قضايا وآراء

من جرّاح القدس إلى "جرّاحات" الربيع العربي

أحمد موفق زيدان
1300x600
1300x600
جدد حيّ الجرّاح المقدسي الدورة الدموية العدائية مع الاحتلال الإسرائيلي، وجدد معها الحديث عن جراحات دول الربيع العربي التي تقرّحت وتعمقت أكثر فأكثر، فسياسة الاحتلال الإسرائيلي بتهجير أهالي حي الجراح المقدسي قد وُضعت أسسها ونفذت، لكن على مستوى دول وحواضر سنية عريقة، ولعقدين متواصلين، حين بدأ الاحتلال الإيراني بتفريغ مدن سنية عريقة من أهلها في العراق ثم في سوريا واليمن وغيرها، ليدفع ذلك كاتبةً غربية إلى توثيق هذا الترانسفير الأخطر في التاريخ الحديث بكتابة كتابها الموثق تحت عنوان (أفول السنة).

إنَّ ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي اليوم هو حلقة في سلسلة بدأها الاحتلال الإيراني قبل عقدين، متلقياً الدرس من تهجير الفلسطينيين قبل قرن تقريباً على أيدي عصابات الهاغاناه والأرغون الصهيونية، لتعود اليوم - تختلف الأسماء فقط - عصابات حزب الله وفاطميون وزينبيون والحشد الشعبي والحوثيون وغيرهم، يبزون بذلك ما فعلته الهاغاناه في فلسطين 1948.

يتشابه البقر تماماً في القدس وشقيقاتها دمشق وصنعاء وبغداد وبيروت، وتتشابه معها الجريمة والمجرم. ففي مخيمات الشتات السوري تناقل النشطاء مقطعاً لثمانيني سوري ذي لحية ناصعة البياض غير مشذبة، جالساً على ما يمكن وصفه مجازاً بالفراش، وهو يمسح دموعاً حرّى بباطن جلابيته، تقذفها عيناه كالحمم، يبكي سياسة الصهاينة في تهجير أهله وأبناء حي الجراح. وكما قال الشاعر من قبل، لا يؤلم الجرح إلاّ من به ألم، وجرح تهجير الثمانيني من بلده لا يزال طرياً في ذاكرته، ولذا فهو يفهم معاناة ذلك أكثر من كتب ومجلدات شارحة ألم الاقتلاع من الأرض.

إنَّ اقتحام المسجد الأقصى الذي حصل اليوم سبقته اقتحامات لعشرات وربما مئات وآلاف المساجد في أكناف بيت المقدس. فمن لا يتذكر اقتحام المسجد العمري في درعا مهد الثورة السورية؟ ومن لا يتذكر تدنيس مسجد خالد بن الوليد رضي الله عنه في حمص؟ ومن ينسى تدنيس مسجد عمر بن عبد العزيز في معرة النعمان ونبش ضريحه والعبث فيه؟ ومن ينسى آلاف المجازر التي حصلت في الشام واليمن والعراق على أيدي عصابات الهاغاناه والأرغون الجديدة، في الوقت الذي لاذت فيه اليوم هذه العصابات بالصمت تجاه ما يجري لأهلنا في حي الشيخ جرّاح والمسجد الأقصى.. وحق لها أن تصمت ما دامت تشارك المحتل الإسرائيلي بالهدف، في إبقاء طاغية الشام وحكم المليشيات الطائفية العابثة بالسكان الأصليين في أكناف بيت المقدس، لتشكل من جرّائه حزاماً فوضوياً عبثياً يحمي الصهاينة من غضبة هذه الشعوب الحية المتشوّقة إلى يوم تساند فيه أهلها في بيت المقدس.

قبل أيام نشرت صحف إسرائيلية عن استخدام الاحتلال الروسي طائرات بلا طيار إسرائيلية الصنع بقصف مناطق في سوريا، فهل ثمة أوضح من هذا على تواطؤ الحلف الثلاثي من طهران وموسكو وتل أبيب على تفريغ أكناف بيت المقدس من أهله حيث داعموه ومساندوه؟! لم تكن هذه الدول الثلاث المستهدفة اليوم من الاحتلال الثلاثي الروسي والإيراني والصهيوني إلاّ داعماً ومسانداً للأقصى، ولذا يدفع اليمن ثمن وقوفه ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، بحيث كان في عين عاصفة الاحتلال الثلاثي.

في فلسطين نُقتل في القدس، وفي دمشق وصنعاء وبيروت وبغداد نقتل باسم القدس وفيلقها وفرع فلسطينها، وفي اليرموك الحي الفلسطيني الأشهر في دمشق ندفع الثمن، وتنبش رفات أبنائنا وبناتنا للإهانة والتدنيس، في حين تنبش رفات الصهاينة لتكريمها وإعادتها للمحتل.

عذراً حي الجراح في فلسطين الحبيبة، وعذراً مسجدنا الأقصى وعذراً أهل فلسطين، فقد حبس الشام والعراق واليمن وغيرها العذر بل الأعذار، حبسها سجين المحابس كلها وليس محبساً واحداً أو اثنين. عذراً فإن ما يقوم به أهالي أكناف مقدسكم هو استمرار للمعركة، ولكن بأشكال مختلفة، فالمعركة واحدة والعدو واحد، والضحية واحدة والدم واحد، ومهما تكالبت الضباع والكلاب على أقصانا وأكنافه فالأمل لا يزال يشعلون فتيلَهُ فتيةٌ آمنوا بربهم، ولم يبدلوا تبديلاً.
التعليقات (0)