قضايا وآراء

السيسي المحاصر بالأزمات برا وبحرا

قطب العربي
1300x600
1300x600
في أسبوع واحد شهدت مصر عدة كوارث وطنية؛ بدأت بجنوح إحدى السفن العملاقة في قناة السويس ما تسبب في تعطيل حركة الملاحة بالقناة، ثم تلاه حادث تصادم قطارين في محافظة سوهاج جنوب مصر راح ضحيته عديد الموتى والمصابين، ثم جاء انهيار أعمدة أحد الكباري في إحدى المناطق الشعبية، وكذا انهيار مبنى سكني من عشر طوابق في حي شعبي آخر، وحريق في محطة السكة الحديد بالزقازيق. وفي كل الحالات كان هناك ضحايا كثر.

ما كل هذا "النحس" الذي ضرب مصر خلال أسبوع واحد؟ ومن هو المتسبب في هذه الكوارث، ومن يتحمل مسئوليتها الجنائية والسياسية؟ ومن سيدفع فاتورتها؟ وإلى متى تستمر؟

لا يصح هنا التعلل بالقضاء والقدر، لأن ذلك الباب يستخدم لتبرئة المسئولين عن تلك الكوارث. والمسئولية هنا تبدأ بأصغر مرشد ملاحي أو قبطان، أو سائق قطار أو عامل تحويلة، أو مهندس معماري (كمسئولية جنائية)، وتنتهي برأس النظام الذي يتحمل ونظامه المسئولية السياسية الكاملة عن كل نتائج الإهمال والفساد والاستبداد الذي أرسى دعائمه وصنعه على عينه منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 وحتى الآن.
يصح هنا التعلل بالقضاء والقدر، لأن ذلك الباب يستخدم لتبرئة المسئولين عن تلك الكوارث. والمسئولية هنا تبدأ بأصغر مرشد ملاحي أو قبطان، أو سائق قطار أو عامل تحويلة، أو مهندس معماري (كمسئولية جنائية)، وتنتهي برأس النظام الذي يتحمل ونظامه المسئولية السياسية الكاملة

وللمفارقة فقد تبارى كبار الإعلاميين المصريين في تحميل الرئيس مرسي خلال سنة حكمه؛ المسئولية عن حوادث أقل من ذلك بكثير، مستدعين مقولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب "إذا عثرت بغلة بأرض العراق لخشيت أن يسألني الله عنها لمً لم تمهد لها الطريق يا عمر"، ولكن هذه الأصوات خرست تماما تجاه الكوارث الجديدة، بل تبارت في تبريرها، وتبرئة السيسي ونظامه منها بزعم أنها كوارث طبيعية تحدث في كل دول العالم وفي كل الأزمنة، وأن المسئولية تقع فقط على صغار الموظفين أو حتى على مجهولين، كما هو الحال في حادث القطار.

لم تتوقف الحوادث الكبرى التي تسببت في عشرات بل مئات القتلى والمصابين منذ العام 2013 وحتى الآن، ولكنها جميعا مرت دون حساب، بل تمت ترقية المسئولين عن بعضها، ومنهم وزير النقل الحالي كامل الوزير نفسه، وهو رئيس الهيئة الهندسية التي نفذت كل المشروعات الهندسية الكبرى في مصر منذ 2013، وهو الأكثر قربا من السيسي الذي رقاه أمام الكاميرات إلى رتبة الفريق، وعهد إليه بالوزارة كمنقذ، وكنموذج يقتدى به. ومع ذلك فقد شهدت فترة توليه الوزارة منذ آذار/ مارس 2019 عدة حوادث، مثل حادث الكرنك (الأقصر) في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وحادث إجبار كمساري قطار (محصل التذاكر) راكبين على القفز من القطار أثناء سيره لعدم امتلاكهما ثمن التذكرة، وحادث خط قلين في كفر الشيخ في 19 نيسان/ أبريل 2019. ورغم تكرار الحوادث في عهده إلا أن السيسي يرفض إقالته، حتى بعد أن هتف أهل سوهاج في وجهه "ارحل"؛ لأنه يعتبر ذلك إهانة شخصية له.
رغم تأميمه لوسائل الإعلام، وفرض سياسة التعتيم على الأخبار الحساسة، إلا أن النظام المصري لم ينجح في إخفاء هذه الكوارث

رغم تأميمه لوسائل الإعلام، وفرض سياسة التعتيم على الأخبار الحساسة، إلا أن النظام المصري لم ينجح في إخفاء هذه الكوارث. فالكارثة الكبرى التي حلت بقناة السويس لا تخص مصر فقط، بل تهم العالم كله، حيث تنقل القناة أكثر من 10 في المئة من حجم التجارة العالمية، ولذا كان من غير الممكن التعتيم على الكارثة، رغم أن هيئة قناة السويس أو أجهزة الدولة الأخرى ووسائل إعلامها لم تذع خبرا عن الحادث لأكثر من يومين تقريبا. وقد سبقتها وسائل الإعلام الأجنبية إلى ذلك فلم يجد النظام بدا من التحرك لمواجهة هذا التدفق الإخباري الدولي، وبعد صمت رهيب اضطر رئيس هيئة القناة الفريق أسامة ربيع لعقد مؤتمر صحفي لتبرئة إدارته؛ مستبقا بذلك التحقيقات الرسمية في هذا الأمر.

كما أن حادث قطار الصعيد وما تبعه من حوادث ظهرت فور وقوعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي لم ينجح النظام حتى الآن في إغلاقها رغم محاولاته المتعددة، ورغم فرضه قانونا يجرم نشر أي رواية غير رسمية عليها، ومعاقبة مرتكب ذلك بعقوبات مشددة. وكانت النتيجة هي انهيار جديد للمنظومة الإعلامية الخاضعة للنظام، وانصراف المشاهدين والمتابعين إلى المنابر الإعلامية المعارضة التي تبث من الخارج أو إلى الإعلام الأجنبي أو وسائل التواصل الاجتماعي.

من المهم في هذا السياق التفرقة بين قناة السويس ذاتها كأحد الأصول الاقتصادية الوطنية الكبرى، وهي ملك للشعب المصري كله بمؤيديه ومعارضيه، وبالتالي فإن الجميع يتألمون لما يصيبها من ضرر لأنه يعود عليهم حتما، وبين إدارة القناة التي ينبغي مساءلتها عن أي قصور أو فشل، دون أن يعد ذلك نوعا من الشماتة المرفوضة.
يبدو السيسي (ونظامه) محاصرا بالعديد من الأزمات الداخلية (برا وبحرا) الناتجة عن سوء إدارته، وعن استبداد حكمه، وعن "عسكرته" لكل مناحي الحياة في مصر، ولم تفلح كل عمليات التجميل والمساحيق في إخفاء هذه الأزمات

والمتابع لتاريخ إدارات قناة السويس منذ تأميمها عام 1956 يلحظ أنها أصبحت إقطاعية خاصة للقوات البحرية المصرية، حيث تولى رئاستها عدد من الضباط المهندسين؛ بدءا من محمود يونس ومشهور أحمد مشهور، مرورا بالفريق أحمد فاضل وفؤاد مميش، وانتهاء بالفريق أسامة ربيع، وثلاثتهم كانوا قادة القوات البحرية قبل نهاية خدمتهم العسكرية. وهذا لا يمنع من مساءلتهم برلمانيا وشعبيا، لكن المشكلة أننا أمام برلمان هزيل تم تشكيله في أقبية المخابرات الحربية، ولا يجرؤ أي نائب فيه على تقديم استجواب ضد رئيس هيئة القناة أو ضد وزير النقل؛ كما فعل الدكتور محمد مرسي باستجوابه الشهير في العام 2002 ضد وزير النقل في حادث قطار مشابه.

يبدو السيسي (ونظامه) محاصرا بالعديد من الأزمات الداخلية (برا وبحرا) الناتجة عن سوء إدارته، وعن استبداد حكمه، وعن "عسكرته" لكل مناحي الحياة في مصر، ولم تفلح كل عمليات التجميل والمساحيق في إخفاء هذه الأزمات، والتي تولد بدورها المزيد من الأزمات الأخرى للنظام في الداخل ناهيك عن الأزمات الدولية التي تحاصره في الخارج. وبذلك يخرج هذا النظام من أزمة ليقع في أزمة أكبر، ولكن المشكلة أن الشعب المصري هو الذي يدفع أثمان هذه الأزمات من دمائه وثرواته.

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الأحد، 28-03-2021 10:22 م
*** الحوادث المتكررة، والمصائب المتتالية، دالة على اهتراء أجهزة الدولة وفسادها وقرب انهيارها، مع نقص مخصصات الصيانة والتدريب، واضطهاد وإسكات وإبعاد الخبراء والمتخصصين الشرفاء، وتعيين الفاسدين غير ذوي الخبرة والكفاءة في المناصب القيادية، التي تمنح مكافأة للتماهي مع النظام الانقلابي، وكامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية السابق مثال لهؤلاء، فقد تم منح الهيئة الهندسية حق إسناد المشروعات بالأمر المباشر، لتقوم بفرض الإتاوات على الشركات المنفذة وتحصيل العمولات لقاء إسناد تنفيذ المشروعات الفاشلة التي تهدر أموال القروض عليها، ومثالاُ لذلك تفريعة القناة التي لم تؤد إلى أي زيادة في عوائدها، والحادث الأخير يثبت لكل من يتعامى، أن الأموال المنهوبة لم تنفق على تطوير وتطهير المجرى الملاحي، مع تعيين المحاسيب من الجنرالات الجهلة غير ذوي الكفاءة في مناصب الإرشاد البحري الخطيرة، كما يتم تمويل المشروعات المظهرية كعاصمة السيسي الجديدة بإغراق البلاد في الديون الأجنبية والمحلية، ويضخ أموال الإتاوات والتربح إلى صناديق خاصة ومسارب خفية ليتم الاستيلاء عليها، بعيداُ عن أي رقابة لأجهزة الدولة، وفي غياب متابعة ممثلي السلطة التشريعية الأمناء، وعندما نحذر من أن العاقبة هي أن مصر على شفير الإفلاس كما النموذج اللبناني، يرد من يصرون على خداع أنفسهم بأن علينا أن ننتظر نتيجة مشروعات الدجال السيسي التي يمنونهم بها، التي ستنقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة، وسيندم هؤلاء حين تنهار الدولة ولا ينفع الندم على غفلتهم وتأييدهم لإجرام الجنرال الانقلابي الدجال وعصبته، ولذلك فقد اصبحت مقاومة تلك العصابة الانقلابية فرض عين على كل مصري قادر، فهو الذي سيدفع هو وابناءه من بعده، ثمن سكوته وتقاعصه وتأخره في ردع هؤلاء المجرمين وداعميهم ومناصريهم، وسنرى قريباُ الرد المزلزل للشعب على المجرمين الذين استخفوا به، وإن غداُ لناظره قريب، والله أعلم.