مقالات مختارة

على من يطلقون الرصاص في السودان؟

الشفيع خضر سعيد
1300x600
1300x600

أول أمس، 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، خرج شباب السودان في مواكب هادرة، بالتنظيم نفسه والأهداف ذاتها التي خرجوا لها يومي 21 و30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

 

ضجت شوارع العاصمة وعشرات المدن السودانية بالهتاف محددا بدقة تلك الأهداف في هدفين فقط، الأول هو رفض محاولات قطع الطريق على مسيرة التحول الديمقراطي نحو المدنية والعودة إلى مربع القمع والكبت.


أما الهدف الثاني، فهو عودة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك لمباشرة مهامه، باعتبار هذه العودة هي المدخل الوحيد لتحقيق الهدف الأول، بغض النظر عن أي تفاصيل أخرى يمكن بحثها بعد ذلك.

 

والملاحظ في كل حراكات الشارع هذه، أن الذي يخطط لها وينظمها ويقودها هم القواعد في الأحياء وليس هيئات عليا أو قيادات حزبية، والملاحظ فيها أيضا اتسامها بالتنظيم الدقيق، وتقيدها الصارم بالسلمية، ومع ذلك تعرضت لإطلاق الرصاص الحي وسما عدد آخر من شهداء الوطن، كما أصيب العشرات بجروح بعضها خطير وحرج.

 

والسؤال الملح هنا: من هذا الذي يطلق الرصاص أو يأمر به؟ وعلى من يُطلَق الرصاص؟ على شباب الوطن وقوى الثورة الحقيقية؟ أم على عصابات الجريمة المنظمة؟ لقد سئم الناس ما ظلت تردده البيانات الرسمية عن أن بعض المتفلتين خرجوا عن السلمية، فاضطرت القوات لإطلاق الرصاص عليهم. هذا حديث مكرر في كل العهود التي تسترخص فيه السلطات دماء شبابها، ولم يعد يصدقه أحد. وهناك أكثر من طريقة، غير القتل بالرصاص لكبح جماح هؤلاء المتفلتين، إن كان وجودهم فعلا حقيقة.


أحيانا، يخيل لي أن هناك في مواقع القيادة من يستخف بحراك هؤلاء الشباب، رغم إدراكه التام أنه لولا هؤلاء الشباب ودماؤهم التي سالت، لما كان هو في هذا الموقع.


إن الاستخفاف والتجاهل لن يزيد هؤلاء الشباب إلا إصرارا وعزيمة. وهؤلاء الشباب عندما هبوا إلى الشوارع في كانون الأول/ديسمبر 2018، لم يخرجوا بقرار من هذا الحزب أو ذاك، وإنما خرجوا استجابة لتلك المخاضات التي شغلت كل السودانيين بعد عهود من الانتكاسات، التي جاءت استجابة لدعوات وضرورات القطيعة الفكرية والسياسية مع كل التصورات والممارسات الخاطئة في المراحل السابقة وأفضت إلى الأزمة. وهم، بمختلف شرائحهم الاجتماعية ومشاربهم الفكرية، وكما أثبتت التجارب الحية في السودان وخارجه، لديهم قدرة حاسمة في تخفيف حدة الاختلافات والفوارق الفكرية والإيديولوجية بين مختلف مكونات الشارع الثائر، وصهر هذا الشارع في بوتقة الشعارات المندفعة بنفس النغمة  ونفس قوة تردد الموجة. وهم يمتلكون حيوية وقدرة على المغامرة، ونهما للمعرفة وإدراك المصير، وكلها من صفات إحداث التغيير الجذري.

 

والإصلاح لا يمكن أن يتم من خلال فرض التدابير والإجراءات التي نفذتها، ولا تزال تنفذها، قيادة القوات المسلحة منذ الخامس والعشرين من الشهر المنصرم. فهذه التدابير لن تحقق أي إصلاح بل ستفاقم الوضع أكثر وتزيده سوءا.

وباستطاعتهم تجاوز حدود الحراك التقليدي للقوى السياسية المعارضة، فلا يتوقف عند فكرة برنامج الحد الأدنى، بقدر ما يبحث عن بداية الطريق الصحيح لإعادة ترسيم مصير الوطن عبر إرادة حقيقية تفرض العدالة التي لا تستثني أحدا.


لا أرى مخرجا يحقن الدماء سوى التوافق على وثيقة سياسية جديدة تخاطب كل أخطاء السنتين الماضيتين من عمر الفترة الانتقالية.


ومن هنا، يأتي إصرارنا على تكرار حديثنا من أن ثورة هؤلاء الشباب لم تكن مجرد انتفاضة جياع، أو لتحقيق أهداف سياسية بحتة وآنية، بقدر ما هي ثورة جيل، انتفض ليحطم الأفق المسدود الذي بناه نظام القمع والشمولية، وخيبات السياسة والساسة، جيل لن يصمد أمامه أي أفق مسدود آخر، ولن يهدأ له بال حتى ينتصر. فلماذا تطلقون عليهم الرصاص؟ ولماذا لا تستمعون إليهم؟ وهم يستوعبون تماما دروس التاريخ التي تقول بأنه ليس غريبا أن تمر الثورات بعدة مراحل قبل أن تكشف عن كل إمكانياتها، وتتبلور في نهاية الأمر بوصفها تكوينا جديدا جذريا، وثورة كانون الأول/ديسمبر ليست استثناء.

 

فهي يمكن أن تتعدد مراحلها، وتمر بعدة محاولات، كل محاولة منها يمكن أن تعتبر قاصرة ودون النجاح المطلوب بالنسبة للأهداف النهائية، وتستوجب وقفة مراجعة ونقد ذاتي، وإعادة النظر في تركيبة وبرنامج وتكتيكات قوى الثورة، حتى تأتي المرحلة الأخيرة، حيث يتحقق الانتصار؟ على كل حال، هؤلاء الشباب سينالون ما يريدون، طال الزمن أم قصر، شئتم أم أبيتم!


قلنا إن كل مواكب الشوارع الأخيرة، توحدت في هدف واحد ثابت لم يتغير، هو التمسك بمسيرة التحول المدني الديمقراطي، وأن مطالبتها بعودة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك لمباشرة مهامه، هو رمز موحد ومدخل وحيد للعودة إلى هذا المسار.


لم تطالب هذه المواكب بعودة الحرية والتغيير إلى موقع السلطة، ولكنها أيضا ترفض أي إجراءات تعسفية ضدها. وهذه المواكب، في الحقيقة، ظلت منذ بدايات الفترة الانتقالية توجه سهام النقد للحرية والتغيير متهمة إياها بالتقصير في مهامها، خاصة بعد تشكل حكومة المحاصصات الحزبية، التي تراها، ونحن أيضا، خرقا للوثيقة الدستورية، ساهم فيه الجميع مدنيون وعسكريون.

 

كما أن هذه المواكب ظلت حريصة على معرفة ما يدور وسط المبادرات الراهنة التي يقوم بها نفر كريم لنزع فتيل الأزمة، بل وتفاعلت إيجابا بعضها مع بعض، وهي ترى فيها مسارا مغايرا لكنه ليس بالضرورة أن يصطدم بمسارها، مثلما ليس بالضرورة أن تتبناه، وهي لا ترفضه ولا تعاديه ما دام هو لا يتدخل في مساراتها وتكتيكاتها، وفي النهاية العبرة بالنتائج.


وكما أشرنا من قبل، فإن الجميع، في كل الضفاف، يقرون بضرورة إصلاح مسار الفترة الانتقالية وأداء أجهزتها. ولكن، الإصلاح لا يمكن أن يأتي استجابة لضغوط هذا الطرف أو إرضاء لمصالح الطرف الآخر.

 

والإصلاح لا يمكن أن يتم من خلال فرض التدابير والإجراءات التي نفذتها، ولا تزال تنفذها، قيادة القوات المسلحة منذ الخامس والعشرين من الشهر المنصرم. فهذه التدابير لن تحقق أي إصلاح بل ستفاقم الوضع أكثر وتزيده سوءا. وأكرر أيضا، لا أرى مخرجا يحقن الدماء سوى التوافق على وثيقة سياسية جديدة، تخاطب كل أخطاء السنتين الماضيتين من عمر الفترة الانتقالية، وذلك بغض النظر عن تباعد أو تقارب مواقف القوى المختلفة.

1
التعليقات (1)
أحمد عزالدين عبدالله السعيد
الثلاثاء، 16-11-2021 12:48 ص
غريب أن تحصر أهداف الثوار في "ضجت شوارع العاصمة وعشرات المدن السودانية بالهتاف محددا بدقة تلك الأهداف في هدفين فقط" و تتغافل عن اللاءات الثلاث الصريحة التي أطلقها ااشارع: #لاتفاوض_لاشراكة_لاشرعية. ثم تقوم بوصف الوساطات "من نفر كريم" وتهمل دور حضرتكم في تلك الوساطات و تغفل ذكر تفاصيلها و ذكر مجريات ما حدث فيها!! كتابة جميلة، و تفاكر أجمل ولكن كلنا ينظر للفيل في الغرفة الذي تعمدت ذكره.