صحافة دولية

الغارديان: التقرير البريطاني حول العنصرية كان مصيدة ساخرة

مالك: هذا نتيجة سنوات من عمل اليمين على تشويه المواقف المناهضة للعنصرية- الأناضول
مالك: هذا نتيجة سنوات من عمل اليمين على تشويه المواقف المناهضة للعنصرية- الأناضول

سلطت صحيفة "الغارديان" البريطانية الضوء على تقرير الحكومة حول التباينات العرقية في المملكة المتحدة، الذي أصدرته الأسبوع الماضي.

وتوجه الصحيفة عبر مقال للكاتبة نسرين مالك، انتقادات حادة للتقرير الذي توصل إلى أنه لا توجد عنصرية مؤسسية.

وعدّت الكاتبة خلاصة التقرير تأتي منسجمة مع رؤية حكومة المحافظين، ونتيجة سنوات من عمل اليمين على تشويه المواقف المناهضة للعنصرية.

وحسب مالك فإن التقرير "يشكل دليلا تمهيديا للحجج والخطاب الذي يمكن استخدامه في رفض مزاعم العنصرية البنيوية. وهو يرسم هذه التصورات على أنها تخيلات محمومة للمتطرفين الذين يصرون على التمسك بكونهم ضحية مع أنه ليس هناك ضحية".

وفي ما يلي نص المقال:

نقطة البداية هي دائما "هل بريطانيا عنصرية؟"، بصيغة أو بأخرى. إنه سؤال ينقسم المجيبون عليه إلى معسكرين. لا توجد طريقة للإجابة على مثل هذا الاستفسار الذي لا يستبعد الكثير من الحقيقة، سواء حول انتشار العنصرية في بريطانيا اليوم أو التقدم الواضح الذي حققته البلاد. مع غياب هذا الفارق البسيط في إجابتي "نعم" و"لا"، يزداد غضب كل طرف ويُصب الزيت على النار. هذا هو حالنا اليوم في المملكة المتحدة، محاصرون في إطار غير مجد للمشكلة، ونصرخ بشكل هزلي على بعضنا البعض مثل جماهير التمثيل الإيمائي.

هذا نتيجة سنوات من عمل اليمين على تشويه المواقف المناهضة للعنصرية. عندما نتحدث عن العنصرية اليوم، فإن ما نفعله عن غير قصد هو إخضاع أنفسنا لاختبار الولاء. إن الإشارة إلى أن بريطانيا عنصرية لا تصبح ملاحظة حول الحقائق، بل تصبح خيارا لتقويض دولة حسنة النية تبذل قصارى جهدها. إنه "تقليل من شأن بريطانيا" وعدواني وتجاوز وإعلان حرب على البلاد وأهلها الطيبين. وهكذا تصبح محاولة مناقشة العنصرية تتعلق بكل شيء ما عدا العنصرية نفسها، وتختزل إلى مجرد أداة للتمييز بين المخربين والمؤيدين.

هذه بيئة يمكن فيها تكوين قدر كبير من رأس المال السياسي. كان تقرير الحكومة الأسبوع الماضي حول التباينات العرقية في المملكة المتحدة مثالا واضحا على استخدام الإطار الثنائي لمناشدة أحد المعسكرين وتحذير الآخر. نظر التقرير في العنصرية المؤسسية وأعلن أنها غير موجودة. حصلت بريطانيا على براءة.

ويشكل التقرير دليلا أو كتابا تمهيديا للحجج والخطاب الذي يمكن استخدامه في رفض مزاعم العنصرية البنيوية. وهو يرسم هذه التصورات على أنها تخيلات محمومة للمتطرفين الذين يصرون على التمسك بكونهم ضحية مع أنه ليس هناك ضحية. وبدلا من ذلك، يجب أن ننظر إلى "الجغرافيا، وتأثير الأسرة، والخلفية الاجتماعية والاقتصادية، والثقافة والدين" كأسباب للتفاوت العرقي.

كان التقرير مصحوبا بتصريحات كاسحة بشكل مذهل مثل "المثالية حسنة النية لكثير من الشباب الذين يزعمون أن البلاد لا تزال عنصرية مؤسسيا بالرغم من عدم وجود الأدلة على ذلك". ولكن الدليل موجود، في اعتقال الرجال السود، ومعدل وفيات النساء السود أثناء الولادة، وعدد وفيات الوباء. ولكن في التفاعل المعقد بين العرق وعوامل أخرى، تؤكد لجنة العرق الحكومية فقط على ما تريد منا أن نراه. لكن ها أنا ذا، أقلل من شأن بريطانيا مرة أخرى.

لكل فرد الحق في آرائه الخاصة ولكن ليس الحقائق الخاصة به، كما يقول المثل. لكن يبدو أن هذه الحكومة بذلت قصارى جهدها لتمييز بعض الحقائق عن أخرى. وعينت مفوضين، أعرب بعضهم بوضوح عن ازدرائه لمفهوم العنصرية المؤسسية، للإشراف على تقرير حول العنصرية المؤسسية. لذلك يبدو أنه لا مفر من التوصل إلى الاستنتاج بأن الادعاءات المتعلقة بالعنصرية المؤسسية "لم تثبت بالأدلة"، حتى عندما تتعارض التفاصيل الواردة في التقرير نفسه مع هذه الفكرة.

ويجب ألا يخطئ المرء هنا فإن هذا لم يكن عدم كفاءة أو لامبالاة. رد الفعل على استنتاجات التقرير لم تكن نتيجة غير متوقعة أو غير مقصودة. في الواقع، يُقصد منها إبراز أحد موضوعات التقرير - فكرة أنه سيكون هناك دائما أولئك الذين "يستوعبون السردية القدرية التي تقول إن الحظوظ تعمل بشكل دائم ضدهم" ويقاومون السردية التي تحكي "قصة تقدم بلدنا لمجتمع متعدد الثقافات- منارة لبقية أوروبا والعالم". في تأطير الحكومة لهذه القضية، يلعب الغاضبون دورا مهما. إنهم المشكلة وليس العنصرية.

غضبك مفيد للحكومة التي تنتعش بالانقسام. إن إزعاج "الأشخاص المناسبين" هو إحدى الطرق التي يحافظ بها حزب المحافظين على قابلية البقاء عندما يكون أداؤه الفعلي في الحكومة سيئا للغاية.

نميل إلى التفكير في هذه الاستفزازات على أنها أخطاء فادحة تقوض سمعة ومصداقية من هم في السلطة. لكن حزب المحافظين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو حزب يظهر علنا استعداده للمعركة، وهو يدفع إلى الاعتقاد بأن البلاد بحاجة إلى استعادة القليل من التبجح، مع وجود رئيس للوزراء يقود المشجعين. إذا لم تشاركها وجهة النظر لبريطانيا، فسيتم نفيك إلى الهامش بصفتك شخصا مضايقا.


إنها مساحة صعبة لحزب العمال وكير ستارمر، الذي وضع نفسه بالفعل في الزاوية بمعارضته البناءة. كيف تتحدى حكومة قامت بعملية تبييض للعنصرية على مرأى من الجميع، دون الوقوع في فخ الثنائية العنصرية؟

غالبا ما يكون السبيل للخروج من هذه المواقف المزعجة للسياسيين والمواطنين على حد سواء هو ببساطة القيام بالأمر الصحيح، لجمع الأدلة بلا كلل على العنصرية المؤسسية، وتحويلها إلى رواية مضادة لدولة لا يزال لديها الكثير لتفعله، ودعم عمل المنظمات الشعبية.

وفي نفس الوقت، ووسط كل هذه الاستراتيجيات الساخرة تتضرر حياة أشخاص عاديين وتضيع فرص حقيقية.

هذا التقرير هو أكثر من مجرد تخلٍ عن الواجب، إنه إشارة إلى أن الأقليات العرقية الهادئة فقط هي موضع ترحيب هنا. إذا كانت تجربتك مختلفة، إذا كانت احتياجاتك مختلفة، فإن هذه الحكومة لا تبحث عنك. إذا خذلتك الشرطة أو خدمات الرعاية الصحية أو مدرستك، فأنت وحدك. فقد قررت الحكومة أن التخفيف من تأثير العنصرية المؤسسية على الآفاق والصحة العقلية ومتوسط العمر المتوقع للمواطنين أقل أهمية من تكوين رأس المال السياسي. الرسالة الحقيقية لهذا التقرير هي أن هناك العديد من الأشخاص الذين يتم استغلال آلامهم لإشعال نيران الاستياء التي تأمل الحكومة الاستفادة منها. لكن الحرائق يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة.


التعليقات (0)