مدونات

#ابتسامات_رمضانية.. يوم أن فك أبو حسن حسرته (3)

كاتب آخر
كاتب آخر

هو اليوم الأخير في العمل، وكالعادة سيعود الجميع بما لا يقل عن 10 جنيهات، سيقوم أبو حسن بدسها كعادته بعيدا عن يد أم حسن المبذرة والتي لا تكاد تطلب منه رغيف عيش وطعمية يوم سوق القرية الأسبوعي، أو قرطاس جميز، حتى تعيد الكرة وتطلب رطل لحمة جملي كل موسم.

"رحت فين ياجوز اللبؤة"، هكذا كان نداء المعلم على أبي حسن، الذي راح يقول لنفسه سأعطيها ثلاثة فضة تشتري بها قرصين حلاوة سمسمية من دكان الحاج عبد الحميد، أو قطعة حلاوة طحينية من دكان الزملي، أو كرملة وأرواح من دكان الحاجة سر. الله يخرب بيوتهم خربوا بيوتنا كل يوم يطلعوا حاجات يخلصوا بيها فلوسنا.

واصل أبو حسن هذيانه، ينطق لسانه بما يفكر فيه تارة ويمسك عنه تارة أخرى، ثم يسأل نفسه: أين أخبئ الفلوس هذه المرة؟ محلبة الدهن الكبيرة السوداء كشفتها الداهية أم حسن، صومعة الذرة لم يعد فيها حبة، وصومعة القمح ليس بها سوى السحالي والأبراص.

تذكر سباطة البلح التي عاد بها قبل أسابيع من حديقة ناظر الإصلاح الزراعي بعزبة الطوبجي، وأتى عليها وأم حسن إلا قليلا، نعم إنها محلبة العجوة، التي وضعت فيها أم حسن ما تبقى من سباطة البلح، فلن تفتحها إلا في الشتاء.

لم يكد أبو حسن ينتهي من عناء صراعه في إخفاء الجنيهات العشرة حتى راح يحلم بأن يصرف منها على شرب الشاي الحبر المغلي كثيف السكر المصنوع على الشالية، مع سيجارته المبرومة بعناية والتي يتفنن في صناعتها ولا فابريكة فلوريدا، ذات الفلتر الأصفر أو سيجارة كليوباترا ذات الفلتر الأبيض، والتي لا تبرح فم مِعلمه.

أفاق أبو حسن على صوت مِعلمه للمرة الثانية: رحت فين ياجوز اللبؤة.

تجاهل نداء مِعلمه، ولكن التجاهل جاء هذه المرة تحت وقع الجوع الذي يشعر به الرجل، وكل الرجال الذين ينتظرون طعام اليوم الأخير في العمل، فهو إما ذكر بط مزغط أو عتقية تحمل من اللحم واللية ما يكفي نهمهم للحم، خاصة إذا كان معها بعض الأرز المفلفل، فما بالك إن كان الغذاء لحمة جملي ملبسة بالدهن مع فتة من مرق فوقها أرز محمر أو معها كسكاس معمول بالسمن البلدي ومسقي بالشربة.

سأعود لأحكي لأم حسن وأغيظها، أنهى أبو حسن حواراته الداخلية وأحلامه المتصاعدة مع اليوم الأخير من العمل.

للمرة الثالثة نادى المِعلم على أبي حسن: رحت فين يا جوز اللبؤة؟ لكنه زاد هذه المرة: الأكل وصل.
هنا انتفض أبو حسن مسرعا نحو مِعلمه دافعا رفقاءه يمينا ويسارا، ويداه تسبق خطواته، لكن حظه العاثر أوقع حجرا تحت قدمه فسقط أرضا والجميع يضحك ويتندر ويقول أبو حسن كل الهضر بدلا من الفتة.

لم يبالِ أبو حسن بما وقع له وراح يقول: الفتة وصلت وعليها الهُبر، الفتة وصلت وعليها الهُبر، والجميع يضحك ويواصل المسير نحو الصينية النحاسية التي وضعهتا صاحبة البيت واختفت.

لم يستطع أحد أن يتقدم خطوة واحدة نحو الصينية فالمعلم ذهب كي يتوضأ كعادته لصلاة الظهر التي سيؤديها عقب التهام الوليمة الفاخرة، ولكن لا مانع أبدا من أن تبحلق عيونهم في أنجر الفتة وفوقه الأرز المحمر، وعليه قطع اللحم الجملي التي تنزل منها البهاريز والدهن الذائب في المرق اللذيذ.

لم يكن أبو حسن، بين المبحلقين ولا المصطفين ولا المنتظرين للمِعلم الذي جاء سريعا وجلس والجميع حوله راح يخطف ملعقة أو قطعة خبز بلدي مقمر على سطح الصاج، أو قطعة لحم ملبسة دون شغت، لكن ومع أول غرفة من المعلم والعاملين معه من الفتة التي تفوح رائحتها حتى جلبت كلاب القرية وقططها الضالة، انساب سيل ماء من سقف البيت فوق أنجر الفتة.

قام الجميع مسرعين خوفا من أن يطالهم الماء المحمل بالطين ونسوا للحظات أنجر الفتة والأرز واللحم والمرق، وعندها انتبهوا لوجوده غارقا في الطين والتبن والقش.

وبين اندهاش وتساؤلات ولعنات وسباب، دخل أبو حسن، فسأله المِعلم: كنت فين يا أبو حسن؟ قال له كنت بفك حسرة فوق السطح.

فهم الجميع أن أبا حسن هو سبب نكبتهم، فجروا خلفه ليمسكوا به وهو لا يفهم ما جريمته، وبعدما فهم أخبره المِعلم أنهم لن يأكلوا ولكنهم سيقبضون العشرة جنيهات، وأنه لن يأكل ولن يقبض العشرة جنيهات.

فقال لنفسه وهو يفر هربا من حجارة المعلم المتتابعة فوق صلعته: يا فرحتك فيا يا أم حسن.

 


التعليقات (0)