صحافة دولية

FA: هل يستطيع الغرب إنقاذ كييف دون مواجهة مع موسكو؟

الغرب لم يحرز أي تقدم يذكر في السيطرة على التصعيد- الأناضول
الغرب لم يحرز أي تقدم يذكر في السيطرة على التصعيد- الأناضول

نشرت مجلة "فورين أفيرز" تقريرا للكاتبة جانيس غروس شتاين، أشارت فيه إلى الاستراتيجية الغربية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا، مضيفة أن الغرب لم يحرز أي تقدم يذكر في السيطرة على التصعيد.

 

وقالت في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه عندما حذرت وكالات الاستخبارات الأمريكية من أن بوتين كان يخطط لشن هجوم، اتبعت الولايات المتحدة وحلفاؤها استراتيجيتين على التوالي. أولا، حاولوا السيطرة على التصعيد حيث تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن مبكرا بعدم إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا لتقليل فرصة اندلاع حرب شاملة مع روسيا. ثم تحول بعد ذلك إلى استراتيجية الدبلوماسية القسرية، التي جمعت بين التهديدات والإغراءات.


فشلت هذه الاستراتيجية في اللحظة التي توغلت فيها الدبابات الروسية عبر الحدود الأوكرانية. الآن، مع اقتراب القوات الروسية من كييف، أصبح لدى صانعي السياسة الغربيين هدفان متنافسان. فمن ناحية، يريدون أن يفعلوا كل شيء عدا استخدام القوة العسكرية لمساعدة أوكرانيا على النجاة من هجوم روسيا الوحشي. ومن ناحية أخرى، يريدون منع حرب واسعة النطاق بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. ما يجعل التحدي صعبا هو أنه كلما فعلوا أكثر لتحقيق هدف واحد، قل احتمال تحقيقهم للآخر.

 

وقالت الكاتبة: "لنتأمل مسألة منطقة حظر الطيران، التي طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشكل عاجل من الناتو فرضها فوق بلاده. حيث من شأنها أن تساعد بشكل كبير القوات الأوكرانية المحاصرة، لكنها ستزيد أيضا من احتمالات قيام القوات الروسية بمهاجمة طائرات الناتو عن غير قصد أو عن عمد، وهذا هو السبب في أن أعضاء الحلف استبعدوا ذلك".

 

بعبارة أخرى، تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها معضلة صعبة: "كيف يمكنهم حماية أوكرانيا ومواجهة العدوان الروسي، وفي نفس الوقت يتجنبون الحرب مع روسيا، الدولة التي تمتلك أكبر ترسانة أسلحة نووية في العالم؟".

 

اقرأ أيضا: إجلاء مستمر من مدن أوكرانية.. وروسيا تقترب من حصار كييف

ومع استمرار الهجمات على أوكرانيا، من السهل جدا تخيل سيناريوهات يجد فيها حلف الناتو وروسيا نفسيهما في صراع مباشر لا يريده أي من الطرفين. تتمثل إحدى طرق التصعيد في وصول القوافل القادمة من بولندا ورومانيا لإعادة إمداد القوات الأوكرانية بأسلحة مضادة للدبابات والطائرات. يمكن لروسيا مهاجمة هذه القوافل من أجل خنق تدفق الإمدادات العسكرية التي تحدث فرقا كبيرا في ساحة المعركة.

 

على الرغم من أن الناتو ليس هو من ينظم هذه الشحنات، بل الأعضاء الأفراد، فإن الناتو هو منظمة أمنية جماعية. والهجوم على أي عضو في الناتو هو هجوم على الجميع. ولو قصفت طائرة روسية معدات عسكرية فرنسية أثناء تفريغها في قاعدة برومانيا، "هل مثل هذا الهجوم يبرر الاحتجاج بالمادة 5، الالتزام بالدفاع الجماعي في ميثاق الناتو؟".. لم يتم اختبار هذا الاقتراح، ولكن إذا خلص قادة الناتو إلى أن مثل هذا الهجوم يبرر الدفاع الجماعي، فإن الناتو وروسيا سيجدان نفسيهما في حالة حرب.

 

والأكثر إثارة للقلق هو السيناريوهات التي قد تؤدي فيها الأزمة الحالية إلى استخدام الأسلحة النووية. في الأيام التي سبقت الهجوم مباشرة وعدة مرات منذ ذلك الحين، تحدث القادة الروس عن الأسلحة النووية. ورفع بوتين حالة تأهب القوات النووية الاستراتيجية الروسية مرتين، وحذر وزير خارجيته سيرغي لافروف في الثاني من آذار/ مارس من أن أي حرب مع الناتو ستكون نووية.

 

حتى الآن، لم تزد القوات الروسية من استعدادها تجاوبا مع هذه التحذيرات، ويجادل البعض بأن التهديدات النووية الروسية ليست أكثر من قعقعة سيوف مصممة لردع الناتو عن تقديم الدعم العسكري الحاسم في الجو وعلى الأرض الذي تحتاجه أوكرانيا. لكن لا يوجد عضو في الناتو، وخاصة في أوروبا، على استعداد لرفض التهديدات النووية الروسية باعتبارها خدعة وفتح الباب أمام تصعيد مميت.


حتى الآن، لم يحرز الغرب تقدما يُذكر في السيطرة على التصعيد. تسير المفاوضات بين المسؤولين الأوكرانيين والروس بوتيرة متقطعة. لقد اتفقا فقط على إنشاء ممرات إنسانية للاجئين ومناطق آمنة حول المحطات النووية، وانتهكت القوات الروسية كليهما فور إعلان الاتفاقات. كما أنشأ البنتاغون ووزارة الدفاع الروسية خطا ساخنا جديدا لتفادي الصراع بين القوات الأمريكية والروسية. لكن كل هذه الإجراءات ما هي إلا مكابح ضعيفة للتصعيد.


يبدو أن الردع بمستوى العقوبة الحالي لا يجدي نفعا. تستغرق العقوبات وقتا حتى تأتي بنتيجة، فهي لا توقف الدبابات. لم يعط قادة روسيا أي مؤشر حتى الآن على أنهم مهتمون بصدق بوقف إطلاق النار أو المفاوضات. على العكس من ذلك، فإنهم يضاعفون هجماتهم.

 

بعد محادثته مع بوتين في 3 آذار/ مارس، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه خلص إلى أن الرئيس الروسي كان عازما على الاستيلاء على أوكرانيا بأكملها. قد تدفع ضغوط ساحة المعركة بوتين إلى تقديم عرض، لكنه أوضح نواياه طويلة المدى.


مع تنامي الغضب العام من الغزو وتزايد الخسائر في صفوف المدنيين، سيتعين على دول الناتو السير على خط رفيع بين ردع روسيا وتصعيد الصراع. هناك طريقتان للتفكير في هذه المشكلة.


الأولى: يعتمد بشدة على نظريات راسخة عن العقلانية والردع. وتذهب هذه الحجج إلى أن الطريقة الوحيدة لإيقاف زعيم عدواني هي رفع تكاليف العمل العسكري وإظهار العزم الراسخ، سواء أقوالا أو أفعالا. هكذا رأى الخبير الاقتصادي توماس شيلينغ أزمة الصواريخ الكوبية.

 

جادل شيلينغ بأن المواجهة مع الاتحاد السوفيتي كانت لعبة الدجاج، حيث يتجه سائقان مباشرة وبسرعة نحو بعضهما البعض على طريق ضيق [والسائق الذي يبتعد كي يتجنب الاصطدام يدعى دجاجة]. جادل شيلينغ بأنه عندما تلعب لعبة الدجاج، فإن أفضل استراتيجية هي التخلص من عجلة القيادة، حتى يرى السائق الآخر أنه لم يعد بإمكانك الانحراف عن المسار. هذا السائق الآن ليس لديه خيار سوى الانحراف لتجنب الاصطدام.


وتقول الكاتبة إن قادة الناتو ومنذ بدء الحرب، عززوا قوة الردع. لقد حذروا مرارا من أن أي هجوم على عضو في التحالف سيعتبر هجوما على الجميع. لقد نشروا قوات إضافية إلى أعضاء الناتو المتاخمين لروسيا - إستونيا ولاتفيا وليتوانيا - وإلى أكبر أعضاء الناتو في بولندا ورومانيا. وقاموا بتنشيط قوة الرد السريع التابعة للتحالف، وهي وحدة متعددة الجنسيات قوامها 40 ألف جندي مصممة للنشر بسرعة إذا بدا الهجوم على أحد أعضاء الناتو وشيكا. في غضون ذلك، تواصل الدول الغربية تعميق العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على روسيا والتي تلحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد الروسي.


النهج الثاني غير مألوف لمحللي السياسة الخارجية ولكنه مدعوم جيدا بأدلة من العلوم المعرفية. أظهر الاقتصادي دانييل كانيمان الحائز على جائزة نوبل وعالم النفس عاموس تفرسكي مرارا في التجارب أنه عندما يجد الناس أنفسهم يتوقعون أو يتعرضون لخسارة فادحة، فإنهم يميلون أكثر إلى المبالغة في احتمالية الخسارة التي يواجهونها واتخاذ قرارات أكثر خطورة.

 

اقرأ أيضا: CNN: مسؤولون غربيون ناقشوا إقامة حكومة أوكرانية بالمنفى
 

من المؤكد أن بوتين يناسب هذه الفئة. لقد وصف انهيار الاتحاد السوفيتي بأنه "أعظم كارثة جيوسياسية في القرن" ويعتبر أوكرانيا جزءا من الأراضي التاريخية لروسيا. واشتكى مرارا من خيانة الغرب لروسيا وما يعتبره وعودها الكاذبة. والآن، وبعد العدوان الوحشي غير المبرر الذي بدأه على أوكرانيا، انتقد بوتين الخنق الذي أصاب الاقتصاد الروسي نتيجة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها. كما توضح خطابات بوتين خلال الأزمة، فإن هذا رجل تعمق إحساسه بالخسارة.


في ظل هذه الظروف بالتحديد يتوقع علماء النفس أن يتخذ الناس قرارات محفوفة بالمخاطر. إذا كانوا على حق، فمن المرجح أن يختار بوتين المسار المحفوف بالمخاطر لمزيد من التصعيد بدلا من التراجع في خضم حملة أثبتت أنها أصعب بكثير مما توقع. يحاول أعضاء الناتو جاهدين تجنب التصعيد، لكن استراتيجيتهم المتمثلة في مضاعفة الردع قد تزيد من احتمالية تصعيد بوتين، القائد الغاضب الذي يشعر بأنه محاصر. ومن المفارقات، أن الاستراتيجية المصممة للحث على ضبط النفس يمكن أن تثير التصعيد.

 

تقترح خارطتا الطريق المتنافستان استراتيجيات مختلفة تماما. فكيف يمكن للقادة الغربيين إدارة هذا التناقض؟.. تشير مقارنة الحالات التاريخية إلى أن تسلسل الاستراتيجيات يمكن أن يحدث فرقا. يجب إظهار الصرامة والعزم أولا، وبعد أن يثبت الناتو التزامه، يجب التركيز على تقديم الإغراءات لبوتين لخلق حوافز له لوقف التصعيد والتفاوض.

 

هناك منطق مقنع لهذا النوع من الاستراتيجية، لكنه ينطوي على مقامرة كبيرة على التوقيت. إذا انتظر الناتو طويلا لتقديم الإغراءات، فإن بوتين سيصعد. ولا أحد، باستثناء بوتين نفسه، يعرف كم من الوقت هو طويل للغاية.


هناك طريقة أخرى لإدارة هذه التناقضات وهي استخدام القنوات الخلفية لبوتين لاستكشاف فرص خفض التصعيد. يشمل المرشحون المنطقيون لمحاورين موثوقين إما دولا أخرى، مثل الصين أو إسرائيل أو تركيا، أو فردا خاصة شخص لديه علاقة شخصية طويلة الأمد مع بوتين.. وبقدر ما يبدو التفكير في هذا الأمر مؤلما، فإن هذه العروض يجب أن تشير إلى استعداد لرفع بعض العقوبات ردا على وقف التصعيد. تماما كما يجب أن ترتبط التهديدات بالسلوك الذي يحاول القادة منعه، كذلك يجب معايرة الإغراءات مع السلوك الذي يحاولون الترويج له.


هناك مخاطر، بالطبع، للإشارة إلى الانفتاح على التفاوض. من الممكن دائما أن يفسر بوتين ذلك على أنه علامة ضعف ويقوم بالتصعيد. هذا هو بالضبط ما قد يجادل به دعاة الردع. لكن إدارة بايدن قد تكون مستعدة لتحمل هذه المخاطرة.

 

أشار البيت الأبيض إلى أنه قلق بشأن التصعيد غير المنضبط - على سبيل المثال، الإلغاء المتعمد لتجربة نووية كان من المقرر إجراؤها في الأسبوع الأول من شهر آذار/ مارس لتجنب أي سوء تفسير من قبل روسيا. سيكون من المدهش، إذن، إذا لم تكن إدارة بايدن بالفعل تشجع ضمنيا النهج من خلال القنوات الخلفية.


وتختم الكاتبة بالقول إنه في الأيام والأسابيع المقبلة، سيتعين على القادة الموازنة بين مخاطر مضاعفة الردع ومخاطر التصعيد المميت. لا ينبغي لأحد أن يكون واثقا من أنه يعرف ما سيفعله بوتين. تملي الحصافة أن تحاول الولايات المتحدة وزملاؤها الأعضاء في الناتو قبل كل شيء تجنب تصعيد الحرب التي يمكن أن تقتل أعدادا لا حصر لها من المدنيين خارج حدود أوكرانيا، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المدنيين الأوكرانيين، أقر الناتو بالفعل بوجود سقف للدعم الذي يمكن أن يقدمه لأوكرانيا، بالنظر إلى أن تجنب التصعيد مهم للغاية.

التعليقات (1)
الأمريكان لا يريدون إنقاذ كييف اصلا بل عملوا على الإيقاع بروسيا بالحرب وهذا واضح جدا.
الخميس، 10-03-2022 06:58 م
الأمريكان لا يريدون إنقاذ كييف اصلا بل عملوا على الإيقاع بروسيا بالحرب وهذا واضح جدا. متى تفيقون من غفلتكم وتكون الأخبار حقيقية بدلا من هذا التزييف والخداع؟