مقالات مختارة

أزمة لا يمكن التهوين منها

ماهر أبو طير
1300x600
1300x600

أي خطأ خارج الحسابات المتوقعة في الحرب الجارية، سيؤدي إلى تمددها على نطاق واسع، لتصبح ليس مجرد حرب بين دولتين، بل ستكون كارثة على البشرية، تلطم شعوب العالم.


هذه ليست مبالغة، فنحن نشهد حربا تدخل فيها أطراف بشكل مباشر، أو غير مباشر، عبر المواجهة العسكرية، أو تأمين الأسلحة، أو فرض العقوبات، على الروس مثلا، وما تزال الحرب ضمن مسار محدد لم يؤد إلى اشتباك مباشر بين أكثر من دولتين، لكن أي انحراف مفاجئ، سوف يأخذ العالم إلى مدارات تحاول الدول الكبرى تجنبها، لأنها تدرك أنها لا تحتاج ولا تحتمل حربا عالمية ثالثة، ولا كلفة مثل هذه الحرب، خصوصا، والعالم ما يزال يعاني من جائحة كوفيد.

من مصلحة كل دول العالم، وقف الحرب، بأي طريقة، والسيناريو المتاح البحث عن حل لوقفها، أو الاستسلام أمام الروس، لان أي بديل ثالث يعني الدخول في حرب واسعة لا تبقي ولا تذر.

دولة مثل الأردن، عربية وإسلامية وشرق أوسطية، متضررة منذ الآن من هذه الحرب، فنحن دولة ضعيفة اقتصاديا، تستورد كل شيء، من النفط الذي جنت أسعاره، مرورا بالذهب الذي ارتفع، وصولا إلى القمح والأغذية والكهرباء، والذين يبسطون نتائج الحرب على دول بعيدة عن مدارها المباشر، لا يدركون أن كل العالم سيتأثر أكثر إذا استمرت، وسوف تتضرر الدول الضعيفة اقتصاديا، مهما كان لديها احتياطات، أو مخزون من النفط أو السلع، فكل شيء سوف يتغير، والدول الكبرى لن تحتمل، فما بالنا بالدول الأضعف والأصغر من حيث الإمكانات.

مناسبة الكلام السابق، أننا نقرأ بعض التعليقات التي تريد أن يشتعل العالم، ويتم ذبح الشعوب، إما انتقاما من العالم الغربي، الذي له خطاياه في فلسطين والعراق وغير ذلك، وإما انتقاما من الروس الذين لهم خطاياهم في أفغانستان وسورية والشيشان، وهكذا ننتظر الحل بعقاب يتنزل على كل هذه الشعوب، برغم أن غالبيتها شعوب من الأبرياء، حالهم حال العرب، والمسلمين، ولا ناقة لهم ولا جمل في كل هذه المحارق المجنونة التي يشعلها العالم بيديه.

الحرب أكبر خطيئة إنسانية، لأنها تقتل جماعيا، ولا تستثني أحدا، ويذهب فيها البريء مع المجرم، والشريك مع الحيادي، والطفل مع العسكري المحارب، ولا شر مثل شر الحروب.

لآن العالم أصبح قرية صغيرة، فإن النزاعات والصراعات والحروب تترك أثرا يتجاوز الدول التي تتحارب عسكريا، وفي قصة روسيا وأوكرانيا، نحن أمام حرب شبه كونية منذ الآن، الروس ومن معهم، وأوكرانيا ومن معها، يخوضون حربا عالمية ناعمة، ومن الجهل اعتبار المعركة ثنائية، خصوصا، في ظل الإمدادات العسكرية الغربية لأوكرانيا، على طريقة منكم الرجال، ومنا السلاح والمال، وهي طريقة قد لا تصمد طويلا، مع التهديدات النووية، واحتمال وقوع أي خطأ يحرف مسار الحرب عن مدارها ويحولها إلى حرب مفتوحة ومواجهة مباشرة، وليست عبر الوكلاء.

إذا استمرت الحرب، سوف تستمر التأثيرات الاقتصادية السلبية لها، وهذا يعني أن دول العالم سوف تعاني عما قريب، اقتصاديا، أما الأردن بميزانيته الضعيفة والمدينة، والمحملة بالعجز، فسيجد نفسه بعد قليل أمام أزمة على مستويات مختلفة، وهي أزمة لا يمكن التهوين منها، لا بالكلام عن القمح المخزن والنفط المؤمن، ولا غير ذلك، مما يفرض دون مبالغات، وجود سيناريو للظروف المستجدة، بدلا من الجلوس، وانتظار وقف الحرب، باعتبار أن هذا هو الحل الوحيد المتاح، والذي قد ينقذ دول العالم بأسرها مما هو مقبل وآت من تغيرات لا يحتملها العالم.

 

الغد الأردني 

 

0
التعليقات (0)