سياسة عربية

ما هي فرص الوصول لتسوية سياسية في السودان؟

دبلوماسي أمريكي سابق: "لا أتوقع أن تدفع العقوبات الأطراف السودانية للحوار"- الأناضول
دبلوماسي أمريكي سابق: "لا أتوقع أن تدفع العقوبات الأطراف السودانية للحوار"- الأناضول

قالت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية إن هناك بوادر لتوصل طرفي الصراع السياسي العسكر والمدنيين في السودان إلى اتفاق جديد لتقاسم السلطة، في ظل ضغوط دولية متصاعدة على العسكريين للعودة إلى ما قبل انقلاب تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

ونقلت الوكالة، في تقرير ترجمته "عربي21"، عن متحدث باسم الأمم المتحدة، قوله إن المفاوضات بين زعيم الانقلاب عبد الفتاح البرهان وجماعات متمردة سابقة ورئيس الوزراء المخلوع عبد الله حمدوك استمرت الثلاثاء في العاصمة الخرطوم.

وعلى الرغم من إحراز تقدم، بحسب المصدر، الذي لم تكشف "بلومبيرغ" عن اسمه، فإن الاختلافات الرئيسية بين الطرفين لا تزال قائمة، ونتيجة المفاوضات غير مضمونة.

فرص كبيرة


ويثير حديث المتحدث باسم الأمم المتحدة تساؤلات عن إمكانية الوصول لتسوية سياسية، كذلك هل يقدم الطرفان تنازلات للوصول لنقطة مشتركة يتحاوران عليها؟


عبرت الخبيرة في الشأن الأفريقي، الدكتورة أماني الطويل، عن اعتقادها بأن "فرص الوصول لتسوية سياسية كبيرة، خاصة في ظل إصرار المجتمع الدولي على هذا الأمر ورغبته بالعودة للشراكة، كذلك لوجود وعي داخلي بضرورة إجراء حوار".

وتابعت الطويل في حديث لـ"عربي21": "لكن على الرغم من مطالبة المكون المدني بتسلمهم السلطة كاملة، إلا أن الأوضاع الأمنية في السودان ربما لا تحتمل هذا الأمر، لذلك هناك إجماع دولي على ضرورة العودة للشراكة وعدم انفراد أحد المكونين بالسلطة لوحده".


واستدركت بالقول: "ولكن حتى نرى تسوية سياسية شاملة، يجب أن نرى ماذا سيحدث بالمفاوضات والمعطيات والعوامل المختلفة داخلها التي لها تأثير على قرار الطرفين".

 

اقرأ ايضا: مسؤول أمريكي سابق ينفي لـ عربي21 وصول فيلتمان للخرطوم

تشدد تفاوضي مصطنع


وكان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، قد التقى في منزله سفراء دول "الترويكا" التي تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج، وعبر عن "تمسكه بشرعيّة حكومته والمؤسّسات الانتقالية"، مشيرا إلى أن "إطلاق سراح جميع الوزراء والعودة لمزاولة أعمالهم، هو المدخل لحل الأزمة".

وقال "إن إطلاق سراح الوزراء المعتقلين، وعودة حكومته لمباشرة عملها يشكّلان مدخلا لحل الأزمة"، في حين أكدت مجموعة الميثاق الوطني بتحالف قوى الحرية والتغيير أن الحوار هو المَخرج واصفا قرارات قائد الجيش بالتصحيحية.

كذلك قال مصدر مطلع في تحالف الحرية والتغيير مجموعة الميثاق الوطني إن حمدوك اشترط لعودته إلى منصبه، عودة الأوضاع لما قبل قرارات البرهان في الـ25 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كذلك عودة جميع الوزراء لعملهم.

بالمقابل دافع قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان في مقابلة مع وكالة "سبوتنيك" الروسية عن الإجراءات التي اتخذها الجيش في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وكرر حديثه بأن مسار الفترة الانتقالية كان فيه خلل كبير.

وأكد البرهان على أن السلطة الحالية هي من ستختار رئيس الوزراء، الذي قال إنه سيكون من التكنوقراط، كاشفا أن تعيينه سيكون في غضون يومين أو أسبوع على الأكثر.

ويدفع هذا التشدد في المطالب من قبل طرفي الصراع السياسي في السودان، للتساؤل حول ما إذا كان هذا التشدد مجرد ورقة تفاوضية، أو حاجزا يمنع الطرفين من الوصول لتسوية سياسية تُنهي الانقلاب العسكري الذي تم في 25 تشرين الأول/أكتوبر.

يرى مستشار مركز الأهرام لشؤون السودان وحوض النيل، هاني رسلان، أن "أي مفاوضات تبدأ بمطالب سقفها مرتفع للغاية، ولكن يكون ذلك كموقف تفاوضي فقط، والمقصود من رفع السقف التفاوضي الحصول على أكبر مكاسب، وبنفس الوقت تقديم تنازلات بقدر لا يكون فيه خفض لسقف المطالب الحقيقية أو الفعلية".

وتابع رسلان في حديث لـ"عربي21": "لكن رشحت تقارير بأن هناك حلولا وسطا مطروحة، ومن أهم بنودها أن تتكون الحكومة من عناصر مدنية من أصحاب الكفاءات وليس من الحزبيين، وأن يكون لقادة الحرية والتغيير مقاعد في المجلس التشريعي، أما مجلس السيادة فيكون رمزيا ويتكون من ثلاثة أشخاص فقط، ويبقى الأمن والدفاع تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية".

وحول إمكانية الوصول لتسوية حقيقية في ظل هذا التشدد في المطالب، عبر رسلان عن اعتقاده بأنه "لا يوجد مخرج من الأزمة إلا بالوصول لتسوية، لأن عدم حصول ذلك سيترتب عليه عواقب وخيمة على الجميع، خاصة أن بنية الدولة السودانية هشة، وهناك انتماءات جهوية وعرقية وقبلية ترفع الآن مطالب سياسية، أيضا هناك قوى لديها مطالب ظاهرها سياسي وباطنها جهوي وعرقي، بالتالي نتيجة هذه البنية الهشة للبلاد إذا لم يتم الوصول لحل وسط قد يتجه الوضع نحو التفكك".

وأضاف: "لذلك أعتقد أن هناك فرصة للتسوية، ولكن قد تأخذ بعض الوقت لكي تهدأ الأمور قليلا، أيضا من الواضح أن فكرة العصيان المدني أو الامتناع عن العمل سوف تتراجع مع مرور الوقت، لأن الحالة الاقتصادية في السودان مزرية جدا وهناك ضائقة مالية خانقة للناس ولا يمكنهم الاستمرار طويلا بهذه الحالة، وبالتالي أعتقد أن الوقت كفيل بدفع الأطراف للوصول لتسوية، لكن بالطبع ليس الآن فورا فقد تأخذ أياما أو أسابيع".

 

اقرأ ايضا: بلومبيرغ: بوادر اتفاق جديد لتقاسم السلطة بالسودان

من جهته أشار الكاتب والمحلل السياسي، عثمان ميرغني، إلى أن "هناك إمكانية للوصول لتسوية، إذا تم التوافق على نقطة بداية "أول خيط" الحوار المشترك بين القوى العسكرية والمدنية".

وأوضح ميرغني خلال حديثه لـ"عربي21"، بأنه "ظهرت الآن خلف الكواليس محاولات من جانب المكون العسكري للنظر في ترشيحات لشغل منصب رئيس الوزراء، وبالتالي إذا أعلن عن رئيس وزراء جديد فهذا يعني عمليا إلغاء أي فرصة للتسوية، وقفل الباب بصورة كاملة عن الوصول لاتفاق، ليصبح الوضع الحالي هو الأمر الواقع، بمعنى ستُعلن وزارة بصورة كاملة من جانب المكون العسكري، وبمقابل التعنت العسكري سيستمر الشارع في مقاومة هذه الترتيبات".


وتوقع أن "يُعلن المكون العسكري عن حكومة خلال يوم أو يومين، إذا لم تصل جهود الوساطة إلى نتيجة واضحة".

الوسطاء وورقة العقوبات


ومساء الاثنين، قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى السودان، فولكر بيرتس، "من المتوقع أن تحقق جهود الوساطة المحلية والدولية الرامية لحل الأزمة السياسية في البلاد المرجو منها خلال الأيام المقبلة".

وقال بيرتس: "يجري عدد من الأطراف حاليا مساعي وساطة متعددة في الخرطوم... نحن ندعم اثنين من تلك المساعي، ونقترح مبادرات وأفكارا وننسق مع بعض الوسطاء".

وأضاف: "يجري طرح حزم أكبر (من الإجراءات) للتفاوض وهم يأملون في إمكانية ظهور ملامح إحداها... في غضون اليومين القادمين... هناك شعور عام بأنه ينبغي العثور على مخرج".

وأفاد بيرتس بأنه لا يستطيع الحديث عن مطالب أو شروط أو مواقف حمدوك والبرهان، بينما يتنقل الوسطاء بين الاثنين. لكنه قال إن المفاوضات لا يمكن أن تُجرى إلا بين "أناس يتمتعون بالحرية"، في تلميح إلى احتجاز المسؤولين.

وعلى الرغم من حديث المبعوث عن سعي بعض الأطراف لحل الأزمة، إلا أن الطرف الرئيسي الفاعل حاليا في هذه المساعي هي دولة جنوب السودان، وفقا للخبيرة في الشأن الأفريقي أماني الطويل.


وأشارت الطويل إلى أن "دول الترويكا (النرويج وبريطانيا والولايات المتحدة) تدعم جهود جنوب السودان"، مضيفة: "بالتالي هناك فعلا جهود للتوسط بين الفرقاء السودانيين وبمتابعة من بعثة الأمم المتحدة الموجودة في الخرطوم".

 

اقرأ ايضا: جوبا تقود وساطة.. وإعادة اعتقال محسوبين على البشير

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد حذفت اسم السودان من قائمة الإرهاب، ووعدت بتقديم المساعدات، إلا أنها أوقفت مساعدات بقيمة 700 مليون دولار بعد الانقلاب العسكري، ما يدفع للسؤال هل ستدخل أيضا على خط الوساطة، وما احتمالية استخدامها للعقوبات كورقة ضغط على الطرفين؟


أكد كاميرون هدسون، الزميل غير المقيم في المعهد الأطلنطي، والدبلوماسي السابق، على أن "الولايات المتحدة تواجه تحديًا للعب دور قيادي، خاصة أن مبعوثها الخاص مسؤول عن منطقة القرن الأفريقي بأكملها، بما في ذلك إثيوبيا، التي تواجه حاليا صراعا سياسيا وعسكريا".


وتابع هدسون خلال حديثه لـ"عربي21": "يمكن للولايات المتحدة أن تواصل محاولة ممارسة الضغط، لكنني لا أعتقد أن التهديد بفرض عقوبات أمريكية سيغير من آراء طرفي الصراع في السودان".

ولفت إلى أن "العقوبات الأمريكية المنتظمة لن يكون لها أي تأثير على تفكير العسكريين في هذه المرحلة، وحتى العقوبات الأمريكية التي تستهدف العسكريين أو من نفذوا الانقلاب من غير المرجح أن تنجح في هذه المرحلة، فهم أثبتوا بالفعل أنهم يهتمون فقط ببقائهم الشخصي والسياسي والمالي أكثر من أي شيء آخر".


واستدرك بالقول: "ومع ذلك، فإن تصنيف قوات الدعم السريع أو المخابرات العسكرية كمنظمة أجنبية إرهابية أمريكية، كما فعلنا مع الحرس الثوري الإيراني في إيران تحت حكم ترامب، من شأنه أن يفرض عقوبات مالية وعقوبات سفر على تلك الجماعات بشكل جماعي وعلى أعضائها، وكذلك ستصنف على أنها إرهابية، بالتالي سيخلق لديها نوعا من الشعور بالخوف والذل، المترافق مع ذكرى الإرث المؤلم للعقوبات الأمريكية على الإرهاب في السودان قوياً للغاية، وقد تكون فكرة تجنب هذه العقوبة مرة أخرى مفيدة لهم".

 

اقرأ أيضا: حمدوك يتحدث عن حل لأزمة السودان.. وتفاؤل بتسوية قريبة

بدوره لفت المختص بالشأن السوداني هاني رسلان، إلى أن "الولايات المتحدة هي أكثر الأطراف تحركا، وهي توظف قوتها في ذلك، وهي تتواصل مع السعودية والإمارات للدفع بمسألة الوساطة والحلول الوسط والحديث مع الفريق البرهان والأطراف الأخرى، وهناك أيضا بعثة الأمم المتحدة الموجودة في السودان تتحرك في هذا الإطار، والتي طلبت من مجموعة من السياسيين السودانيين أن يكونوا لجنة والقيام بمساع في هذا الشأن وقد بدأت فعلا".

وأكد على أن "امتلاك واشنطن القوة وأوراق للضغط يساعدها في لعب دور الوساطة، فهي قامت برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، كذلك تسعى إلى إلغاء الجزء الأكبر من الديون وتقديم المساعدات، وتعهدت بـ 700 مليون دولار التي علقتها الآن، وتضغط على الدول العربية لعدم تأييد البرهان بل تأييد الحلول الوسط وهكذا، وضغطت على البنك الدولي لإيقاف المساعدات للسودان، بالتالي لديها قدرة كبيرة على التدخل ولديها أوراق ضغط كثيرة لا يمتلكها أي طرف آخر".

 

التعليقات (0)