قضايا وآراء

المعارضة المصرية في تركيا في ظل المتغيرات الجيوسياسية

محمود عبد الواحد
1300x600
1300x600
ماذا يعني طلب الحكومة التركية من قنوات المعارضة المصرية التي تبث من تركيا "ضبط الخطاب الإعلامي"؟.. لا إساءة إلى أركان نظام الانقلاب المصري (السيسي وحكومته ووزراؤه).

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الآن تحديداً؟!! فقنوات المعارضة المصرية (مكملين، الشرق، وطن) كلها ما فتئت تفضح فساد وإجرام النظام المصري والأنظمة الشمولية في المنطقة، منذ الانقلاب العسكري المصري في تموز/ يوليو عام 2013.

بل إن "المعذبين" في الداخل المصري وخاصةً من يرزحون في سجون الظلم؛ يرون في إعلام المعارضة بارقة الأمل للتعبير عن عذاباتهم وفضح الانتهاكات التي يمارسها سدنة الانقلاب بحقهم.

لكن المتغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة في إطار المصالح المتبادلة بين الدول لا تبالي - في أغلب الأحيان - بالمستضعفين، والسياسة لا تعرف العواطف.

فتركيا التي طالما رفضت الانقلاب العسكري المصري دخلت الآن في مرحلة جديدة مع نظام السيسي، وعينها على حقول الغاز في شرق المتوسط لإنعاش اقتصادها الذي يشهد تدنياً في قيمة الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية.

بل إن حكومة حزب العدالة والتنمية (Akparti) تواجه ضغطاً من أحزاب المعارضة في البرلمان التركي، والتي تلوم "أردوغان" على ما تعتبره خسارة شركات بلادها فرصاً استثمارية في مصر، فضلاً عن تنازل مصر عن مناطق في مياهها الإقليمية في البحر المتوسط لليونان نكايةً في تركيا، جراء احتضان الأخيرة المعارضين المصريين.

وكان على المعارضة المصرية أن تعي ذلك مسبقاً قبل بداية الغزل الإعلامي بين الحكومة التركية ونظام السيسي، والتقارب التركي مع القوى الإقليمية المتحالفة مع الانقلاب المصري وخاصة المملكة العربية السعودية.

فتركيا التي عارضت حرب التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية على اليمن، أعلنت مؤخرا عن بيع طائرات "بيرقدار" المسيرة للسعودية لضرب الحوثيين في اليمن.

إحقاقاً للحق، لم تكن قنوات المعارضة المصرية مثاليةً، نعم لم تراع - في كثير من الحالات - ميثاق الشرف المهني، لكن لا ننسى أنها وُلدت من رحم القهر، وكما يقول المثل "حجم الصراخ على قدر الألم"، ولا تنبغي مقارنتها بأبواق السيسي التي تديرها أجهزة مخابراته الموغلة في التزييف والتدليس.

ولهذا، فعلى نخب المعارضة المصرية أن تتسلح بالبدائل وأن تكون لديها خطط متعددة ومتنوعة، وأن لا تربط إرادتها السياسية بمصالح الحكومات المستضيفة كي لا تصير ورقة ضغط في لعبة المصالح السياسية بين الدول.

ورغم ما يراه بعض قيادات المعارضة أنه تضييق وخشية بعضهم من تكرار التجربة السورية، حيث أعادت تركيا كثيرا من السوريين المقيمين على أراضيها إلى مناطق خضراء داخل سوريا - وإن كان عدد المصريين في تركيا أقل بكثير من عدد السوريين هناك ولا توجد مناطق خضراء في مصر بالأساس - فليس متوقعاً أن تقدم حكومة "أردوغان" على خذلان المعارضين المصريين، وذلك خشية سقوط مبادئ حزب العدالة والتنمية في نظر مؤيديه الأتراك، خاصة أن الحزب مقبل على انتخابات رئاسية وتشريعية عام 2023. كما أن القوانين التركية لا تسمح بذلك بالنسبة للمصريين المطلوبين لدى نظام السيسي، المسؤول الأول عن إحداث حالة التشتت والضياع؛ ليس للمعارضين له فحسب بل أيضاً لكثير ممن أيدوه قبل سبع سنوات.

ولكون تركيا لاعباً إقليمياً مؤثراً في العديد من الملفات في المنطقة، فعلى قيادات المعارضة المصرية أن تعيد النظر في وجودها داخل تركيا وفي تنسيقها مع الدولة التركية، وأن تتعاطى مع البراجماتية السياسية وتجعل من نفسها رقماً صعباً في المعادلة السياسية. فخصمها يقود نظاما متمرساً مفرطاً في الشر والهيمنة، حتى خارج حدود مصر وفي المنطقة بأسرها.

تقارب النظام المصري مع تركيا لا يعني أبداً التجاوز عن آثامه، فلا هو انتصار للانقلاب ولا هزيمة للمعارضة، بل هي المتغيرات الجيوسياسية التي تفرضها حركية الأحداث وتقلبات معركة الوعي، ودوام الحال من المحال.

وإن كان هناك تضييق على الخطاب الإعلامي في القنوات التلفزيونية، فنحن في عالم الديجيتال ميديا وهنالك العديد من المنصات البديلة في الفضاء الإلكتروني الرحب.

ولعله يكون مدعاة للمعارضة المصرية في تركيا كي تعيد ترتيب أوراقها وأن لا تؤسس كل قواعدها في مكان واحد، ولقنوات المعارضة كي تسعى للتركيز أكثر على المضمون والمعايير الأخلاقية للارتقاء بدورها إلى سقف تطلعات وتضحيات الشعب "المطحون".
التعليقات (0)