موقع "طواحين السكر" في مدينة أريحا شرق فلسطين هو موقع أثري يعود إلى الفترة الصليبية والأيوبية

كانت فلسطين قوة اقتصادية كبرى قبل حوالي ألفي عام بفعل تصديرها سلعة السكر إلى أوروبا التي كان يطلق عليها اسم "سلعة الملوك".

واشتهرت فلسطين وتحديدا مدينة أريحا التاريخية في الحقبة الأيوبية بصناعة السكر من خلال طواحين عملاقة لا تزال شاهدة على هذه الصناعة في وقت لم يكن فيه العالم يعرف هذه السلعة.

وقبل حوالي عشرين عاما بدأت هذه الأدوات وهذه الطواحين تتكشف حينما ظهرت، وتم التنقيب عنها لتكون شاهدة على حضارة عظيمة سادت في تلك المنطقة.

وأوضح الدكتور إياد حمدان مدير عام السياحة والآثار في أريحا أن موقع "طواحين السكر" في مدينة أريحا شرق فلسطين هو موقع أثري يعود إلى الفترة الصليبية والأيوبية.

 

                       إياد حمدان مدير عام السياحة الآثار في أريحا

وقال حمدان لـ "عربي21": "هذا الموقع اليوم هو عبارة عن بقايا طواحين ودواليب كانت تدار بقوة المياه التي تأتي من عين المياه لتطحن قصب السكر وتهرسه ليتم استخلاص السكر عبر وضعه في أباليج ومن ثم تحويلها إلى مكعبات سكرية".

وأضاف: "كانت في هذا الموقع تنتشر صناعة السكر الذي كان يصدر إلى أوروبا".

وأوضح حمدان موقع طواحين السكر في أريحا، وكان يشير إلى الدور الاقتصادي لما كانت تدعى "سلعة الملوك".

وقال: "كانت فلسطين تنتج السكر وتصدر السكر من عدد من الطواحين والمواقع الأثرية في حين أن العالم كله لم يكن يعرف هذه السلعة حتى إن ياقوت الحموي في زيارته لفلسطين قال إنه (لم يذق أطيب من سكر فلسطين)".

وأشار إلى أن وزارة السياحة والآثار انتبهت لهذا الموقع مطلع العام 2000م وأجرت فيه عددا من الحفريات الأثرية والعملية آخرها كان في العام 2002م، وتم العثور على عدد من الأدوات التي كانت تستخدم في صناعة السكر مثل الصحون الفخارية والأباليج وأيضا جرار تخزين السكر.

وأكد حمدان أن ملكية هذا الموقع تعود للمواطنين، وهناك تجرى اللمسات النهائية حاليا على مشروع مشترك ما بين وزارة السياحة والآثار ومالك هذه الأرض التي يقع عليها موقع طواحين السكر وبالتعاون مع بلدية أريحا، لعمل شراكة من أجل تأهيل هذا الموقع وافتتاحه كموقع أثري قابل للزيارة بعد تأهيله وترميمه ليضاف إلى المواقع الأثرية الموجود في أريحا وليكون أيضا محطة أخرى للزوار ونقطة جلب إضافية للسياحة في فلسطين بشكل عام وأريحا بشكل خاص.

ومن جهته قال الدكتور حمدان طه، الخبير في علم الآثار ووكيل وزارة السياحة والآثار الأسبق: "يقع موقع طواحين السكر على السفوح الشرقية المنخفضة لجبل قرنطل (جبل التجربة) في وادي الأردن، على بعد مسافة أقل من كيلومتر واحد إلى الغرب من أريحا القديمة (تل السلطان)".

 

                حمدان طه.. خبير في علم الآثار، ووكيل وزارة السياحة والآثار الأسبق

وأضاف طه لـ"عربي21": "يمثل موقع طواحين السكر منشأة صناعية لتكرير السكر، حيث تم تسجيل ثلاث طواحين سكر في بداية القرن الماضي، وأحد هذه الطواحين محفوظ حتى يومنا هذا".

وأوضح أن وظيفة الموقع ما زالت محفوظة في الاسم الذي يحمله (طواحين السكر)، ويستعمل تعبير معصرة وطاحونة بشكل عام للإشارة إلى نفس الوظيفة.
 
وقال طه: "تتكون البقايا المحفوظة لمرافق المعصرة في أريحا من الساقية والمعصرة وغرفة العصر وحوض التكرير والمطبخ والموقد والساحة وغرف التخزين".

وأوضح أنه جرى تنفيذ موسمين من أعمال التنقيب والترميم في الموقع ما بين 2000 و2001م من قبل دائرة الآثار الفلسطينية تحت إشرافه العلمي حيث أظهرت التنقيبات الأثرية نظام صناعة السكر في الموقع.

وقال: "يتكون موقع طواحين السكر من ثلاث مكونات رئيسة، وهي: النظام المائي، والمعصرة، والأراضي الزراعية".

وأضاف: "تضم بقايا المرافق الصناعية في الموقع كلا من الساقية والساحة وغرف الخزن والمعصرة وغرفة العصر وحوض التكرير والموقد والمطبخ، وأماكن رصد مراحل التصنيع المختلفة في الموقع".

وتابع: "تدل المواد الحضارية المكتشفة في التنقيبات على أنشطة مختلفة تتعلق بإنتاج السكر، وتتكون هذه المواد غالبا من أوان فخارية، خصوصا القوالب الفخارية التي كان يصنع فيه السكر، وتعرف بالأباليج، وأسرجة فخارية، ومواد معدنية، وعملات نقدية، وعدد من الكتابات العربية. كما أنه تم الكشف عن عملات نقدية من الفترة الأيوبية".

وأوضح الخبير الفلسطيني أن إنتاج وتصنيع السكر في أريحا ارتبط بزراعة قصب السكر، مشيرا إلى أن زراعة القصب في وادي الأردن ذكرت في العديد من المصادر التاريخية العربية والإفرنجية من العصور الوسطى المبكرة،  في حين أشارت المصادر الفاطمية إلى زراعة قصب السكر في منطقة وادي الأردن.
 
وأشار إلى أن معاصر السكر استعملت كذلك في الفترة المملوكية وتوقف استخدامها مع نهاية الفترة المملوكية وبداية الفترة العثمانية.

وقال: "ازدهرت صناعة السكر كأحد الأنشطة الاقتصادية الرئيسة في فترة العصور الوسطى في فلسطين، وكانت معاصر السكر قيد الاستعمال في الفترات الفاطمية والصليبية والأيوبية والمملوكية.
 
وأضاف: "عرفت زراعة قصب السكر في غور الأردن والمناطق الساحلية قبل فترة طويلة من استخدامها لتصنيع السكر".

وتابع: "تحتاج عملية زراعة قصب السكر وإنتاج السكر إلى كميات وفيرة من المياه للري من جهة ولأغراض تشغيل المعاصر من جهة أخرى، ولهذا السبب فقد ارتبطت هذه المعاصر بينابيع جارية".

وتتكون عملية إنتاج السكر بحسب طه من عدة مراحل، وهي: زراعة قصب السكر، وحصاد القصب ونقله إلى المعصرة، وتقطيعه وعصره وغليه وصبه في الأواني، ومن ثم استخراج السكر المتبلور من الأواني الفخارية.

وقال: "كان تشغيل المعصرة يجري بالطاقة المائية التي تم جرها عبر القنوات من عين الديوك وعين النويعمة، ويتكون النظام المائي من قناة تصب من فوق المنحدر الصخري والساقية العليا. ومن هذه القناة تصب المياه لتدير حجر العصر والدولاب المتصل بغرفة العصر عبر فتحة في السقف".

وأضاف: "لم يتبق من نظام العصر سوى الحجر الأرضي، وأرضية الجص لغرفة العصر، وهي مائلة لتسمح بالمياه بالتدفق خارج الغرفة، أما القناة السفلية فتحمل المياه الفائضة نحو الحقول الشرقية".

وأوضح طه أنه أجريت عمليات تأهيل لموقع طواحين السكر شملت أعمال ترميم واسعة للساقية وغرفة العصر والفرن وأماكن التخزين، وتم تزويد الموقع بلافتات شرح وإعداد مطوية باللغتين العربية والإنجليزية حول الموقع.

واستعرض الاعتداءات التي قام بها الاحتلال على المواقع الأثرية بوجه عام وموقع طواحين السكر بوجه خاص.

وقال: "قام الاحتلال الإسرائيلي العام 1967م بحملة اعتداءات واسعة على المواقع الأثرية في منطقة أريحا والأغوار شملت السيطرة والاستحواذ على مئات المواقع الأثرية في المنطقة المصنفة (ج) التي تتبع للاحتلال، وأيضا من خلال مخططات ضم الأغوار والسيطرة على الموارد الأثرية والسياحية إلى جانب الأراضي الزراعية".

وأضاف: "تم إهمال موقع طواحين السكر في فترة الاحتلال الإسرائيلي، بما أدى إلى تحول الموقع إلى مكب للنفايات والحفر غير القانوني في الموقع، الأمر الذي شكل دافعا لإدراج الموقع  من قبل دائرة الآثار، ضمن مشاريع التنقيب والتطوير والتأهيل لتحويله إلى حديقة أثرية تروي قصة إنتاج السكر في فلسطين".

وأكد الكاتب والصحفي عمر أبو عوض من أريحا أن مدن بيت لحم والقدس وأريحا، تعتبر أهم ثلاث مدن فلسطينية تحكي عن الآثار الفلسطينية.. لذلك فهي أكثر المدن التي تتعرض للاعتداءات الإسرائيلية للسيطرة على هذه المواقع.

 

                           عمر أبو عوض.. صحفي فلسطيني

وقال أبو عوض لـ "عربي21": "مدينة أريحا عمرها يزيد على الـ10 آلاف عام وفيها الكثير من الآثار بما يزيد على الـ55 موقعا أثريا".

وأضاف: "الاحتلال يمنع الفلسطينيين من زيارة هذه المواقع الأثرية وطويرها، كما أنه يمنع الصحفيين من الوصول إلى الكثير من المناطق لتوثيقها، ويحظر الكتابة عنها ويحاول دائما تزوير التاريخ".

وتابع: "حتى لو أردنا أن نكتب عن أي موضوع له علاقة بالآثار فإن الاحتلال يكذب هذه الكتابات من خلال أساليب معروفة يتبعها".

وأوضح أبو عوض أن الاحتلال يسمح بالتنقيب في أي موقع كي يصل إلى مرحلة معينة في الحفر ويتوقف عن الحفر حتى يقدم ما له حينما يصل إلى الحقبة التي تخص غير اليهود، مؤكدا أنه يرفض بعد ذلك إبراز أي شيء عن هذا التنقيب مثلما حصل في جبل التجربة.

وقال: "الصحفي الفلسطيني دائما بخاطر بنفسه من أجل إظهار الحقيقة ومن أجل كشف تزوير الاحتلال، والإعلام الفلسطيني بشكل عام يجد صعوبة كبيرة في تكذيب الرواية الإسرائيلية".

وأضاف: "للأسف لا توجد قوة إعلامية فلسطينية يمكنها أن تكذب الرواية الإسرائيلية"، مؤكدا على أهمية دور الصحفي الفلسطيني في توثيق هذه الأماكن الأثرية.

وتابع: "من الصعب مواجهة الرواية الإسرائيلية ودحضها لأن القوة التي يستخدمها الاحتلال في الرواية تكون أقوى".

وأوضح أبو عوض أن لدى الاحتلال نوعين من القوة: الأولى هي القوة على الأرض، أي إنه لا توجد اكتشافات لغيرهم، وهم وحدهم من يكتشفون من خلال التنقيب؛ والقوة الثانية هي الإعلان عن هذه الاكتشافات بما يتناسب مع روايتهم الكاذبة لضمان تزوير التاريخ"..

 

 

 

 

 


التعليقات (0)