صحافة دولية

فورين بوليسي: لماذا تتشدّد الصحافة الأمريكية زمن الحرب؟

قالت المجلة إن وسائل الإعلام الأمريكية المعروفة تتمتع بتاريخ طويل من الميل نحو التدخل العسكري في أوقات الحرب - أ ف ب
قالت المجلة إن وسائل الإعلام الأمريكية المعروفة تتمتع بتاريخ طويل من الميل نحو التدخل العسكري في أوقات الحرب - أ ف ب

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرًا تحدثت فيه عن الأسباب التي تدفع وسائل الإعلام الأمريكية للانحياز نحو الخيارات العسكرية والتصعيد في وقت الأزمات.


وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن النزاعات المسلحة تكشف مزايا الصحافة الأمريكية وعيوبها. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا، لم يتوان المراسلون الحربيون عن توفير تغطية إخبارية ميدانية تسلط الضوء على مدى وحشية بوتين. ومؤخرًا، دعا العديد من الصحفيين والمعلقين - الذين يعيش معظمهم بعيدًا عن الخطوط الأمامية - الولايات المتحدة إلى التصعيد والتدخّل عسكريا في أوكرانيا. 


اقترح صحفيون بارزون في مجال الأمن القومي أن يقصف الجيش الأمريكي القوافل الروسية أو يفرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، الأمر الذي ينطوي عليه إسقاط الطائرات الروسية. وقد قابلت هيئة الصحافة في البيت الأبيض السكرتير الصحفي للبيت الأبيض بوابل من الأسئلة، مشجعةً الرئيس الأمريكي على التدخل الميداني. ويعتبر البعض الآخر من الصحفيين الحرب ذات أهمية وجودية لأمن الولايات المتحدة، مشبّهين الفشل في التدخل في أوكرانيا باسترضاء الدكتاتور النازي أدولف هتلر.


وذكرت المجلة أن هذه الدعوات الموجهة إلى الولايات المتحدة للانضمام للتدخل تعتبر صادمةً بالنظر إلى المخاطر الجسيمة لاندلاع صراع بين قوتين مسلحتين نوويًا. وعلى حد تعبير دامير ماروسيتش من المجلس الأطلسي فإنه "حتى المناوشات الصغيرة يمكن أن تتحول بسرعة إلى صراع نووي". وإدراكا منه لهذه المخاطر، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن حذرًا في تصريحاته - وهو ما لم يرق أبدا للصحافة القائمة على ثقافة الأخبار المستقطبة. 

 

في برنامج عُرض على قناة "فوكس نيوز"، وصف مسؤول أوكراني الرئيس الأمريكي بالخائف لأنه لم يتخذ قرار فرض منطقة حظر الطيران؛ ونعته عضو جمهوري من مجلس الشيوخ بأنه "بلا قلب". ومن جانبها، تعتقد هيئة تحرير "وول ستريت جورنال" أن بوتين "نجح في ترهيب بايدن" بالتهديد بالتصعيد النووي. وقد كشفت استطلاعات الرأي أن الأمريكيين يدعمون فرض منطقة حظر الطيران.

أشارت المجلة إلى أن الصحفيين ووسائل الإعلام الأكثر شهرة في الولايات المتحدة يتمتعون بتاريخ طويل من الميل نحو التدخل العسكري في أوقات الحرب. خلال السنة الماضية، وجّهت وسائل الإعلام السائدة لإدارة بايدن سيلا من الانتقادات بشأن قراره الانسحاب من أفغانستان - وهي خطوة حكيمة بعد عقدين من الفشل في إنشاء دولة ديمقراطية. في المقابل، حظي ترامب بإشادة واسعة النطاق بعد أن شن هجومًا صاروخيًا على سوريا في سنة 2017.


وعلى نحو مماثل، تلقى سلفه باراك أوباما دعمًا واسعًا من قبل وسائل الإعلام لقراره إنشاء منطقة حظر الطيران خلال الحرب الأهلية الليبية الأولى، بيد أنه تعرض لانتقادات لاذعة لتجنبه لاحقًا التدخل في سوريا. ولا يمكن نسيان موقف وسائل الإعلام من المبررات الواهية التي قدمتها إدارة جورج دبليو بوش لغزو العراق.


وأكدت المجلة أن الخطوط التحريرية للمؤسسات الإخبارية لديها قدرة حقيقية على دفع عملية صنع القرار السياسي في اتجاه متشدد. وتعد قدرة الصحفيين على تشكيل الرأي العام قوية بشكل خاص في نقاشات السياسة الخارجية لسببين: أولاً، يعتبر الناخبون السياسة الخارجية أقل أهمية من القضايا المحلية، لذلك من السهل على وسائل الإعلام التأثير على الرأي العام. ثانيًا، على عكس التحديات الاقتصادية، لا تؤثر القضايا الدولية على الناخبين في حياتهم اليومية وهم يعتمدون إلى حد كبير على التغطية الإخبارية لتكوين مواقف بشأن الشؤون الخارجية.


كان نفوذ التغطية الإخبارية واضحا عندما تراجعت القاعدة الشعبية لبايدن بنحو 10 في المئة وسط ردود فعل سلبية ساحقة في وسائل الإعلام بشأن قراره بإنهاء الحرب في أفغانستان. في المقابل، حظيت هجمات ترامب الصاروخية لسنة 2017 على سوريا بتغطية إيجابية ـ وهو ما ساهم  في زيادة شعبيته. 


وأشارت المجلة إلى أن هذا التوجه يخلق محفزات متشددة لصانعي السياسة. ومع أن كلًا من أوباما وترامب أرادا إنهاء الحرب في أفغانستان، إلا أن الهجمات الإعلامية وما تلاها من اضطراب سياسي ردعتهما عن اتخاذ هذه الخطوة، وهو ما شهده بايدن في نهاية المطاف. ومع تخصيص الشبكات الإخبارية الرئيسية 24 دقيقة في المتوسط سنويًا لتغطية أخبار أفغانستان قبل سقوط كابول، كانت مواصلة الحرب سهلة سياسيًا بقدر ما كانت خرقاء استراتيجيًا. وحتى أعضاء البرلمان يأخذون بعين الاعتبار السرد الإعلامي خلال حملاتهم الانتخابية، وهو ما يضع المزيد من القيود على عملية صنع القرار. وهذا التحيز للحرب يجعل بدء الحروب سهلا وإنهاءها صعبًا. والسؤال المطروح: من أين يأتي هذا التحيز؟ 


أوضحت المجلة أن التغطية الأمنية القومية تعتمد إلى حد كبير على المصادر الرسمية والعسكرية ما يجعلها تُفضل التدخل. وعندما سحب الرئيس قواته من أفغانستان، كان العديد من الأشخاص الذين انتقدوا قراره على التلفاز من خبراء الأمن القومي الذين شاركوا أو بالأحرى "استثمروا" في إدامة تلك الحرب. ولهذا فالاعتماد على المصادر الرسمية من قبل الإعلام الأمريكي مفهوم أكاديمي يسمى "الفهرسة"، وهو يحد من نطاق المناقشة. وهناك نماذج مختلفة، فالأخبار الفرنسية مثلا تعتمد أكثر على أصوات المجتمع المدني، لذلك تعكس مجموعة أوسع من وجهات النظر. 


وبينما يحاولون مساعدة جمهورهم على فهم حيثيات الغزو الروسي لأوكرانيا ومختلف مستجداته، يظهر في الإعلام جنرالات متقاعدون مثل فيليب بريدلوف وويسلي كلارك. ودعمهم لمنطقة حظر الطيران يجعل هذه الخطوة تبدو كأنها مدعومة من الخبراء، على الرغم من أن باحثي العلاقات الدولية عارضوها بالإجماع تقريبًا. 


أضافت المجلة أن تقارير الأمن القومي تستند بشكل خاص على المصادر الحكومية، حيث أنها غالبًا ما تتطلب إذن ولوج لمناطق القتال النشط وكذلك إذن نشر المعلومات الحساسة. والعلاقات مع مثل هذه المصادر هي مفتاح هذا العمل، ومعارضة أي مركز عسكري بشكل علني من شأنها أن تعرّض صاحبها للخطر. 

 

اقرأ أيضا: "الصحفيين العرب" تستنكر "التغطية العنصرية" لحرب أوكرانيا

وفي سبيل جعل المواضيع الجيوسياسية المعقدة جلية لشريحة أكبر من الجمهور، يميل الصحفيون والمحللون إلى إسقاط الأحداث العالمية على أطر أخلاقية واضحة للشر والخير، وهو ما يجعل أوكرانيا تبدو أكثر ديمقراطية وهي تحت الهجوم. وهذه الأطر تستدعي دعوة الولايات المتحدة للقيام بالتصرف الصحيح. وقد عبّر سفير الولايات المتحدة السابق لدى روسيا مايكل ماكفول عن هذا بشكل صارخ: "إذا كنتم لا تريدون إعطاء أوكرانيا المزيد من الأسلحة لوقف بوتين عن قتل أطفالهم، فما الذي توصون به إذًا بالتحديد؟". 


وحسب المجلة، فإن الأفعال ذات النوايا الصالحة غالبًا ما تبطش بالأشخاص الذين تهدف إلى مساعدتهم، مثلما حدث مع الشعب الليبي والعراقي الذين أصبحوا في حال أسوأ اليوم مما كانوا عليه قبل تحريرهم من نظام القذافي أو صدام حسين. ومن غير الواضح ما إذا كان توفير الولايات المتحدة لمزيد من الأسلحة سيساعد الأوكرانيين على الانتصار أم سيطيل معاناتهم. 


التعليقات (0)