مقالات مختارة

لا إضراب عن العِلم!

رشيد ولد بو سيافة
1300x600
1300x600

لم يَكن ذلك المشهد لمعلّمة متقاعدة من وهران، وهي في حالة من الغضبِ والهستيريا، مشهدا تمثيليا، ولا مبالغة منها في التّعبير عن الحالةِ الكارثيةِ التي وصلت إلى أوضاع المعلّمِ والأستاذ، جرَّاء السياسات المتعاقبة التي لم تُعطِ لقطاع التّعليم حقَّه من الاهتمام، اللهمَّ إلا اعتباره حقلَ تجارب للبرامج والمناهج التي غالبا ما تُنفَّذ دون أخذ استشارة واسعة من أبناء القطاع، وهو ما حدث بشكل صارخ خلال عهدي الوزيرين نورية بن غبريط رمعون وأبو بكر بن بن بوزيد.

تشير التقارير الدولية إلى أن الدّخلَ السّنوي للعاملين في حقل التّعليمِ في الجزائر يأتي في المراتب الأخيرة عالميا، وهو الأدنى على مستوى العالم العربي، وهي تقارير ودراسات تتكرّرُ كل عام وتَجمِع كلها على الرّتبة الدّنيا لحالة المعلّم في الجزائر، وعلى الرّغم من الأهمية الكبيرة التي تُعطى لقطاع التّربية والتّعليم في خطابات الرّسميين والسّياسيين، خاصة خلال الحملات الانتخابية، إلا أنّ ذلك مجرَّد خطاب استهلاكي لا يجد طريقا إلى التجسيد في الميدان.

هذا الوضع انعكس بشكل خطير على القيمة التي يمثلها الأستاذ في المجتمع الجزائري، حتى أنه أصبح قرينا للفاقة والعوز، ما دفع بالكثير من الأساتذة إلى ممارسة نشاط مواز ليضمن بعض متطلبات العيش الكريم، مادام الراتبُ الذي يتلقّاه لا يغطي حاجات عائلته لمدة أسبوع واحد، لذلك؛ اتّجه الكثير منهم إلى تقديم الدّروس الخصوصية، أو ممارسة نشاط تجاري أو خدماتي، ومن لم ينجح في الحصول على مصدر رزق إضافي يعيش فقرا مدقعا.

لذلك؛ فإنّ الأستاذ عندما يحتج، ويطالب ينبغي أن يجد آذانا صاغية، وأن لا يوصف بصفات تقلل من قيمته، وعلى السّلطات العليا في البلاد أن تراجع سياستها المعتمدة إزاء التّعليم، لأنّ تطوّر البلاد مرهون بمدى اهتمامنا بهذا القطاع، ولن يتغير حال البلاد إلى الأحسن ما دامت ميزانية فريق لكرة القدم تساوي أضعاف ميزانية مؤسسة تربوية!

إنّ تحسين الوضع الاجتماعي والمعيشي للمعلم والأستاذ سيدفعه آليا إلى التخلي عن بعض المطالب التي لا تُرفع بقوة إلا في قطاع التعليم مثل التقاعد النسبي والتقاعد دون شرط السّن، وفي الواقع فإنّ هذه القضية تم افتعالها خلال السّنوات الأخيرة، حين تم إجبار عشرات الآلاف من الكوادر التعليمية على إيداع ملفات التقاعد قبل دخول قرار الإلغاء حيز التنفيذ. وعموما فإنَّ هذه القضية يجب أن تُطرح على مستوى كل القطاعات وليس قطاع التربية وحده.

إنّ النّظر بإيجابية، وتفهّم إلى المطالب التي يرفعها عمالُ القطاع هو عين الصواب، لكن الحذر كل الحذر من أن تتحول هذه الحركة المطلبية التي تبنَّتها النقابات إلى إضراب مفتوح يكون أبناؤنا هم ضحاياه، لأنه لا يصح أخلاقيا ولا مهنيا التّضحية بمستقبل 8 ملايين تلميذ من أجل تحقيق مطالب مهنية. إنّ أشكال النّضال كثيرة ومتنوعة وهي متاحة لعمال قطاع التربية إلا الإضراب المفتوح، فقد أثبتت التجربة أنه كارثة أخرى على المدرسة الجزائرية المنكوبة أصلا.

(عن صحيفة الشروق الجزائرية)

1
التعليقات (1)
أبو العبد الحلبي
الخميس، 29-04-2021 11:47 ص
لا تزال كل أقطارنا في قمعستان "أي تلك البلاد الممتدة من الخليج النائم إلى المحيط الهائم" خاضعة للاستعمار ، و هذا الاستعمار حقود لا يؤمن شره و هو في إدارته لأمورنا الحياتية استهدف التعليم بشقيه المدرسي و الجامعي ليجعله تعليماً دون المستوى المطلوب . كان السبيل إلى ذلك تعيين إدارات عليا جاهلة منخفضة التفكير رواتبها كبيرة لكنها مطايا لتنفيذ سياسات مصنوعة خارج قمعستان . من ضمن هذه السياسات ، تدني أجور العاملين في قطاع التعليم و استقطاعات ظالمة من حقوقهم المالية و ضرائب جائرة على دخلهم المنخفض أصلاً . هذه الإساءات للمعلمين – سواء في المدارس أو الجامعات – سياسات منهجية و آثارها واضحة في تخلفنا عن ركب الأمم ، حيث لن ينتظر عاقل من معلم مثقل بأعباء المعيشة و مهموم بتكاليفها أن يعطي لطلبته العطاء المطلوب في العملية التدريسية. في البلدان المستقلة قليلة العدد نسبياً في هذا العالم ، ستجد إدارات مخلصة تكرم المعلمين برواتب مجزية و حوافز تشجيعية و هم في الخدمة و بعد التقاعد لذلك جودة التعليم موجودة فعلاً هناك . في قمعستان المحتلة ، ستجد إدارات خائنة تعادي المعلمين و تتآمر عليهم و تتجسس عليهم و تخترع الوسائل لسرقتهم على قلة ما يملكون أصلاً ... الهدف المهم ، الذي غالباً ما لا يدركه الإداريون الأغبياء لدينا ، العمل المستمر على أن لا تكون لدينا مدارس أو جامعات تضاهي مثيلاتها في أوروبا مثلاً .